"المنشاوي" يشارك في المنتدى الإقليمي الأول للتعليم القانوني العيادي في أسيوط    نائب رئيس الوزراء: معرض TransMEA شهد مشاركة دولية واسعة وحضور جماهيرى كبير    وكيل زراعة كفر الشيخ: صرف الأسمدة بالجمعيات الزراعية دون ربطها بمستلزمات الإنتاج    ستاندرد بنك يعلن الافتتاح الرسمى لمكتبه التمثيلى فى مصر    الإنتربول يكرم الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب بوسام الطبقة الخاصة    الأرصاد تحذر: حالة عدم استقرار وأمطار وبرق ورعد بعدة مناطق واحتمالات تساقط ثلوج    ختام ورشة من الحكاية إلى المسرحية ضمن مهرجان القاهرة لمسرح الطفل    وزير الاستثمار: مصر ضمن أفضل 50 اقتصاداً فى العالم من حيث الأداء والاستقرار    جنوب سيناء.. تخصيص 186 فدانا لزيادة مساحة الغابة الشجرية في مدينة دهب    وزارة العمل: 157 فرصة عمل جديدة بمحافظة الجيزة    بحماية الجيش.. المستوطنون يحرقون أرزاق الفلسطينيين في نابلس    خبر في الجول – الأهلي يقيد 6 لاعبين شباب في القائمة الإفريقية    موعد مباراة مصر وأوزبكستان.. والقنوات الناقلة    مبابي: سعداء بعودة كانتي للمنتخب.. والعديد من الفرق ترغب في ضم أوباميكانو    موعد نهائي كأس السوبر المصري لكرة اليد بين الأهلي وسموحة بالإمارات    «مؤشرات أولية».. نتائج الدوائر الانتخابية لمقاعد مجلس النواب 2025 في قنا    بعد شكوى أولياء الأمور.. قرار هام من وزير التعليم ضد مدرسة «نيو كابيتال» الخاصة    19 ألف زائر يوميًا.. طفرة في أعداد الزائرين للمتحف المصري الكبير    بعد افتتاح المتحف المصري الكبير.. آثارنا تتلألأ على الشاشة بعبق التاريخ    محمد صبحي يطمئن جمهوره ومحبيه: «أنا بخير وأجري فحوصات للاطمئنان»    أسعار الفراخ والبيض اليوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025 بأسواق الأقصر    هبة التميمي: المفوضية تؤكد نجاح الانتخابات التشريعية العراقية بنسبة مشاركة تجاوزت 55%    الرئيس السيسي يصدق على قانون الإجراءات الجنائية الجديد    نجم مانشستر يونايتد يقترب من الرحيل    الغرفة التجارية بمطروح: الموافقة على إنشاء مكتب توثيق وزارة الخارجية داخل مقر الغرفة    ذكرى رحيل الساحر الفنان محمود عبد العزيز فى كاريكاتير اليوم السابع    أثناء عمله.. مصرع عامل نظافة أسفل عجلات مقطورة بمركز الشهداء بالمنوفية    رئيس الوزراء يتفقد أحدث الابتكارات الصحية بمعرض التحول الرقمي    غنية ولذيذة.. أسهل طريقة لعمل المكرونة بينك صوص بالجبنة    بتروجت يواجه النجوم وديا استعدادا لحرس الحدود    عاجل- محمود عباس: زيارتي لفرنسا ترسخ الاعتراف بدولة فلسطين وتفتح آفاقًا جديدة لسلام عادل    «المغرب بالإسكندرية 5:03».. جدول مواقيت الصلاة في مدن الجمهورية غدًا الخميس 13 نوفمبر 2025    وزير التعليم: الإعداد لإنشاء قرابة 60 مدرسة جديدة مع مؤسسات تعليمية إيطالية    الرقابة المالية تعلن السماح لشركات تأمين الحياة بالاستثمار المباشر في الذهب    انهيار عقار بمنطقة الجمرك في الإسكندرية دون إصابات    عاجل- رئيس الوزراء يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين مصر ولاتفيا لتعزيز التعاون فى مجالات الرعاية الصحية    «عندهم حسن نية دايما».. ما الأبراج الطيبة «نقية القلب»؟    