ماذا حدث لأخلاق المصريين؟! حالة من الانهيار الأخلاقي أصابتهم وبدلت سلوكياتهم ونزعت لغة التفاهم من قاموس التعامل لتتحول إلي الغلظة والعنف والألفاظ النابية, فبمجرد أن تطأ قدماك الشارع أو تستمع إلي برنامج حواري إلا وتفاجأ بسيل من الاتهامات والتراشق بالألفاظ والايحاءات وخروج عن سياق الأدب.وما يجب أن ندركه في هذا المقام أن تأثير الانهيار الأخلاقي علي المجتمع أشد وطأة من الانهيار الاقتصادي, مع ضرورة تفعيل دور المؤسسات الدينية, وإعادة تقييم أسلوب الحوار السياسي علي القنوات الفضائية, والتأكيد علي الرجوع إلي نهج منظومة الأخلاق من جديد. يرجع الدكتور عبد الحميد زيد, أستاذ علم الاجتماع السياسي بكلية الآداب جامعة الفيوم, استخدام المواطنين ألفاظا غير لائقة في التعامل والخروج الدائم علي الاداب العامة واستخدام بعض الإيحاءات في الحوار السياسي, إلي الانفلات الأمني والأخلاقي الذي تولد نتيجة انكسار هيبة الدولة وتغول المواطنين علي السلطات وتحدي القضاء في تنفيذ الأحكام وغياب تطبيق القانون مع عدم اتخاذ اجراءات رادعة. ويشير إلي تحول النقاشات السياسية إلي ساحة حرب يتحتم معها انتصار أحد الافراد في نهاية الحوار, وان يكون أحدهم صاحب الرأي الصائب والجدير بالاحترام والتنفيذ ومن يتعارض معه يكون علي خطأ, بالاضافة إلي الاستعلاء عند الاستماع لآراء الاخرين ووجهات النظر المختلفة, مضيفا أن كل هذا من شأنه أن يؤدي إلي مزيد من الانهيار للقيم الاخلاقية داخل المجتمع. ويوضح زيد اختلال منظومة القيم الذي امتد إلي الشعب المصري بأكمله علي جميع المستويات حتي وصلت إلي بعض النخب السياسية لتفعل كل الفئات ما تشاء دون أي ضوابط حاكمة. من جانب آخر يري الدكتور سمير عبد الفتاح, استاذ علم النفس السياسي بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية ببنها, أن السياق العام للمجتمع بعد ثورة25 يناير أصبح يشكل خطرا علي القيم والعادات والتقاليد السائدة في المجتمع, مشيرا إلي أن الدوافع لدي الإنسان نوعان دوافع غريزية وأخري نفسية واجتماعية, وعندما لا توجد قاعدة للحساب والعقاب مع وجود انفلات أمني في جميع المجالات لابد وأن تأخذ الغريزة الدور الأكبر, وحينها سيتجرأ الفرد علي كل العادات والقيم المعتادة. انسياق وراء الغرائز ويضيف أن انسياق الشباب وراء غرائزهم جاء نتيجة عدم وجود فرص عمل, وبالتالي تغيرت سلوكياته وألفاظه وإيحاءاته الدائمة التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من حديثه, هذا بالاضافة إلي أن الغريزة الجنسية أصبحت مستباحة داخل المجتمع ومن قبل جميع الأفراد. ويؤكد عبد الفتاح علي أن زيادة الفجوة بين الواقع وبين الطموحات والآمال التي بناها المواطنون عقب إسقاط النظام البائد أحد الأسباب التي جعلت غالبية الشعب يؤمن بأنه لا توجد دولة قادرة علي ردع الفاسدين وبالتالي انتشرت الجريمة وسادت القيم والأخلاق غير السوية في المجتمع. وتوضح الدكتورة هالة يسري, أستاذة علم الاجتماع, أن ظاهرة استخدام ألفاظ غير لائقة ليست وليدة اللحظة وإنما هي نتاج سنوات عديدة من الكبت والرضوخ السياسي, مضيفة أن الشباب يلجأ عادة إلي التغيير والخروج عن المألوف حتي وإن تضمن الخروج عن سياق العادات والقيم والضوابط الاخلاقية والتي تطورت شيئا فشيئا وأصبحت خروجا لفظيا وسلوكيات غير لائقة, فضلا عن حالة التفكك الأسري التي سيطرت علي المجتمع المصري وتشعبت نتيجة الاعباء الاقتصادية والاجتماعية للأسرة المصرية. وتشير إلي الدور الفعال الذي يلعبه الوضع السياسي في مصر والنقاشات السياسية الحادة علي شاشات التليفزيون والتي وصلت في أغلب الأحيان إلي السباب وتبادل الاتهامات بين الأطراف المتحاورة, مع تشويه كل منهم للآخر دون توجيه الاهتمام إلي شكل وأسلوب الحوار. ومن جانب آخر ترجع الدكتورة عواطف أبو شادي, أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الامريكية, هذه الظاهرة إلي غياب البنية الأخلاقية والثقافية للمجتمع المصري, فضلا عن غياب دور مؤسستي الأزهر والكنيسة في توعية الشباب وإعادة بناد منظومة القيم الأخلاقية من جديد. ويري الدكتور عثمان محمد, رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة6 أكتوبر, أنه حتي نعمق البحث في مسألة تدني بعض سلوكيات الأفراد داخل المجتمع والتي تفشت بين جميع الطوائف السياسية والنخب والمثقفين وعلي شاشات القنوات الفضائية وبدأت تثير قلق المجتمع, يجب أن نعود إلي ال15 يوما الأولي للثورة حيث السمو الأخلاقي والرقي في سلوكيات المصريين التي ظهرت واضحة وأبهرت مصر كلها وحازت احترام وتقدير الدول الخارجية. ويشير إلي انه ما إن بدأ العمل السياسي ونشوب الصراعات حتي شهدت الساحات السياسية أساليب غير لائقة تكاد تصل إلي مستوي التدني اللفظي والتراشق بالألفاظ الخارجية والاتهامات, فضلا عن انهيار آمال وطموحات المواطنين عقب الثورة واستشعارهم بعدم قدرة الدولة علي تحقيق الإنجازات بعد تغيير النظام السياسي والذي أدي إلي حالة الانفلات الأخلاقي والخروج الدائم عن سياق الآداب العامة. قدماء المصريين أحب المصريون القدماء الأخلاق بمفاهيم الانسانية العامة فأحبوا الفضيلة وكرهوا الرذائل كالكذب والسرقة.. ولقد دون المصريون القدماء بعضا من اقوالهم في الأدب والحكمة ومن هذه الحكم والأمثال: * أصلح نفسك أولا إذا أردت أن تصلح الناس. * اكبح لسانك ولا تجعله يسبق تفكيرك. * إذا أردت تغيير الواقع فابدأ بتغيير نفسك. * لا يمكن ان تصنع شيئا تغير به الماضي, ولكن يمكنك أن تصنع شيئا تغير به المستقبل. * احترم من هو أكبر منك يحترمك من هو أصغر منك. الحجاج من أقوال الحجاج الثقفي عن المصريين في وصيته لطارق بن عمرو حين صنف العرب: لو ولاك أمير المؤمنين امر مصر فعليك بالعدل فهم قتلة الظلمة وهادمو الأمم وما أتي عليهم قادم بخير الا التقموه كما تلتقم الأم رضيعها.. وما أتي عليهم قادم بشر إلا أكلوه كما تأكل النار أجف الحطب. وهم أهل قوة وصبر وجلدة وحمل.. لا يغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا والتاج علي رأسه وإن قاموا علي رجل ما تركوه إلا وقد قطعوا رأسه رابط دائم :