تنسيق المرحلة الأولى 2025.. حقيقة وجود تغييرات لطلاب الثانوية    "الدستور" يعقد اجتماعًا مع مرشحيه المحتملين للانتخابات البرلمانية المقبلة    تحصين أكثر من 42 ألف رأس ماشية في الجيزة خلال 3 أسابيع    "الزراعة" تُعلن توصيات ورشة تنمية المهارات الشخصية للعاملين بالقطاع الزراعي    مصلحة الضرائب تحدد موعد إصدار ايصالات ضريبية إلكترونية على بيئة التشغيل    هيئة أممية تؤكد تفاقم أزمة الجوع المميتة في غزة    القاهرة الإخبارية: دخول 117 شاحنة مساعدات أمس لقطاع غزة    كمبوديا: نجاح 45 موظفا محاصرا في الفرار من معبد برياه فيهيار    صور.. وزير الرياضة يفتتح منشآت جديدة في الجيزة ويشيد بتطوير البنية التحتية    "مقابل 7.5 مليون دولار".. تقرير يكشف مصير وسام أبو علي بالانتقالات الصيفية    "مخدرات وسلاح".. الداخلية: تنفيذ 83 ألف حكم قضائي خلال 24 ساعة    إصابة سيدة في انهيار منزل قديم بقرية قرقارص في أسيوط    "وداع العمر".. مصرع سيدة تحت عجلات القطار أثناء توديع أبنائها في إسنا    جورج وسوف ناعيا زياد الرحباني: "أعمالك رح تبقى خالدة"    "بسبب الفلوس".. طالب يتخلص من حياته شنقا بشمال قنا    ترامب يعلق على الهجرة إلى أوروبا: «أوقفوا هذا الغزو الرهيب»    فلكيا.. موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 في مصر    ارتفاع جديد للطن.. سعر الحديد اليوم السبت 26 يوليو 2025 أرض المصنع    «دفع المقابل المادي».. الغندور يكشف اقتراب بيراميدز من خطف هدف الأهلي    المعز علي: مونديال الناشئين 2025 حافز قوي لصناعة جيل جديد من النجوم    «اتطمن يا بندق هيجيب بطولات مش أهداف».. رد ناري من المنيسي على تصريحات الغندور بشأن زيزو    «كان بالونة دلوقتي لاعب عالمي».. رسائل نارية من خالد الغندور ل جماهير الأهلي بسبب زيزو    التموين خفض أسعار الدواجن المجمدة بالمجمعات الاستهلاكية من 125 جنيهًا ل 110 جنيهات    شروط القبول والتسجيل بجامعة بني سويف الأهلية «تعرف عليها»    إعلان نتيجة الثانوية الأزهرية 2025.. شيخ الأزهر يعلق مكالمات تهنئة أوائل العام ويلغي المؤتمر    النيابة تقرر إعادة استجواب الطاقم الطبي لأطفال دلجا بالمنيا    السيطرة على حريق بدروم منزل بحي غرب أسيوط    «ميتا» تعين أحد مؤسسي «شات جي بي تي» كبيرًا لعلماء مختبرات الذكاء الفائق    القومي للطفولة والأمومة يشيد بقرار محافظ الجيزة بحظر قيادة الأطفال للإسكوتر الكهربائي بالطرق العامة    مصر تنفذ مشروعًا مائيًا لحل مشكلة انسداد مخرج بحيرة كيوجا في أوغندا ب«ورد النيل»    أمير كرارة وهنا الزاهد على قمة شباك تذاكر السينما في مصر (تفاصيل وأرقام)    مجمع الشفاء الطبي في غزة: سجلنا 7 وفيات بسوء التغذية خلال أسبوع    «توفير 1.8 مليار جنيه» .. الصحة تكشف نتائج التقييم الاقتصادي لمبادرة «صحة الأم والجنين»    بجهازي قسطرة قلبية.. دعم المنظومة الصحية ب46 مليون جنيه في البحيرة (تفاصيل)    كم مرة يجب تغيير «ملاية السرير»؟.. عادة بسيطة تنقذك من مشكلات