اليابان تتعاون مع بريطانيا وكندا في مجالي الأمن والاقتصاد    وزير دفاع إسرائيل يغلق محطة راديو عسكرية عمرها 75 عاما.. ومجلس الصحافة يهاجمه    منتخب مصر يخوض تدريباته في السادسة مساء باستاد العين استعدادا لودية أوزبكستان    المشدد 15 و10 سنوات للمهتمين بقتل طفلة بالشرقية    السعودية تستخدم الدرون الذكية لرصد المخالفين لأنظمة الحج وإدارة الحشود    القليوبية تشن حملات تموينية وتضبط 131 مخالفة وسلع فاسدة    فيلم «السلم والثعبان: لعب عيال» يكتسح شباك تذاكر السينما في 24 ساعة فقط    الحبيب الجفرى: مسائل التوسل والتبرك والأضرحة ليست من الأولويات التى تشغل المسلمين    دار الإفتاء توضح حكم القتل الرحيم    ما الحكم الشرعى فى لمس عورة المريض من قِبَل زوجة أبيه.. دار الإفتاء تجيب    «العمل»: التفتيش على 257 منشأة في القاهرة والجيزة خلال يوم    الأهلي يضع تجديد عقد ديانج في صدارة أولوياته.. والشحات يطلب تمديدًا لعامين    إطلاق قافلة زاد العزة ال71 بحمولة 8 آلاف طن مساعدات غذائية إلى غزة    قصر العينى يحتفل بيوم السكر العالمى بخدمات طبية وتوعوية مجانية للمرضى    «لو الطلاق بائن».. «من حقك تعرف» هل يحق للرجل إرث زوجته حال وفاتها في فترة العدة؟    وزير الخارجية يعلن انعقاد المنتدى الاقتصادي المصري – التركي خلال 2026    اليوم.. عزاء المطرب الشعبي إسماعيل الليثي    «وزير التنعليم»: بناء نحو 150 ألف فصل خلال السنوات ال10 الماضية    نتائج أولية في انتخابات النواب بالمنيا.. الإعادة بين 6 مرشحين في مركز ملوي    اليوم.. محاكمة 6 متهمين ب "داعش أكتوبر"    دعاء الفجر | اللهم ارزق كل مهموم بالفرج واشفِ مرضانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هاند ميد

هذه هي آخر الأشياء التي فكرت في عملها قبل إقدامي علي الانتحار‏,‏ لم اخطط لترتيبها او التفكير في اي منها‏,‏ ولكنها أشياء بدت لي مهمة جدا‏,‏ الانتحار هو فعل الاختيار الأخير الذي سأقوم به‏
فالموت خائن جبان ها هي كلمة أخري اتت بين كلماتي من الكتب يأتيك بشكل مفاجيء ولا يترك لك اي فرصة لتفعل تلك الأشياء الأخيرة‏,‏ كان علي ان انهي اولا الكتب التي اقرؤها وكانت بالمصادفة مجموعة القصص القصيرة لموباسان طبعة الهلال بعنوان المجنون‏,‏ تلك التي تنبأ فيها بموته ووصف كل مراحل الإصابة بمرض الزهري من هلاوس وارتياب نعم موباسان ذلك العبقري الذي كان يعبد النساء حتي اصابه ذلك الداء الذي أودي بحياته عن عمر ثلاثة واربعين عاما ليحقق بالضبط ما يطمح إليه كل فنان بالتوحد مع جماعته المغمورة التي يحب الكتابة عنها‏,‏ ولكن هل كان ذلك هو هدفه الوحيد أم انه كان ضحية ايضا لهوسه الشخصي اما الكتاب الذي في يدي الآن رواية الجريمة والعقاب لدستوفسكي‏,‏ لا أعرف لماذا