أباحت الشريعة الاسلامية إشباع رغبات الجسد من خلال أحكامها عن طريق الأكل والشرب الحلال والزواج الشرعي, كما طلبت في الوقت ذاته بضرورة إشباع الروح عن طريق الصلاة والصيام والتسبيح والاستغفار والذكر مما يؤكد أن شهر رمضان جاء لصيانة الروح وإعلاء شأنها باعتبار أن الصوم سياحة روحية وصفة رحمانية حمدانية لما يتخلق من الصائم بامتناعه عن الطعام والشراب والمتع الحسية فعندما يتخلق باسم الصمد يتعرض لتجليات وفتوحات ربانية أرشدت تعليمات السنة النبوية إلي طريق الوصول لهذه الدرجة من خلال قيام الليل لمواصلة السير إلي الله والسياحة في عالم الروح استعدادا للجنة بما شرع من زكاة وصدقات والحث علي الاكثار من فعل الخيرات وقراءة القرآن والعطف علي المساكين. في البداية يؤكد الدكتور إبراهيم شعيب بكلية الدعوة جامعة الأزهر أن الانسان مكون من روح وجسد فالجسد يقوم علي ما يخرج وثمار وفاكهة لقوله صلي الله عليه وسلم بحسب ابن آدم لقيمات يقمن بها صلبه إلي أخر الحديث. أما الروح فهي الأرقي والأولي بالخدمة والرعاية ولذلك جاءت تشريعات الاسلام بخدمة هذا المعني حتي يرقي ويعلو ولا ينحط إلي رتبة البهيمية والعياذ بالله لقوله تعالي واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلي الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون فهذه الآيات توضح أن الانسان إذا تعلم آيات الله واتبع التشريع فإنه يرتفع ويرتقي ويعلو وتسمو روحه وإذا ابتعد عن المنهج الصحيح فإنه ينحدر إلي رتبة البهيمية, فشهر رمضان المعظم فرصة عظيمة لغذاء الروح, فنجد الصيام الذي لم يتعبد به أحد لمعبود غير الله تعالي فبعض الناس قد يصلون لآلهتهم ويذبحون القربان لأوثانهم ولكن لم يذكر قوما تعبدوا لمعبوداتهم بالصيام لذلك يقول الله تعالي في حديثه القدسي كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإن لي وأنا أجزي به وفيه الصلاة والصلاة الفريضة تعدل70 فريضة فيما سواه وصلاة النفل تعدل فريضة فيما سواه وإن كان أداء فرض الصلاة علامة علي القرب من الله سبحانه وتعالي فإن أداء النفل علامة علي الحب لقوله تعالي في الحديث القدسي وما تقرب إلي بشيء أحب إلي ما افترضته عليه ومازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتي أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ولأن سألني لأعطيته ولأن استعاذ بي لأعيذنه, وفيه الصدقة التي تشعر الفقير بأن الأمة لم تنشغل عنه في متاهات الحياة ولذلك كان رسول الله صلي الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان, حينما يلقاه جبريل فلقد كان رسول الله أجود من الريح المرسلة من فطر صائما كان مغفرة لذنوبه وعتقا لرقبته من النار من أشبعه كان له مثل أجر الصائم لا ينقص من أجرهم شيئا, وفيه القرآن مع التدبر والتفكر فيما يتلوه لقوله تعالي والذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الغافلون وتلاوة القرآن تجعل المسلم صولا بالله حيث يكلم ربه بتلاوته للقرآن وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر وهي ليلة نزول القرآن والتي تتنزل فيها الملائكة بقيادة جبريل وتسلم الملائكة علي كل راكع وساجد قال تعالي تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتي مطلع الفجر كل هذه الأمور وغيرها تجعل المرء يعيش سياحة روحية يتخلص فيها من أدران المادة وأعبائها ويرتفع من الانغماس في الوحل وبراثن الشهوات. ويقول الدكتور رشدي شحاتة رئيس قسم الشريعة بكلية الحقوق جامعة حلوان, أن الانسان مخلوق من