صحية خطيرة    الاتحاد الإفريقي يرحب بإعلان ماكرون نيته الاعتراف بدولة فلسطين    وزير الثقافة ناعيًا الفنان اللبناني زياد الرحباني: رحيل قامة فنية أثرت الوجدان العربي    يوم الخالات والعمات.. أبراج تقدم الدعم والحب غير المشروط لأبناء أشقائها    إعلام فلسطينى: الاحتلال يستهدف منزلا غرب مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة    ماذا قال أحمد هنو عن اطلاق مبادرة "أنت تسأل ووزير الثقافة يجب"؟    وفاة 3 رضع في غزة نتيجة سوء التغذية ونقص الحليب بسبب حصار إسرائيل للقطاع    إنتر ميامي يتعاقد مع صديق ميسي    ما هي أموال الوقف ومواردها؟.. القانون يُجيب    مصر تشارك في صياغة وإطلاق الإعلان الوزاري لمجموعة عمل التنمية بمجموعة العشرين    غينيا تتجاوز 300 إصابة مؤكدة بجدري القرود وسط حالة طوارئ صحية عامة    من رصاصة فى القلب ل"أهل الكهف".. توفيق الحكيم يُثرى السينما المصرية بكتاباته    كيف احافظ على صلاة الفجر؟.. أمين الفتوى يجيب    حكم قضائي جديد بوقف أمر ترامب بشأن «حق الجنسية بالولادة» رغم قرار المحكمة العليا    بالأرقام.. الحكومة تضخ 742.5 مليار جنيه لدعم المواطن في موازنة 25/26    "تأقلمت سريعًا".. صفقة الأهلي الجديدة يتحدث عن فوائد معسكر تونس    أعرف التفاصيل .. فرص عمل بالأردن بمرتبات تصل إلى 35 ألف جنيه    ليلة أسطورية..عمرو دياب يشعل حفل الرياض بأغاني ألبومه الجديد (صور)    بعد ظهور نتيجة الثانوية 2025.. وزارة التعليم: لا يوجد تحسين مجموع للناجحين    أسفار الحج (9).. زمزم والنيل    أجندة البورصة بنهاية يوليو.. عمومية ل"دايس" لسداد 135 مليون جنيه لناجى توما    "الحشيش حرام" الأوقاف والإفتاء تحسمان الجدل بعد موجة لغط على السوشيال ميديا    الأوقاف تعقد 27 ندوة بعنوان "ما عال من اقتصد.. ترشيد الطاقة نموذجًا" الأحد    بعد «أزمة الحشيش».. 4 تصريحات ل سعاد صالح أثارت الجدل منها «رؤية المخطوبة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هاند ميد

هذه هي آخر الأشياء التي فكرت في عملها قبل إقدامي علي الانتحار‏,‏ لم اخطط لترتيبها او التفكير في اي منها‏,‏ ولكنها أشياء بدت لي مهمة جدا‏,‏ الانتحار هو فعل الاختيار الأخير الذي سأقوم به‏
فالموت خائن جبان ها هي كلمة أخري اتت بين كلماتي من الكتب يأتيك بشكل مفاجيء ولا يترك لك اي فرصة لتفعل تلك الأشياء الأخيرة‏,‏ كان علي ان انهي اولا الكتب التي اقرؤها وكانت بالمصادفة مجموعة القصص القصيرة لموباسان طبعة الهلال بعنوان المجنون‏,‏ تلك التي تنبأ فيها بموته ووصف كل مراحل الإصابة بمرض الزهري من هلاوس وارتياب نعم موباسان ذلك العبقري الذي كان يعبد النساء حتي اصابه ذلك الداء الذي أودي بحياته عن عمر ثلاثة واربعين عاما ليحقق بالضبط ما يطمح إليه كل فنان بالتوحد مع جماعته المغمورة التي يحب الكتابة عنها‏,‏ ولكن هل كان ذلك هو هدفه الوحيد أم انه كان ضحية ايضا لهوسه الشخصي اما الكتاب الذي في يدي الآن رواية الجريمة والعقاب لدستوفسكي‏,‏ لا أعرف