ما أن انتهت مصر من تدعيم حدودها مع قطاع غزة, حتي تراجعت الموارد المالية لحكومة حركة حماس, والتي تأتي بالاساس من تهريب الاموال من الخارج, والرسوم التي تفرضها الحركة علي عملية تهريب السلع والمعدات والمواد عبر الأنفاق, هذا إضافة إلي الرسوم التي تحصلها الحركة مقابل السماح بحفر الانفاق. واتجهت حكومة حماس المقالة في قطاع غزة برئاسة إسماعيل هنية إلي تعويض تراجع الموارد المالية عبر فرض مزيد من الضرائب والرسوم علي أهل القطاع, مبررا ذلك بحالة الضرورة نتيجة تقلص الموارد المالية للحركة مؤكدا أن القضية ليست نقص الأموال, فالأموال موجودة, لكن المشكلة في إدخال الأموال إلي القطاع, في إشارة إلي إحكام مصر القيود علي عمليات التهريب عبر الأنفاق. وكثفت حركة حماس من خطابها المعادي لمصر علي هذه الخلفية, ودخل علي الخط تنظيم الجهاد من خلال رئيسه رمضان شلح الذي خص مصر بحملة عدائية متهما القاهرة بمواصلة عمليات تعذيب' المجاهدين الفلسطينيين' الذين يجري توقيفهم أثناء المرور عبر الأراضي المصرية. أما حركة حماس فقد جربت أكثر من مرة الدفع بمدنيين فلسطينيين لاختراق الحدود قبل تدعيمها, وأسفرت هذه المحاولات عن اجتياح الحدود مرة وقتل جندي مصري مرة ثانية, وشن حملات إعلامية علي مصر طوال الوقت عبر المتحديثن باسم الحركة ومن خلال قناة الجزيرة القطرية. وعلي الرغم من أن جذر مشكلة الحركة ومعها قطاع غزة يعود بالأساس إلي الانقلاب العسكري الذي نفذته الحركة في القطاع ضد السلطة الوطنية في يونيو2008, إلا أن الحركة عملت طوال الوقت علي إلقاء المسئولية علي مصر, فالمشكلة بدأت بسيطرة الحركة علي القطاع ومن ثم معبر رفح, فكانت النتيجة مغادرة المراقبين الأوروبيين للمعبر, ومن ثم توقف عمل اتفاق تشغيل المعبر الذي وقعته السلطة الوطنية وإسرائيل بحضور الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة مصر. وسعت الحركة عبر وسائل إعلام تابعة لها مباشرة أو متعاطفة مع تنظيم' الإخوان المسلمين' الذي ينتمي إليه حماس, إلي إلقاء المسئولية علي مصر من خلال التأكيد علي أن معبر رفح هو مصري فلسطيني, ومن ثم فلا دخل لإسرائيل به, وهو أمر صحيح في حال توافر شرطين: الأول هو وجود السلطة الشرعية علي الجانب الفلسطيني من المعبر, وهي السلطة الوطنية, والثاني أن تكون فلسطين دولة مستقلة وليست دولة تحت الاحتلال إضافة إلي أن السلطة الشرعية المعترف بها من قبل المجتمع الدولي وتتفاوض معها سلطة الاحتلال هي السلطة الوطنية في رام الله. أما حركة حماس وبعد أن نفذت انقلابها العسكري فقد سعت إلي التعامل مع القطاع علي أنه نقطة انطلاق لبدء تنفيذ مشروعها الوارد في ميثاق الحركة الصادر عام1987, والذي ينطلق من التدرج والمرحلية من بناء الفرد المسلم وصولا إلي الدولة الإسلامية مرورا ببناء الأسرة المسلمة, والجتمع المسلم, فالحركة ليست في عجلة من أمرها, ورأت في السيطرة علي القطاع الفرصة السانحة لبناء النموذج الذي يمكن تعميمه بعد ذلك علي