ونحن علي عتبات ذكري الإسراء والمعراج,وما اشتملت عليه من دروس وعبر ترسخ العقيدة الصحيحة في وجدان الأمة الإسلامية, وتشيع روح اليقين والإيمان في نفوس المؤمنين وتجدد العهد الوثيق مع الله تعالي, لقد كانت كل خطوة من خطوات النبي الكريم صلي الله عليه وسلم في هذه الرحلة المباركة مليئة بالعظات والعبر ومغلفة بالدروس والحكم, وحري بنا أن نتوقف أمامها نلتمس فوائدها وعبرها ونشدو حكمتها وخيرها, وهذا ما أشارت اليه الآية الكريمة ولقد أرسلنا موسي بأياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلي النور وذكرهم بآيام الله إن في ذلك لأيات لكل صبار شكور سورة ابراهيم(5) كثيرة تلك المواقف الشداد التي تعرض لها الدعاة المخلصون وهم سائرون علي طريق الدعوة الرشيد, وفي كل موقف يتعرضون فيه لمحنة أو ينزل بهم الكرب يهتف بهم داعي الإيمان( لاتحزنوا إن الله معكم, ومن كان الله معه فمعه العزيز الذي لايغلب, والقوي الذي لايقهر, وماحديث الإسراء منكم ببعيد) نعم.. لقد تجلت علي رسول الله( صلي الله عليه وسلم) فيوض الرحمة والنصرة في وقت يصفه النبي( صلي الله عليه وسلم) بالكرب الشديد الذي لم يكرب مثله قط, روي الإمام مسلم في صحيحه عن أم سلمة( رضي الله عنها) عن النبي الكريم( صلي الله عليه وسلم) وهو يحدث عن اجتماع قريش حوله بعد أن أخبرهم بخبر الإسراء فقال:( فسألوني عن أشياء لم أثبتها, فكربت كربا لم أكرب مثله قط...) فلقد سأله المطعم بن عدي عن عدد أبواب المسجد الأقصي ومداخله وقبابه إلي غير ذلك من تفصيلات لم يكن النبي( صلي الله عليه وسلم) منشغلا بها أثناء رحلته, فكان الحرج والكرب الذي يصفه بأنه لم يكرب مثله قط هنا تسعفه العناية الإلهية,إذا بمعجزة أخري يجريها الله تعالي لنبيه( صلي الله ليه وسلم) ليقيم بها الحجة علي قومه, فلقد صح في البخاري ومسلم وعند أصحاب السنن حديث رفع بيت المقدس من مكانه والمجيء به إلي رسول الله( صلي الله عليه وسلم) حتي ينظر إليه وينعته لقومه ويصفه بابا بابا ويخبرهم عن آياته فعن جابر بن عبد الله( رضي الله عنهما) أنه سمع رسول الله( صلي الله عليه وسلم) يقول: (لما كذبتني قريش,قمت في الحجر, فجلي الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن أياته, وأنا أنظر إليه) وروي الإمام احمد في مسنده عن عبد الله بن عباس( رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله( صلي الله عليه وسلم): (لما كان ليلة أسري بي,فأصبحت بمكة, فظعت, وعرفت أن الناس مكذبي) فقعد معتزلا حزينا, فمر به عدو الله ابو جهل, فجاء حتي جلس إليه, فقال له كالمستهزيء: هل كان من شيء؟ فقال له رسول الله( صلي الله عليه وسلم): نعم قال: ماهو؟ قال:( إني أسري بي الليلة) قال: إلي اين؟ قال:( إلي بيت المقدس) قال: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال:( نعم) قال( ابن عباس): فلم ير أن يكذبه مخافة أن يجحد الحديث إن دعا قومه إليه فقال( أبو جهل): أرأيت إن دعوت قومك أتحدثهم بما حدثتني ؟ فقال رسول الله( صلي الله عليه وسلم):(نعم) فقال: يامعشر بني كعب بن لؤي فانفضت إليه المجالس وجاءوا حتي جلسوا إليهما,قال( أبو جهل) حدث قومك بما حدثتني فقال رسول الله( صلي الله عليه وسلم):( إني أسري بي الليلة) فقالوا: إلي أين؟ فقال:( إلي بيت المقدس9 قالوا ثم أصبحت بين ظهرانينا؟قال:( نعم) فقال( ابن عباس): فمن بين مصفق ومن بين واضع يده علي رأسه متعجبا للكذب..قالوا: وتستطيع أن تنعت لنا المسجد( تصفه لنا)؟ وفيهم من قد سافر إلي ذلك البلد ورأي المسجد فقال رسول الله( صلي الله عليه وسلم):( فمازلت أنعت حتي التبس علي بعض النعت فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتي وضع دون دار عقيل, أو عقال, فنعته وانا أنظر إليه,قال: وكان مع هذا نعت لم أحفظه) قال ابن عباس: فقال القوم: أما النعت فوالله لقد اصاب فيه. إنها المؤيدات الربانية التي تهتف بالمؤمنين( لاتحزنوا إن الله معكم),فإذا بالفرج القريب واليسر اللطيف يحيطان بالنبي( صلي الله عليه وسلم) وتنطق الدلائل بصدقه فيحبط اهل الباطل. وأخبر الرسول( صلي الله عليه وسلم) قريشا عن عير لهم, قد مربهم في ذهابه وإيابه,واخبرهم عن علامات وامارات وأخبرهم عن وقت قدومها واخبرهم عن البعير( الجمل) الذي يقدم القافلة وقال( يقدمهم جمل أدم عليه مسح اسود وغرارتان سوداوان فلما كان ذلك اليوم أشرف الناس ينظرون حين كان قريبا من نصف النهار حتي اقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول الله( صلي الله عليه وسلم) إنه درس اليقين والتوكل علي الله والثقة في تأييده لأوليائه فكم من بلية ابتلي المؤمن بها, وكم من محنة وقع الدعاة فيها, وكم من كرب أحاط بالصالحين, ولكن!! كان الله بهم لطيفا, قال لهم من قبل: ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز)( سورة المجادلة21) وقال:( قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلي قالوا فادعوا وما دعاء الكرفرين إلا في ضلال أنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد)( سور غافر الآيتان51,50) فلما ضاق بهم الامر, وحل بهم الكرب, تضرعوا إلي ربهم مستغيثين بقوته مستنصرين بحوله وقدرته فأسعفهم بفضله وتجلي عليهم بجوده وعطائه. لقد تأكد لكل ذي عقل أن الله تعالي علي كل شيء قدير وأنه سبحانه فعال لما يريد إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون, ليس عند الله تعالي أمر يسير وآخر عسير فكل الأمور تكون كما يريد سبحانه, هذه الآيات وأحداث السيرة ومشاهد التاريخ ووقائع الحاضر الملتهب الذي نعيشه كلها تؤكد بيقين أن الأمر كله بيد الله تعالي الذي بيده ملكوت كل شيء, وإليه تصير الأمور, وكان من دعاء النبي الكريم( صلي الله عليه وسلم) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: فلما كان رسول الله يقوم من مجلس حتي يدعو بهؤلاء الدعوات:( اللهم اقسم لنا من خشيتك ماتحول به بيننا وبين معاصيك, ومن طاعتك ماتبلغنا به جنتك, ومن اليقين ماتهون به علينا مصائب الدنيا, اللهم متعنا بأسماهنا, وأبصارنا, وقوتنا ما أحييتنا, واجعله الوارث منا, واجعل ثأرنا علي من ظلمنا, وانصرنا علي من عادانا,ولاتجعل مصيبتنا في ديننا, ولاتجعل الدنيا أكبر همنا, ولامبلغ علمنا, ولاتسلط علينا من لايرحمنا) رواه الترمذي, وقال:( حديث حسن). الله تعالي لايضيع أولياءه ولايسلمهم لأعدائه ولايخيب رجاءهم فيه, فهو معهم يؤيدهم ويدعمهم بنصره وقوته وتوفيقه, ويصرف عنهم الكيد والمكرالسييء ويردها الي نحور أعدائه, فقط أيها الأحباب أخلصوا السير والعمل والسعي لله تعالي, وكونوا علي صلة قوية لاتنقطع تنكشف عنكم الغمة ويزول الهم والألم ويتحقق فيكم موعود الله لكم( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لايشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) سورة النور55 أيها المسلمون.... تعرفوا إلي ربكم في الرخاء يعرفكم في الشدة أقبلوا عليه وقت العافية يقبل عليكم وقت المحنة, ثقوا في الله تعالي أكثر من ثقتكم في قوتكم أو خبرتكم أو تدبيركم....إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم. وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد معلم الناس الخير رابط دائم :