لماذا كنت افضل دائما تورجنيف وتولستوي وتشيكوف وليرمنتوف علي دستوفسكي‏,‏ وكنت دائما ما أكذب وأقول انني قرأت اعماله بينما في حقيقة الأمر لم أكن قد قرأت له شيئا سوي رواية الأبله‏,‏ تلك الرواية الجميلة جدا والتي شعرت كثيرا بأن هناك شيئا ما يربطني ببطلها الحزين غير القادر علي فعل اي أشياء عظيمة‏,‏ كنت أشعر دوما بأنني ذلك الأبله الذي لا يعرف مفردات العالم الذي يعيش فيه‏,‏ لذا كنت أخاف من قدرات هذا الكاتب الجبارة لانني كلما قرأت تلك الأعمال الاستثنائية أشعر بعدم جدوي فعل الكتابة الذي أقوم به‏,‏ دستوفسكي ذلك العملاق المعماري والحكاء حتي النخاع جعلني اكرهه جدا وذلك ما فعله كافكا بي أيضا‏,‏ كيف يتأتي لهؤلاء الكتاب تلك القدرات الفذة علي كشف النفس الإنسانية انا ضعيف ضعيف جدا‏,‏ وهم وحدهم مايجعلوني اواجه تلك الحقيقة القاسية‏,‏ كنت دائما ما اعزو فشلي الكبير لسوء الحظ‏,‏ لكنني الآن وبصفتي رجلا سوف ادخل النار بعد قليل علي أن أقول الحقيقة وان اواجه نفسي‏,‏ كنت طفلا وحيدا وحيدا لا يعرف مفردات العالم الذي يعيش فيه يسمونه احيانا التغريد خارج السرب واحيانا بضريبة الاختلاف ولكني اسميه الهبل‏,‏ نعم فما اجمل ان تتكيف مع المحيطين بك وان تحظي بينهم بالقبول وان يشعروك بأنك واحد منهم الاان الطبيعة دائما ما كانت تجعلني اشعر باني مختلف‏,‏ فكلهم يقولون لي يانوبي‏,‏ مع انني مثلهم مولود في حي السيدة زينب ولم اذهب ابدا إلي النوبة والتي عرفت فيما بعد انها غرقت والتهمها السد العالي‏,‏ كان علي ان احكي هذه الحكاية الاف المرات‏(‏ النوبة غرقت لما اتبني السد العالي‏)‏ الاختلاف الثاني هو نحافتي الشديدة عن بقية اقراني‏,‏ وكذلك كتابتي بيدي اليسري وهو ما يعني انني غريب جدا بالنسبة لهم‏,‏ اما اكثر ما كان يثير دهشتهم هو انني في الفسحة لا ألعب كرة قدم بل اقرأ الكتب والروايات والمسرحيات ولما لا وأنا ابن لاب يساري جرب المعتقلات في عهد عبد الناصر عام‏1959,‏ كل ما اتذكره عن ابي هو نهمه الشديد للقراءة وحبه غير العادي لعبدالناصر‏,‏ كان أخي الكبير يدرس السينما وعنده ولع شديد بكاميرات التصوير وانواعها وطرق الطبع والتحميض وهكذا اخي يصور وابي يقرأ وأنا لا اتكلم مع احد سوي الكتب والكتب ثم مزيدا من الكتب‏,‏ احب كتب دار التقدم بموسكو خاصة المطبوع علي غلافها الامامي صورة كبيرة للكاتب كنت أظن هؤلاء الكتاب آلهة او انهم علي الأقل لا يعملون وإنما يظل كل منهم يجلس في مكتبه يتأمل العالم‏.‏
واحزانه ثم يأتيه الوحي‏,‏ فيجلس ليكتب بالساعات‏,‏ وكان املي الكبير ان يكون لي كتاب طبعة هارد كافر وتزين صورتي الغلاف الخارجي مثلهم‏,‏ بعدها عشقت روايات دار الهلال وكتب عالم المعرفة الكويتية وكل ما وجدته من كتب تراث مثل ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة والسيرة الهلالية وكل كتب نجيب الكيلاني للأطفال‏,‏ كتب شكلت كل حياتي لا استطيع تذكرها الآن وأنا علي حافة الموت او حافة الحياة لم ألعب مثل اصدقائي اي العاب في السيدة زينب ولم أكن