يقصد بسر المهنة في المجال الطبي: ذلك السر الذي يتعلق بمرض شخص معين, والذي يطلع عليه من يعملون في الحقل الطبي: كالطبيب أو الجراح أو الصيدلي أو القابلة أو الممرضة, وسر المريض علي هذا النحو أمانة, أوجبت الشريعة الإسلامية علي كل من أطلع عليه أوصل إليه أن يحفظه, ونهته عن الخيانة فيه, وقد تضافرت النصوص الشرعية الدالة علي ذلك, منها قول الحق سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم,وقال سبحانه في وصف المؤمنين: والذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون, وقد اعتبر رسول الله صلي الله عليه وسلم خيانة الأمانة إحدي خصال النفاق, إذ روي عنه أبو هريرة رضي الله عنه أنه قال: أية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف, وإذا ائتمن خان, ولا يخلق بمسلم أن يتصف بصفة من صفات المنافقين, ويعد كتمان سر المريض أحد الأركان الأساسية في ممارسة مهنة الطب, وأحد المبادئ الأخلاقية التي يجب علي الطبيب أن يتحلي بها, وقد حرصت لوائح ممارسة مهنة الطب والنظم المختلفة علي توفير الحماية للسر الطبي, الذي طيلع عليه الطبيب ونحوه ممن يعملون في الحقل الطبي, لأنه يتعلق بآداب مهنة الطب, واعتبر إفشاء أي من هؤلاء لهذا من الجرائم المحصنة, وقد اتجهت نظم التجريم والعقاب فيما يتعلق بإفشاء الأسرار الطبية اتجاهين مختلفين, الاتجاه الأول, يشترط صراحة أن يكون من أفشي السر الطبي, طبيبا أو جراحا أو صيدليا أو قابلة أو ممرضا أو ممرضة, الاتجاه الثاني: لم يشترط في إفشاء السر الطبي أن يكون من أفشاه ممن يعملون في الحقل الطبي أو المهن الطبية المختلفة, بل اكتفي في ذلك بأن يكون من أفشاه ممن يعملون في الحقل الطبي أو المهن الطبية المختلفة, بل اكتفي في ذلك بأن يكون من أفشي الشر قد علم به بحكم مهنته أ و صنعته أو وظيفته, وقد أوجبت قوانين وتشريعات ممارسة المهن الطبية في الدول المختلفة, علي العاملين فيها الحفاظ علي الأسرار المهنية التي يطلع عليها أي منهم بحكم ممارسته لهذه المهن, وعدم إفشاء هذه الأسرار إلا في أحوال خاصة, نصت عليها قوانين وتشريعات ممارسة المهن الطبية أو قوانين أخري في هذه الدولة أو تلك, جزائية كانت أو غير جزائية, وهناك حالات مستثناة من وجوب كتمان السر, حيث أوجيت القوانين المختلفة من علي الطبيب إعلام السلطات العامة ودوائر الأحوال المدنية وغيرها, عن حوادث وقضايا ومشاكل تصل لعلم الطبيب أثناء ممارسته لعمله, ونفت عن قيامه بذلك صفة التجريم, وهذه الواجبات التي اقتضت ذلك, قد تتعلق بأمن المجتع وحماية أفراده من الأخطار التي تتهددهم, أو المحافظة علي صحة أفراده ووقايتهم من الأمراض المختلفة, وقد تقتضيها ضرورات اقتصادية أو اجتماعية أو نحوها, ومن هذه الحالات: إخبار السلطات المختصة عن الجرائم التي علم بها الطبيب من خلال ممارسته لمهنته, أو إذا أمرت المحكمة بإفشاء السر لتحقيق سير العدالة, وذلك إذا طلبت من الطبيب أو غيره ممن يعملون في المجال الطبي إعداد تقرير مفصل عن حالة مريض أو مصاب عهد إليه به, ولو كانت المعلومات التي يتضمنها التقرير تمثل سرار بالنسبة لصاحبها, إو إذا كان إفشاء السر لمصلحة أحد الزوجين, بحيث يكون الإفشاء لصاحب المصلحة منهما فيه, أو كان يقصد التبليغ عن الأشخاص الخطرين علي أنفسهم وعلي الآخرين, نتيجة إصابتهم بمرض أو نقص عقلي كبير, أو تسمم ناشئ عن تناول المواد المسكرة أو المخدرة, إذا كان الإعلام إلي الجهات المختصة التي تعينها وزارة الصحة, أو كان بقصد الإخبار عن الأوبئة والأمراض المتفشية للتوقي والعلاج منها, أو إذا وافق صاحب السر علي إفشائه, أو أذن في إفشائه أحد أبوي القاصر وكانت فيه مصلحة له, أو كان الإفشاء يتعلق بالإبلاغ عن المواليد والوفيات, وقد اعتبرت القوانين امتناع الطبيب عن إفشاء سر مريضة في الحالات التي توجب عليه ذلك, مكونا جريمة سلبية, ترتكب وتتم بمجرد امتناعه عن القيام بما أمرت به القوانين والتشريعات من هذا الإفشاء.