لم يكن أحد يعتقد أن جبهة الإنقاذ يمكن أن تركب لموجة بعد ثورة30 يونيو2013 م بهذه السرعة وتدفع بمرشحين لها في الرئاسة المؤقتة وفي الوزارة الانتقالية بالرغم من حاجة البلاد إلي الأمن والاستقرار. وكان يجب علي المسئولين عن صناعة القرار ألا يسعوا إلي زيادة حدة الإحتقان والإستقطاب في الشارع المصري بعد خلع الرئيس السابق بسبب أخطاءه المتكررة والتي حذرته منها مرارا وتكرارا في هذا المنبر الحر والتي كان يمكن تجنبها لو كان هو وجماعته يستمعون إلي صوت العقل فإذا به يقود البلاد إلي منحني خطير ما جعل الشعب المصري يخرج في طوفان بشري لم يسبق له مثيل ليطالب بإصلاحات سريعجة وواسعة ولكن الرئيس والمحيطين أغفلوا حق المتظاهرين ولم ينتبهوا إلي شرعية الشارع المعبرة عن صوت الشعب فالشريعة بيد الشعب يملك أن يعطيها لحاكم ويملك أن يسحبها منه وعليه أن يمتثل لإرادة شعبه, وكان من الممكن الجمع بين شرعية الشارع وشوعية الصندوق ولو فعل ذلك ما دخلت البلاد في هذه الأزمة الراهنة والخانقة. وكان المسئول الأول عن كل الذي حدث هو الرئيس ذاته لمطمع أو سوء تقدير لموقف أو سوء إدارة منه في نفس الوقت لم يتمكن من خلع جلباب الإخوان عن نفسه بعد أن وعد الشعب بذلك في أول خطاب له أمام الجماهير المحتشدة لسماعه, بل دفع دفعا إلي تسيير البلاد من خلال مكتب الإرشاد وتنظيمه الدولي والذي قاد البلاد بدوره إلي هذا المنعطف الخطير حتي أن البعض يعتقد أن الإرشاد هو الذي أطاح بالرئيس المصري مما يعزز الشكوك عن وجود اختراق مخابر دفع إلي هذا الصدام بين الشعب والرئيس ومن خلفه جماعته ولو كان الإخوان صادقين في دعواهم لحاسبوا مكتب الارشاد بدلا من توزيع التهم جزافا علي الشعب والجيش الذي حمي مصر من الدخول في مواجهات دامية ليس للإسلام فيها ناقة ولا جمل سوي استخدامه ستارة لإشاعة الخوف والرعب بين الناس. والغريب أن جبهة الإنقاذ في حاجة إلي إنقاذ مصداقيتها التي فقدتها في الشارع فهي لم تستوعب الدرس ولم تستنتج العبر من كل الذي حصل بل وجري أعضاؤها هائمين وأتباعها مغرورين ومغررين وراء الكرسي ومغرمين بالبحث عنه لجني ثمار الإنقسام الذي حدث في الشارع المصري وكانوا وقودا له مع غيرهم والذين شاركوا فيه بل ويتحملون فيه قدر كبير من المسئولية بمقدار مسئوليتهم عن صناعة القرار وكان يجب عليهم التأكيد علي لم الشمل بدلا من توزيع المناصب علي بعضهم البعض في هذه المرحلة الخطرة وكان من اللازم تكليف الأكفاء من التكنوقراط المستقلين والذين ليس لهم علاقة بالأحزاب السياسية الباحثة عن مصالحها الذاتية والتائهة في البحث عن مصالح مصر العليا حتي يخرجوا البلاد من محنتها ومنعا للقيل والقال. ولم تأخذ في الاعتبار جبهة الإنقاذ وغيرها من كل الأحزاب الموجودة علي ناصية الساحة السياسية أنهم يتحدثون بإسم نسبة قليلة من الشعب المصري لا تتعدي5% وأن الذي خرج في المظاهرات العارمة في30 يونيو هم من أنصار حزب الكنبة الذي رفع الغطاء عن كل السياسيين وأصبح يتصدر المشهد بكل مكوناته فهم الذين نزلوا بكامل حريتهم إلي الشارع بعشرات الملايين دون أخذ أوامر من أحد وهم الذين يمثلون أكثر من95% والذين تعتمد عليهم مصر الآن في عدتها وعددها, فلن يتركوها مرة أخري لأحد يتلاعب بحاضرها ولا مستقبلها بعد أن ملكوا مصيرهم بأيديهم فلا يمكن أن يعيش هؤلاء الساسة في رغد من العيش والقصور والبحث عن السلطة, ويتركون الشعب نهبا للفقر والجوع والمرض والعيش في العشوائيات. ومع ذلك لم يدرك هؤلاء أدعياء الساسة أنهم مازالوا يغطون في نوم عميق وأنهم أعطوا كل ما عندهم ولم يعد في جرابهم شيء يعطونه للناس سوي التمثيل عليهم والإدعاء بأنهم يمثلون الشعب المصري وتلك الملايين التي خرجت من أجل إسقاط النظام السابق بعيدا عن التخريب فلا وصاية لأحد علي الشعب, حتي ولو كان عن طريق الصندوق الذي لم يحقق شيئا للشعب بعد أن استولي علي كل مؤسسة الدولة واحتكارها وعمل علي إقصاء الأخر مما عجل بخلعه من السلطة. ويبدو أن العجلة تدور دورتها إلي الوراء وفي فترة زمنية وجيزة لا تتعدي أيام بعد ثورة30 يونيو فإذا بنا نجد أن المشهد الجديد يتكرر بنفس الشكل ونفس المضمون وعلي نفس النمط الذي كان عليه قبل الثورة و يبدو أن الأنانية مرض متأصل في نفوس الكثير من المسئولين الذين لم يدركون خطورة الظرف الراهن الذي تمر به مصر فبدلا من تحمل المستقلين عبء المسئولية في هذه المرحلة الإنتقالية وجدنا رموز جبهة الإنقاذ بمشايخها ومعارفها مغروزة في البحث عن السلطة من قمة رأسها إلي أخمس قدميها في مظهر يجسد الانتهازية السياسية وفي غياب العاقل الرشيد حتي أصبحت في حاجة إلي إنقاذ نفسها مما هي فيه. أستاذ بكلية الطب رابط دائم :