شغوفا بكرة القدم لعبتهم الأثيرة‏,‏ كل ما أعرفه هو تلك الكتب وهؤلاء الناس‏,‏ يحيي حقي ونجيب محفوظ ويوسف ادريس وبعدهم اي قصة او رواية تقع في يدي‏,‏ كل ما كنت اعرفه هوذلك الغبار الذي يتسرب إلي كتاب فأشعر بأن صاحبه يغضب مني او ربما اشعر انا بالخجل من صاحب الكتاب‏,‏ لم تكن لدي اي مغامرات عاطفية ولم أعرف اصلا التعامل مع النساء الا عند دخولي الجامعة ولم أفهم ابدا اي حب سوي حب هاملت واوفاليا وحب روميو وجوليت وحب قيس وليلي وحتي انني كنت متمردا جدا علي الواقع وعلي طريقة الناس في الحياة ولكني كنت خجولا بطريقة توصف في التعامل اليومي مع البشر‏,‏ فكانوا جميعا ينعتوني بالطيب او كلمة ده أمير وساعات ابن حلال لاأعرف ان هناك طرقا غير مباشرة في التعامل ولا أعرف ان الكذب يمكن ان يكون طريقة حياة‏,‏ فشلت في عملي في التليفزيون المصري بعد أربعة عشرعاما من اعداد البرنامج التي تعدت خمسة وعشرين برنامجا بما يكفي لأن اصبح مليونيرا ولكني كنت فقط أحصل علي اجر الحلقة‏,‏ لم أكون علاقة مشبوهة مع مصدر او اسجل حلقة من الفيديو المنزلي لابيعها له او اسجل مع الشخصيات الفنية العربية واحصل منهم علي مقابل خاصة ابناءالخليج‏,‏ لذلك لم يتغير حالي كثيرا ورجعت مرة أخري اجتر فشلي بعد كل هذه السنوات من العمل المتواصل‏,‏ اما علي صعيد الحب لم افهم المرأة ولم تفهمني ابدا‏,‏ معظم علاقاتي فاشلة ربما لاني ابدو دائما في مظهر الطيب البسيط الذي لا يغري اي احد في الاهتمام به‏,‏ كل ما اعرفه عن العالم هو أن أكتب علي فترات متباعدة بعض القصص القصيرة التي احبها او ان اقوم بتصوير شقاء البسطاء ومعاناتهم اليومية‏,‏ لما لا وانا اصلا واحد منهم يتعجب كثيرا‏,‏ من الناس كيف اعمل معد برامج ومصورا فوتوغرافيا وكاتب قصة ولا أملك اي قدر من النقود واعيش فقط كصعلوك متشرد بل وابدو احيانا انني بلا عمل اصلا‏,‏ اعرف انني لست صاحب حكايات عظيمة وان صحبتي ربما كانت غير مسلية‏,‏ وأنا اصلا استمتع بوحدتي ولا أشعر معها بأي خجل‏,‏ بل علي العكس الجموع هم أكثر شيء يؤرقني ويخرجني عن ذاتي لذا قررت اليوم ان انهي رواية الجريمة والعقاب ومجموعة المجنون وأذهب لأسهر في أحد كباريهات شارع الهرم تلك التي طالما سمعت عنها ورأيتها في التليفزيون فقط‏,‏ سأرقص مع الراقصة وابعثر حولها كل ما لدي من مال بعد بيع المكتبة ثم اقف بسيارة مستأجرة ابحث عن فتاة ليل جميلة امارس معها الجنس طوال الليل بعدها اقوم برحلتي الأخيرة للإسكندرية مع تلك الفتاة‏,‏ ربما بعدها القي بنفسي في الماء وأموت غرقا لمعرفتي بأن من ماتوا غرقا أكثر بكثير من الذين ماتوا عطشا‏,‏ سأعطي المكتبة لصديقي الذي يبيع الكتب في السيدة زينب ولن افاصل معه ابدا فكل ما احتاجه هو قضاء تلك السهرة سأكتب خطاب وداع لاصدقائي الأدباء الشبان ربما تنشره احدي الجرائد المستقلة سأوضح فيه انني اصيبت بالملل وان طريق الكتابة شاق وصعب‏,‏ لكن عليهم ان يكملوا بطريقة أفضل مني فأنا لست سوي حالة فردية وربما فيما بعد سيصبحون ادباء عظاما في مجتمع لا يقرأ ولا يحفل بهم اصلا‏,‏ لا لن اكتب لهم هذ الجملة حتي لا يصابوا بالإحباط لانهم يعلمونه ايضا مثلي‏,‏ سأتحرر من تلك القيود‏,‏ الطموح الكبير والحلم بعالم افضل ذلك الحلم الذي ظل يراودني حتي بلغت الآن السابعة والثلاثين واعتقد أنه لن يتحقق ابدا فالعالم إلي زوال والشر لا يمكن مجابهته‏,‏ فساد النفوس لن يصلحه الأدب ابدا انا لن استطيع تغيير العالم ولا حتي الشارع الذي اسكن فيه‏,‏ والكتابة الأدبية موجهة اصلا للنخبة إلا إذا اصبحت جماهيرية جدا وساعتها لابد لك ان تقدم ما يرضي ذوق الجمهوروفكرته المسبقة‏,‏ يذكرني ذلك بالحرف اليدوية والماس برودكشن في العمل اليدوي تكون هناك روائح لعرق وفكر ومجهود انسان ما حتي بما يحفل به هذا العمل من اخطاء ولكنه ابداع علي غير مثال انها قطعة واحدة تخص فردا بعينه‏,‏ بينما في الماس برودكشن عليك ان تنتج قوالب جاهزة حتي تستطيع ان تنتج آلاف القطع المتشابهة‏,‏ هذا ايضا هو حال الفن اما ان تكون صانعا مثل الهاندميد او ان تكون من ذوي الانتاج الكبير‏,‏ لا لن استطيع الذهاب إلي شارع الهرم فقد وصلت للدور السابع والعشرين من تلك البناية الضخمة والتي يقع اسفلها مقر جريدة شهيرة عملت فيها لبعض الوقت مصورا بكاميرا نيكون دي‏80‏ اذن سأكتفي بوصيتي للأدباء الشبان وان أترك المكتبة كهدية لصديق عزيز‏,‏ وصلت للدور الثلاثين وأنا في غاية التعب‏,‏ صعدت إلي سطح العمارة‏,‏ الناس في الأسفل صغار جدا ويتحركون وكأنهم قطع شطرنج صغيرة‏,‏ كيف إذن يراني الله الآن‏,‏ لابد أنني في حجم نملة صغيرة أو أصغر بكثير جدا‏,‏ تخيل سبع سماوات تخفي بداخلها كل تلك السحب البيضاء ثم القمر ثم الشمس ثم الكرة الأرضية ثم المجرة ثم‏....‏ لا أعرف‏,‏ لا لن أنظر لأعلي سأركز فيما أنا مقدم عليه‏,‏ صعدت بخفة أعلي السور العريض‏,‏ الرياح شديدة والهواء جميل جدا‏,‏ كنت أتصور ان الناس في الأسفل سوف يتجمعون لما يشاهدونني في هذا الوضع ولكن من الذي يستطيع الرؤية ويري فوقه بثلاثين دورا‏,‏ هل سيخسر العالم شيئا ما بموتي هل سأخسر أنا شيئا ما بانتحاري‏,‏ أو جهة الموت كلمة لا يشعر بها إلا من كان في حالتي تلك‏,‏ اختلط في ذهني الأمر ولم أعد أعرف بالفعل ما هي الأشياء الأخيرة التي يجب علي فعلها قبل أن اقفز من تلك العمارة الشاهقة‏,‏ تذكرت الآن بعض الأشياء عندما كنت في الجامعة لم يكن هناك سوي قناتين للتليفزيون لا فضائيات أو إنترنت أو موبايل حتي ولا تليفون منزل‏,‏ افكر الأن ماذا سيحدث في العالم بعد موتي ربما سيخترعون أشياء لا تخطر علي بال أحد ربما كانت اكثر الأشياء التي تمنعني من الانتحار هو التعرف علي الاختراعات الجديدة في العالم ولكن هل سيشكل ذلك فرقا هل سيقلل ذلك عدد الفقراء هل سيمنع انتشار الأوبئة والأمراض هل سيمنع الحروب هل سيتغير أي شيء‏,‏ ستظل القوي الحاكمة في العالم هي نفسها بل ستطور من ميكانيزمتها لتستوعب اكثر وأكثر فقراء العالم‏,‏ سيظل كل شيء كما هو ما لم تحدث معجزة وبما أن زمن المعجزات قد انتهي منذ سنوات طويلة فإن الأمر برمته يشكل عذابا