كنت افضل دائما تورجنيف وتولستوي وتشيكوف وليرمنتوف علي دستوفسكي‏,‏ وكنت دائما ما أكذب وأقول انني قرأت اعماله بينما في حقيقة الأمر لم أكن قد قرأت له شيئا سوي رواية الأبله‏,‏ تلك الرواية الجميلة جدا والتي شعرت كثيرا بأن هناك شيئا ما يربطني ببطلها الحزين غير القادر علي فعل اي أشياء عظيمة‏,‏ كنت أشعر دوما بأنني ذلك الأبله الذي لا يعرف مفردات العالم الذي يعيش فيه‏,‏ لذا كنت أخاف من قدرات هذا الكاتب الجبارة لانني كلما قرأت تلك الأعمال الاستثنائية أشعر بعدم جدوي فعل الكتابة الذي أقوم به‏,‏ دستوفسكي ذلك العملاق المعماري والحكاء حتي النخاع جعلني اكرهه جدا وذلك ما فعله كافكا بي أيضا‏,‏ كيف يتأتي لهؤلاء الكتاب تلك القدرات الفذة علي كشف النفس الإنسانية انا ضعيف ضعيف جدا‏,‏ وهم وحدهم مايجعلوني اواجه تلك الحقيقة القاسية‏,‏ كنت دائما ما اعزو فشلي الكبير لسوء الحظ‏,‏ لكنني الآن وبصفتي رجلا سوف ادخل النار بعد قليل علي أن أقول الحقيقة وان اواجه نفسي‏,‏ كنت طفلا وحيدا وحيدا لا يعرف مفردات العالم الذي يعيش فيه يسمونه احيانا التغريد خارج السرب واحيانا بضريبة الاختلاف ولكني اسميه الهبل‏,‏ نعم فما اجمل ان تتكيف مع المحيطين بك وان تحظي بينهم بالقبول وان يشعروك بأنك واحد منهم الاان الطبيعة دائما ما كانت تجعلني اشعر باني مختلف‏,‏ فكلهم يقولون لي يانوبي‏,‏ مع انني مثلهم مولود في حي السيدة زينب ولم اذهب ابدا إلي النوبة والتي عرفت فيما بعد انها غرقت والتهمها السد العالي‏,‏ كان علي ان احكي هذه الحكاية الاف المرات‏(‏ النوبة غرقت لما اتبني السد العالي‏)‏ الاختلاف الثاني هو نحافتي الشديدة عن بقية اقراني‏,‏ وكذلك كتابتي بيدي اليسري وهو ما يعني انني غريب جدا بالنسبة لهم‏,‏ اما اكثر ما كان يثير دهشتهم هو انني في الفسحة لا ألعب كرة قدم بل اقرأ الكتب والروايات والمسرحيات ولما لا وأنا ابن لاب يساري جرب المعتقلات في عهد عبد الناصر عام‏1959,‏ كل ما اتذكره عن ابي هو نهمه الشديد للقراءة وحبه غير العادي لعبدالناصر‏,‏ كان أخي الكبير يدرس السينما وعنده ولع شديد بكاميرات التصوير وانواعها وطرق الطبع والتحميض وهكذا اخي يصور وابي يقرأ وأنا لا اتكلم مع احد سوي الكتب والكتب ثم مزيدا من الكتب‏,‏ احب كتب دار التقدم بموسكو خاصة المطبوع علي غلافها الامامي صورة كبيرة للكاتب كنت أظن هؤلاء الكتاب آلهة او انهم علي الأقل لا يعملون وإنما يظل كل منهم يجلس في مكتبه يتأمل العالم‏.‏
واحزانه ثم يأتيه الوحي‏,‏ فيجلس ليكتب بالساعات‏,‏ وكان املي الكبير ان يكون لي كتاب طبعة هارد كافر وتزين صورتي الغلاف الخارجي مثلهم‏,‏ بعدها عشقت روايات دار الهلال وكتب عالم المعرفة الكويتية وكل ما وجدته من كتب تراث مثل ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة والسيرة الهلالية وكل كتب نجيب الكيلاني للأطفال‏,‏ كتب شكلت كل حياتي لا استطيع تذكرها الآن وأنا علي حافة الموت او حافة الحياة لم ألعب مثل اصدقائي اي العاب في السيدة زينب ولم أكن شغوفا بكرة القدم لعبتهم الأثيرة‏,‏ كل ما أعرفه هو تلك الكتب وهؤلاء الناس‏,‏ يحيي حقي ونجيب محفوظ ويوسف ادريس وبعدهم اي قصة او رواية تقع في يدي‏,‏ كل ما كنت اعرفه هوذلك الغبار الذي يتسرب إلي كتاب فأشعر بأن صاحبه يغضب مني او ربما اشعر انا بالخجل من صاحب الكتاب‏,‏ لم تكن لدي اي مغامرات عاطفية ولم أعرف اصلا التعامل مع النساء الا عند دخولي الجامعة ولم أفهم ابدا اي حب سوي حب هاملت واوفاليا وحب روميو وجوليت وحب قيس وليلي وحتي انني كنت متمردا جدا علي الواقع وعلي طريقة الناس في الحياة ولكني كنت خجولا بطريقة توصف في التعامل اليومي مع البشر‏,‏ فكانوا جميعا ينعتوني بالطيب او كلمة ده أمير وساعات ابن حلال لاأعرف ان هناك طرقا غير مباشرة في التعامل ولا أعرف ان الكذب يمكن ان يكون طريقة حياة‏,‏ فشلت في عملي في التليفزيون المصري بعد أربعة عشرعاما من اعداد البرنامج التي تعدت خمسة وعشرين برنامجا بما يكفي لأن اصبح مليونيرا ولكني كنت فقط أحصل علي اجر الحلقة‏,‏ لم أكون علاقة مشبوهة مع مصدر او اسجل حلقة من الفيديو المنزلي لابيعها له او اسجل مع الشخصيات الفنية العربية واحصل منهم علي مقابل خاصة ابناءالخليج‏,‏ لذلك لم يتغير حالي كثيرا ورجعت مرة أخري اجتر فشلي بعد كل هذه السنوات من العمل المتواصل‏,‏ اما علي صعيد الحب لم افهم المرأة ولم تفهمني ابدا‏,‏ معظم علاقاتي فاشلة ربما لاني ابدو دائما في مظهر الطيب البسيط الذي لا يغري اي احد في الاهتمام به‏,‏ كل ما اعرفه عن العالم هو أن أكتب علي فترات متباعدة بعض القصص القصيرة التي احبها او ان اقوم بتصوير شقاء البسطاء ومعاناتهم اليومية‏,‏ لما لا وانا اصلا واحد منهم يتعجب كثيرا‏,‏ من الناس كيف اعمل معد برامج ومصورا فوتوغرافيا وكاتب قصة ولا أملك اي قدر من النقود واعيش فقط كصعلوك متشرد بل وابدو احيانا انني بلا عمل اصلا‏,‏ اعرف انني لست صاحب حكايات عظيمة وان صحبتي ربما كانت غير مسلية‏,‏ وأنا اصلا استمتع بوحدتي ولا أشعر معها بأي خجل‏,‏ بل علي العكس الجموع هم أكثر شيء يؤرقني ويخرجني عن ذاتي لذا قررت اليوم ان انهي رواية الجريمة والعقاب ومجموعة المجنون وأذهب لأسهر في أحد كباريهات شارع الهرم تلك التي طالما سمعت عنها ورأيتها في التليفزيون فقط‏,‏ سأرقص مع الراقصة وابعثر حولها كل ما لدي من مال بعد بيع المكتبة ثم اقف بسيارة مستأجرة ابحث عن فتاة ليل جميلة امارس معها الجنس طوال الليل بعدها اقوم برحلتي الأخيرة للإسكندرية مع تلك الفتاة‏,‏ ربما بعدها القي بنفسي في الماء وأموت غرقا لمعرفتي بأن من ماتوا غرقا أكثر بكثير من الذين ماتوا عطشا‏,‏ سأعطي المكتبة لصديقي الذي يبيع الكتب في السيدة زينب ولن افاصل معه ابدا فكل ما احتاجه هو قضاء تلك السهرة سأكتب خطاب وداع لاصدقائي الأدباء الشبان ربما تنشره احدي الجرائد المستقلة سأوضح فيه انني اصيبت بالملل وان طريق الكتابة شاق وصعب‏,‏ لكن عليهم ان يكملوا بطريقة أفضل مني فأنا لست سوي حالة فردية وربما فيما بعد سيصبحون ادباء عظاما في مجتمع لا يقرأ ولا يحفل بهم اصلا‏,‏ لا لن اكتب لهم هذ الجملة حتي لا يصابوا بالإحباط لانهم يعلمونه ايضا مثلي‏,‏ سأتحرر من تلك القيود‏,‏ الطموح الكبير والحلم بعالم افضل ذلك الحلم الذي ظل يراودني حتي بلغت الآن السابعة والثلاثين واعتقد أنه لن يتحقق ابدا فالعالم إلي زوال والشر لا يمكن مجابهته‏,‏ فساد النفوس لن يصلحه الأدب ابدا انا لن استطيع تغيير العالم ولا حتي الشارع الذي اسكن فيه‏,‏ والكتابة الأدبية موجهة اصلا للنخبة إلا إذا اصبحت جماهيرية جدا وساعتها لابد لك ان تقدم ما يرضي ذوق الجمهوروفكرته المسبقة‏,‏ يذكرني ذلك بالحرف اليدوية والماس برودكشن في العمل اليدوي تكون هناك روائح لعرق وفكر ومجهود انسان ما حتي بما يحفل به هذا العمل من اخطاء ولكنه ابداع علي غير مثال انها قطعة واحدة تخص فردا بعينه‏,‏ بينما في الماس برودكشن عليك ان تنتج قوالب جاهزة حتي تستطيع ان تنتج آلاف القطع المتشابهة‏,‏ هذا ايضا هو حال الفن اما ان تكون صانعا مثل الهاندميد او ان تكون من ذوي الانتاج الكبير‏,‏ لا لن استطيع الذهاب إلي شارع الهرم فقد وصلت للدور السابع والعشرين من تلك البناية الضخمة والتي يقع اسفلها مقر جريدة شهيرة عملت فيها لبعض الوقت مصورا بكاميرا نيكون دي‏80‏ اذن سأكتفي بوصيتي للأدباء الشبان وان أترك المكتبة كهدية لصديق عزيز‏,‏ وصلت للدور الثلاثين وأنا في غاية التعب‏,‏ صعدت إلي سطح العمارة‏,‏ الناس في الأسفل صغار جدا ويتحركون وكأنهم قطع شطرنج صغيرة‏,‏ كيف إذن يراني الله الآن‏,‏ لابد أنني في حجم نملة صغيرة أو أصغر بكثير جدا‏,‏ تخيل سبع سماوات تخفي بداخلها كل تلك السحب البيضاء ثم القمر ثم الشمس ثم الكرة الأرضية ثم المجرة ثم‏....‏ لا أعرف‏,‏ لا لن أنظر لأعلي سأركز فيما أنا مقدم عليه‏,‏ صعدت بخفة أعلي السور العريض‏,‏ الرياح شديدة والهواء جميل جدا‏,‏ كنت أتصور ان الناس في الأسفل سوف يتجمعون لما يشاهدونني في هذا الوضع ولكن من الذي يستطيع الرؤية ويري فوقه بثلاثين دورا‏,‏ هل سيخسر العالم شيئا ما بموتي هل سأخسر أنا شيئا ما بانتحاري‏,‏ أو جهة الموت كلمة لا يشعر بها إلا من كان في حالتي تلك‏,‏ اختلط في ذهني الأمر ولم أعد أعرف بالفعل ما هي الأشياء الأخيرة التي يجب علي فعلها قبل أن اقفز من تلك العمارة الشاهقة‏,‏ تذكرت الآن بعض الأشياء عندما كنت في الجامعة لم يكن هناك سوي قناتين للتليفزيون لا فضائيات أو إنترنت أو موبايل حتي ولا تليفون منزل‏,‏ افكر الأن ماذا سيحدث في العالم بعد موتي ربما سيخترعون أشياء لا تخطر علي بال أحد ربما كانت اكثر الأشياء التي تمنعني من الانتحار هو التعرف علي الاختراعات الجديدة في العالم ولكن هل سيشكل ذلك فرقا هل سيقلل ذلك عدد الفقراء هل سيمنع انتشار الأوبئة والأمراض هل سيمنع الحروب هل سيتغير أي شيء‏,‏ ستظل القوي الحاكمة في العالم هي نفسها بل ستطور من ميكانيزمتها لتستوعب اكثر وأكثر فقراء العالم‏,‏ سيظل كل شيء كما هو ما لم تحدث معجزة وبما أن زمن المعجزات قد انتهي منذ سنوات طويلة فإن الأمر برمته يشكل عذابا