من المؤكد أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يواجه حكم الإخوان بمصر, فقد اتفقت أهدافه والإخوان بالمنطقة وتناغمت السياسات بالشرق الأوسط, ورأت فيهم الإدارة الأمريكية أنهم جندهم لتنفيذ استراتيجيتهم المعلنة للمنطقة والمسماة بالشرق الأوسط الجديد, التي إحدي أدواتها سياسة الفوضي البناءة التي نادت بها كونداليزا رايس عام1998, لذلك فقد أنعم عليهم بموافقته منذ البداية وأيضا عقب نجاح ثورة25 يناير لتولي حكم مصر وبعض الدول العربية والإسلامية الأخري, كما أسبغ عليهم حمايته.. حتي سقطوا بهذه الصورة الشنيعة منذ أيام, وبسببهم ووجه بانتقادات وتحمل لوما شديدا من العديد من الساسة الأمريكيين وخاصة من الحزب الجمهوري المنافس لصرفه مبالغ ضخمة من ميزانية الولاياتالمتحدة عليهم لدعم وصولهم للحكم واستمرار بقائهم به. * لذا فقد أيد أوباما الاتجاه الذي تبناه بعض الساسة الأمريكيين ويصف ما حدث بمصر بأنه انقلاب عسكري ضد إرادة الشعب المصري, وهدد بوقف صرف المعونة العسكرية للجيش المصري والتي كان مستمرا في صرفها تحت ولاية الإخوان, تلك المعونة التي يلزم القانون الأمريكي ألا تنعم بها نظم حكم تولت السلطة بناء علي انقلاب عسكري, فأي الخيارين سيتبني, هل الاستمرار في سياسته الرامية لدعم الإخوان وبالتالي الموافقة علي تسمية ما حدث بأنه إنقلاب عسكري, أم سيجنح للعقل ولما فيه مصلحة شعوب المنطقة والمصلحة الأمريكية علي المدي الطويل, والتي تتفق والمباديء الأخلاقية السامية التي أقيمت عليها الولاياتالمتحدة وتبناها سياسيون عباقرة وحكام كبار أمثال تيودرو ويلسون وتوماس جيفرسون. * دعونا نساعده للخروج من محنته ونعينه علي ما أصابه وإبتلاء من الرهان علي طرف سوء كان من المحتم أن يغرق ويغرقه معه, فيحيد عن الطريق الخطأ ويجنح للصواب, إن ما حدث في مصر هو في حقيقته ثورة شعبية جارفة علي حكم ظالم أدخل البلاد لنفق مظلم يؤدي فقط لوادي التيه والضياع, أوضاع وظروف اقتصادية بائسة, وبيئة سياسية مولدة للعنف والإرهاب والفتنة الطائفية والتناحرات المذهبية التي كان من المحتم أن تفضي بمصر للتقسيم إلي تقسيمات صغيرة, فأعلن الشعب ثورته حتي تحقيق مطالبه التي تلخصت في إجراء انتخابات رئاسية مبكرة, لكن النظام الحاكم عاند وتكبر ورفض وماطل, فكان, أن طور الشعب من أسلوب تحركه وأعلن البدء في الدخول في العصيان العام والشامل, وهو ما كان من شأنه أن يدخل البلاد في أزمة سياسية طاحنة لا مخرج منها, لذلك فقد كان لزاما علي القوات المسلحة ووزارة الداخلية أن يستجيبا لمطالب الشعب ولما فيه مصلحة مصر, فإستجابتا لنداءاته بسرعة التدخل حفاظا علي بقاء الدولة وصيانة لمؤسساتها العريقة كالقضاء والإعلام اللذين كان لهما حظ عظيم من عداء تنظيم الإخوان ونظامه الحاكم بمصر, فأعلنت القوات المسلحة والشرطة نيتهما القيام بمسئوليتهما الدستورية والوطنية بمساندة الشرعية الشعبية, فأعلن القائد العام للقوات المسلحة عن مبادرته الوطنية الشجاعة للخروج بمصر من محنتها, بإعلان خارطة طريق جنب فيها الرئيس السابق محمد مرسي الإخواني مسئولية القرار السياسي ووقف العمل بالدستور القائم مؤقتا وتولي رئيس المحكمة الدستورية إدارة شئون البلاد حتي إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في أقرب وقت, وقد أعلن بالفعل رئيس الجمهورية المؤقت الإعلان الدستوري الذي ستدار به البلاد في الفترة القليلة القادمة لحين تنفيذ بقية بنود خارطة الطريق. * فالقوات المسلحة لم تستول علي الحكم من تلقاء نفسها ولأغراض شخصية سلطوية بحتة من رئيس منتخب شرعي, بل نزعتها عنه تلبية لمطالب الشعب بعد أن نزعها عنه بالفعل بإجماع منقطع النظير وبنسبة غير مسبوقة في العالم, ولم يتول مسئولية الحكم بعد ذلك بنفسه بل اعلن خروجه من العملية السياسية بالكامل وسلمها مؤقتا لرئيس المحكمة الدستورية العليا وفقا لأحكام الدستور الذي كان وكلفه بالقيام ببقية الخطوات الدستورية اللازمة لوجود واستمرار دولة ديمقراطية كاملة باستكمال مؤسساتها الدستورية, وأولها تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة تدير شئون البلاد. الانقلابات العسكرية وفق المفهوم السياسي للكلمة تعني القيام بتدخلات خشنة وسافرة من الجيش يطيح فيها بالسلطة القائمة, ويتولي هو حكم البلاد بشكل مباشر, فلم تحتفظ القوات المسلحة في بمصر بالسلطة لنفسها ولم تسقط مؤسسات الدولة التي كان معظمها غير قائم بالفعل, ولم تتحرك من تلقاء نفسها لهدف سلطوي شخصي لقادتها, بل كان تحركها استجابة لمطلب شعبي عام ومستند علي مسئولياتها الدستورية والأخلاقية للحفاظ علي الدولة ومؤسستها وصيانة حقوق الشعب. * سيادة رئيس أكبر دولة بالعالم, بوصفك راع للديمقراطية العالمية كما تعلن دوما, لو سمحت كن صادقا مع نفسك, لا تتناقض مع ذاتك, ما حدث بمصر هو ثورة شعبية صادقة وسلمية, فلا تخذلها وتخسر نفسك وتسقط في عيوننا أكثر مما سقطت, لقد لمحنا مؤخرا, وحتي وقت كتابة هذه السطور, في تصريحات إدارتك الأمريكية الاستعداد لوضع الأمور في نصابها والاعتراف بالثورة الشعبية بمصر والتعامل معها علي هذا الأساس, فأهلا وسهلا في طريق الحق, لا تعاند أو تكابر, فالحق أولي بأن يتبع.