باقي الأرضي الفلسطينية بما فيها التي اقيمت عليها إسرائيل عام1948 والتي سيطرت عليها بعد الحرب التي اندلعت في ذلك الوقت, وتقدر بنحو نفس المساحة التي كات مخصصة للدولة الفلسطينية في قرار التقسيم. ولأن الحركة تتبع تنظيم الإخوان المسلمين, فإن التنظيم رأي في السيطرة علي القطاع فرصة سانحة لبناء نموذج للدولة الإسلامية المأمولة وفق فكر الإخوان, لذلك عملت عناصر الإخوان في مصر علي الترويج للحركة, تبرير انقلابها, وحاولت تأليب الشارع المصري ضد الحكومة ودفعه للخروج من أجل مساندة الحركة وتحديدا الضغط من أجل ضمان فتح معبر رفح بشكل دائم, للأسف الشديد انضم إلي الحملة عدد من دارسي القانون الدولي وخبراء العلاقات الدولية ممن لا ينتمون مباشرة إلي تنظيم الإخوان, وذلك علي خلفية مشاكلهم مع النظام السياسي إما لخروج بعضهم إلي المعاش في وقت كانوا يتوقعون الاستمرار في مناصبهم أو الترقي لمناصب أعلي, أو لأن النظام لم يحتوهم ويعرض عليهم مواقع تناسب تقديرهم لأنفسهم, ومن ثم فقد وجدوا أنفسهم في مواقع المعارضة للنظام, ومن ثم قاموا بلي عنق النصوص والحقيقة وقدموا رؤي لا علاقة لها بالقانون الدولي أو المواثيق الدولية. وكان المخرج متاحا باستمرار أمام الحركة وهو توقيع وثيقة المصالحة الوطنية وتشكيل حكومة وحدة وطنية أو العودة إلي الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع في انتخابات جديدة تشريعية ورئاسية, إلا أن الحركة رفضت ذلك باستمرار مؤكدة أن أي دعوة من هذا النوع إنما يمثل قفزا علي نتائج الانتخابات التي جرت عام2006, ويبدو أن الحركة قد أوقفت الزمن عند هذا التاريخ وأن المواطن الفلسطيني الذي منحها الأغلبية في انتخابات2006, كان يصوت للمرة الأخيرة...عموما فضت الحركة كل الجهود التي بذلت من أجل تحقيق المصالحة الوطنية, وناورت باستمرار للتهرب من توقيع وثيقة المصالحة التي أعدتها مصر, رغم توقيع حركة فتح عليها. أيضا واصلت الحركة استخدام لغة فارقت الحقيقة, فكانت تصف نفسها بالمقاومة الصامدة, في حين أن أمن إسرائيل بات أفضل كثيرا مع وجود حماس في القطاع, وتمتعت إسرائيل بأمن لم تتمتع به إبان سيطرة السلطة الوطنية علي القطاع, بل إن حماس كانت أكثر عنفا ودموية في التصدي للحركات والفصائل الفلسطينية التي أرادت القيام بعمليات مقاومة ضد إسرائيل. في الوقت نفسه فتحت الحركة أكثر من قناة اتصال مع إسرائيل( في لندن وجنيف ومن خلال مستشار هنية الدكتور أحمد يوسف وفتحت قنوات اتصال مع الولاياتالمتحدة من خلال الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر, وبعثت برسائل مكتوبة إلي الرئيس الأمريكي باراك أوباما تدعوه إلي فتح حوار مباشر مع الحركة. باختصار الحركة تتصرف علي أنها بديل للمشروع الوطني الفلسطيني الذي تحمله منظمة التحرير, بديل في المحتوي, وشبكة العلاقات الإقليمية والدولية, وكانت النتيجة إزدياد الفقر في القطاع, مزيدا من الرسوم والضرائب, وانتشار ظاهرة التسول علي نطاق واسع.