منقطع النظير وهزيمة ساحقة لكل ما اتمناه وأرغبه‏,‏ كنت في السابق عندما اقابل شخصا تخطي الثلاثين من عمره ولم يحقق شيئا من احلامه اعده فاشلا وشخصا غير جدير بالحياة ولكني تجاوزت تلك السن بسبع سنوات‏,‏ ماذا انتظر انا بائس ومثير للشفقة‏,‏ في هذه الأثناء من التداعي حطت يمامة في الناحية الأخري من السور وسرعان ما أتي وليفها بجوارها يقترب منها‏,‏ تسمح له بما هو أكثر من الإقتراب‏,‏ تقبله قبلة رقيقة بمنقارها يتبعها هو بقبلات متتالية ينظران لي في غضب وأنظر لهما في حسد ثم يطيران بعيدا عني‏,‏ كانت هناك طائرة ورقية‏,‏ ترتفع وتهبط‏,‏ تهبط وترتفع‏,‏ ثم تقترب من ناحية السور‏,‏ تشتبك فجأة بسلك دش بجوار السور الذي اقف فيه‏,‏ يحاول صاحبها تخليصها‏,‏ أشعر بأنه بدأ في فقدان الأمل‏,‏ ربما سيلفت ذلك الأمر نظر الناس لي‏,‏ اقتربت سريعا منها حاولت تخليصها ممسكا بالخيط والطائرة‏,‏ بالفعل خلصتها من السلك دون أن تتقطع‏,‏ عادت مرة أخري للطيران وقررت أن اطير بجوارها‏,‏ هكذا رأيت الطائرة تعلو وتعلو وأنا اقفز من السور فيهبط جسمي‏,‏ كنت أحلم دائما بأن اقوم بتلك الحركة وأغطس في الماء لكني سأغطس في الأرض‏,‏ مددت اليدين في الهواء ثم قفزت بكل قوة ناحية الأرض‏,‏ كيف يمكن ان اكشف لك الان كم السعادة التي شعرت بها في تلك اللحظة‏,‏ لحظة تحرري من كل شيء ان أكون مثل تلك اليمامة وهذه الطائرة‏,‏ يقولون أن الشخص الذي يموت تمر حياته أمامه كشريط سينمائي‏,‏ أي ادعاء وتزييف في تلك المقولة‏,‏ هل تكلم أحدهم مع احد الميتين من قبل ليعرف شعوره‏,‏ كلامهم لا ينطبق إلا علي من عادوا من الغيبوبة‏,‏ ولكن ما هو شعور الذي يغرق أو يموت في حادثة أو يقفز مثلي من الدور الثلاثين‏,‏ اقترب من الارض اقترب الآن‏,‏ ظللت افكر في أجمل شيء صنعته في حياتي وأجمل لحظة عشتها وأجمل معني حاولت الحفاظ عليه فأغمضت عيني حتي لا أري شيئا‏,‏ أنا الأن في قمة الوصول والشفافية‏,‏ أرجو ان يسامحني ربي علي تلك الفعلة الشنيعة‏,‏ فتحت عيني ورأيت طفلا صغيرا ينظر لي في دهشة وذهول‏,‏ وهو صاحب تلك الطائرة الورقية لقد ترك الخيط ينساب من يديه وحاولت ان ابتسم له‏,‏ كان يقف في سطح إحدي العمارات المنخفضة‏,‏ حاولت مرة أخري أن ابتسم له لكنه ظل ينظر لي في ذهول‏,‏ ربما تكون أجمل الأشياء التي فعلتها في حياتي هي تلك الأشياء البسيطة جدا والتي تسبب بها في سعادة الأخرين ربما عن غير قصد وربما لم أعرف ان هذه الأشياء ستسعدهم جدا‏,‏ الحياة ذلك الكابوس المزعج الجميل‏,‏ ذلك الوعد المليء بالأماني التي نتورط فيه يوما بعد يوم‏,‏ لا أحد يعرف متي ستكون نهايته ومتي سيكون أفول نجمه‏,‏ ها هو الشارع وها هي اصوات المارة‏,‏ ها أنا ذا أقترب‏,‏ كان لي من تلك الرحلة حتي أفهم قليلا ما يحدث حولي‏,‏ أتوقع الآن ما سيحدثه ارتطام رأسي الصغير بأسفلت الشارع الأسود الحار بطريقة ربما ستهشم رأسي إلي آلاف القطع الصغيرة‏,‏ إنني الآن أحب الحياة أكثر من أي وقت مضي‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.