جسد وروح, والمعروف أن الجسد مادة من الأرض والطين أما الروح فهي من الله, من السماء ومن ثم فإن تكوين الانسان يكون بين المادة والروح, المادة تجذب الانسان إلي أسفل تطلب من الجسد أن يتمتع بالشهوات أما الروح فهي من السماء نور من الله يسمو بالانسان إلي أعلي ومن ثم أصبح لزاما علي الانسان أن يشبع حاجات الجسد والروح معا فإذا قام بإشباع حاجات الجسد وحده فهو كالحيوان يقول تعالي والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوي لهم, ويقول أيضا و ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون أي أن الانسان الذي يهتم بالجسد فقط ويعمل علي إشباع رغبات الجسد فقط ولا يهتم بإشباع رغبات الروح يكون كالأنعام التي لا يهمها غير التمتع بالدنيا ويترتب علي ذلك أن يكون في حالة توهان تجده غائبا عصبيا يثور لأتفه الأسباب لا يستطيع التركيز لاتخاذ القرار الصحيح والشريعة الاسلامية العظيمة طلبت منامن خلال أحكامها إشباع رغبات الجسد من خلال الأكل والشرب الحلال والزواج الشرعي وإشباع بعض الرغبات عن طريق البيع والشراء والهبة والوديعة وغير ذلك مما يؤكد أنها أباحت رعاية الجسد كما طلبت منا إشباع رغبات الروح عن طريق الصلاة والصيام والتسبيح والذكر والاستغفار فشهر رمضان من خلال الصيام هو شهر صيانة الروح وإعلاء شأنها وتقوية الجهاز المناعي عند الانسان ويوضح الدكتور محمد أبو ليلة عميد كلية الدراسات الاسلامية باللغة الانجليزية الأسبق أن السياحة إما سياحة في الأرض بغرض العلم أو المعرفة العقلية أو الروحية والتمتع بالآثار الجميلة التي خلقها الله أوصنها الانسان, أو المعني الآخر للسياحة وهو السياحة الروحية المجردة بغرض التقرب إلي الله عن طريق التجرد من فتن الدنيا وتصفية القلب من المطامع والشهوات والغفلات التي تحجب عنه النور الإلهي كليا أو جزئيا ولذلك فسر العلماء قوله تعالي التائبون العابدون الحامدون السائحون الرائعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين السائحون العلماء الصائمون كما وصف الله نساء النبي صلي الله عليه وسلم في القرآن بهذا المعني أي بأنهن سائحات, والصائم السائح هو الذي يصوم جوفه عن الطعام والشراب وعن سائر أنواع المفطرات أثناء نهار رمضان, وتصوم جوارحه كلها عن المعاصي في كل وقت من أوقات رمضان, وغيره ويصوم قلبه عن التكبر في الدنيا علي نحو يضر بسياحته في عالم السائحين الصائمين وتحجب عنه الأناور الألهية فالصائم السائح يصوم لسانه عن الكذب والخداع وقول الزور وعن التحريض عن الشر والوقيعة بين الناس بالكلمة المنطوقة كانت أو مكتوبة فاللسان كما أنه يعبر عن العلم والحكمة والحب فهو إذا أطلق يكون كالزناد ويقدح نار الفتنة وينشر الشر في الأمة, والصائم يصوم عن النظر بعينه إلي ما حرمه الله من الأعراض أو الأحوال فالعين هي وسيلة الجشع والطمع والحسد والحقد المدمر, وهي التي تزين المتع والرغائب فإذا لم يحفظها صاحيها أهلكته. والصائم السائح يصوم سمعه عن الكذب والنفاق ونقل الاشاعات وكلام أهل الضلال والذي يشعل الشر. ولعظم قيمة الصيام وما يحصل عليه الصائمون من أجر ومثوبة وراحة وسكينة لقوله تعالي فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون قيل أن عملهم في الدنيا الصيام لذلك نالوا المكانة العظيمة لأن الله تعالي قال إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب والصيام هو تاج الصبر والصبر جزاءه يفوق الحصر والتقدير أنه عمل خالص لله فلم يعبد به سواه وهو عمل لا يصلح إلا لله سبحانه وتعالي.