منقطع النظير وهزيمة ساحقة لكل ما اتمناه وأرغبه‏,‏ كنت في السابق عندما اقابل شخصا تخطي الثلاثين من عمره ولم يحقق شيئا من احلامه اعده فاشلا وشخصا غير جدير بالحياة ولكني تجاوزت تلك السن بسبع سنوات‏,‏ ماذا انتظر انا بائس ومثير للشفقة‏,‏ في هذه الأثناء من التداعي حطت يمامة في الناحية الأخري من السور وسرعان ما أتي وليفها بجوارها يقترب منها‏,‏ تسمح له بما هو أكثر من الإقتراب‏,‏ تقبله قبلة رقيقة بمنقارها يتبعها هو بقبلات متتالية ينظران لي في غضب وأنظر لهما في حسد ثم يطيران بعيدا عني‏,‏ كانت هناك طائرة ورقية‏,‏ ترتفع وتهبط‏,‏ تهبط وترتفع‏,‏ ثم تقترب من ناحية السور‏,‏ تشتبك فجأة بسلك دش بجوار السور الذي اقف فيه‏,‏ يحاول صاحبها تخليصها‏,‏ أشعر بأنه بدأ في فقدان الأمل‏,‏ ربما سيلفت ذلك الأمر نظر الناس لي‏,‏ اقتربت سريعا منها حاولت تخليصها ممسكا بالخيط والطائرة‏,‏ بالفعل خلصتها من السلك دون أن تتقطع‏,‏ عادت مرة أخري للطيران وقررت أن اطير بجوارها‏,‏ هكذا رأيت الطائرة تعلو وتعلو وأنا اقفز من السور فيهبط جسمي‏,‏ كنت أحلم دائما بأن اقوم بتلك الحركة وأغطس في الماء لكني سأغطس في الأرض‏,‏ مددت اليدين في الهواء ثم قفزت بكل قوة ناحية الأرض‏,‏ كيف يمكن ان اكشف لك الان كم السعادة التي شعرت بها في تلك اللحظة‏,‏ لحظة تحرري من كل شيء ان أكون مثل تلك اليمامة وهذه الطائرة‏,‏ يقولون أن الشخص الذي يموت تمر حياته أمامه كشريط سينمائي‏,‏ أي ادعاء وتزييف في تلك المقولة‏,‏ هل تكلم أحدهم مع احد الميتين من قبل ليعرف شعوره‏,‏ كلامهم لا ينطبق إلا علي من عادوا من الغيبوبة‏,‏ ولكن ما هو شعور الذي يغرق أو يموت في حادثة أو يقفز مثلي من الدور الثلاثين‏,‏ اقترب من الارض اقترب الآن‏,‏ ظللت افكر في أجمل شيء صنعته في حياتي وأجمل لحظة عشتها وأجمل معني حاولت الحفاظ عليه فأغمضت عيني حتي لا أري شيئا‏,‏ أنا الأن في قمة الوصول والشفافية‏,‏ أرجو ان يسامحني ربي علي تلك الفعلة الشنيعة‏,‏ فتحت عيني ورأيت طفلا صغيرا ينظر لي في دهشة وذهول‏,‏ وهو صاحب تلك الطائرة الورقية لقد ترك الخيط ينساب من يديه وحاولت ان ابتسم له‏,‏ كان يقف في سطح إحدي العمارات المنخفضة‏,‏ حاولت مرة أخري أن ابتسم له لكنه ظل ينظر لي في ذهول‏,‏ ربما تكون أجمل الأشياء التي فعلتها في حياتي هي تلك الأشياء البسيطة جدا والتي تسبب بها في سعادة الأخرين ربما عن غير قصد وربما لم أعرف ان هذه الأشياء ستسعدهم جدا‏,‏ الحياة ذلك الكابوس المزعج الجميل‏,‏ ذلك الوعد المليء بالأماني التي نتورط فيه يوما بعد يوم‏,‏ لا أحد يعرف متي ستكون نهايته ومتي سيكون أفول نجمه‏,‏ ها هو الشارع وها هي اصوات المارة‏,‏ ها أنا ذا أقترب‏,‏ كان لي من تلك الرحلة حتي أفهم قليلا ما يحدث حولي‏,‏ أتوقع الآن ما سيحدثه ارتطام رأسي الصغير بأسفلت الشارع الأسود الحار بطريقة ربما ستهشم رأسي إلي آلاف القطع الصغيرة‏,‏ إنني الآن أحب الحياة أكثر من أي وقت مضي‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.