لاحديث في الشارع السويسي سوي حديث الاقتصاد والسياسة, ذلك أن الثورة كما أثرت في جميع أنحاء مصر, أثرت في أحوال السويس والسوايسة, إلا أنهم سبقوا الجميع في تحمل أعباء فساد ما قبل الثورة, ممثلا في حوادث السفن والعبارات التي راح ضحيتها آلاف من أبناء الوطن, بعد تصفية شركات الملاحة الوطنية واستبدالها بأمثال ممدوح اسماعيل من مالكي عبارات الموت, فكانت النتيجة تراجع حركة الملاحة في موانئ السويس بنسبة80%, خصوصا ميناء بور توفيق. كنت في ميناء السويس قبل أيام, فسرني ما لمسته من حماس موظفي الميناء ورغبتهم الأكيدة في العمل, وساءني ما رأيته من إمكانيات متخلفة في كل مكان ذهبت إليه, وكانت دهشتي كبيرة عندما رأيت موظفي الجمارك الذين يحصلون جزءا لابأس به من موارد الدولة السيادية يجلسون في مكاتب متواضعة للغاية, ويعملون في ظروف صعبة وإمكانات تقنية تخطاها الزمن بمراحل, كذلك كان الحال في قسم الصوامع والتخزين وفي جميع أقسام الميناء. حضرت طرفا من حديث سياسي صاخب, لكنه راق جدا, في مكتب مسئول أحد قطاعات الجمارك, وأسر لي, السيد حمدي الشاطر, أحد مسئولي الجمارك, بما لم أكن أعلمه عن أحوال ميناء السويس, فضلا عن موانئ البحر الأحمر في عمومها. كان حديثه ذا شجون, لأنه لخص حال مصر ما قبل الثورة في قطاع الملاحة وأعطي صورة واضحة لما ينبغي أن يكون بعد الثورة, قال الشاطر: - إن فساد ماقبل الثورة أعطي احتكارات في قطاع الملاحة لبعض الأشخاص انتهت إلي كوارث كلنا يعلمها وكانت بمثابة ضربة قاضية لموانئ السويس تحديدا خصوصا بور توفيق. - إنه لابد من إنشاء بنية أساسية ومنشآت جديدة وإمكانات تقنية عالية تواكب العصر في ميناءي السويس والأدبية تحديدا, تتولاها القوات المسلحة لتجاوز الروتين وجودة العمل والحفاظ علي أمن البلاد الذي قد يتعرض للخطر بسبب وجود شركات خاصة وأجنبية تعمل في الموانئ. - النقطة الأهم هي تشديد الرقابة علي السلع والبضائع التي تدخل عبر الموانئ, مثلا أجهزة الأشعة الكاشفةxray) سواء في بوابات الدخول أو داخل صالات البضائع يختارها غير متخصصين من موظفي الجمارك, ولايشارك في لجانها رجال من الجيش والمخابرات العامة, وقد تتعطل أو يتعمد البعض تعطيلها, كما في ميناء السخنة, فتمر بضائع في منتهي الخطورة, أو ممنوعات, إلي داخل البلاد دون أن يدري أحد. - نتيجة ضعف العمل في الموانئ تضيع رسوم أرضيات وخدمات وجمارك بالملايين إن لم يكن بالمليارات, ويتقاضي الموظفون رواتب بلا عمل, ويتفرغون للوشايات والقيل والقال. - عندما تراجع العمل في ميناء السويس بهذه الصورة المخيفة تراجعت معه النواحي الأمنية في مدينة السويس ومحيطها, نتيجة انتشار البطالة ومن ثم السرقات والمخدرات, حيث أن الميناء يوفر فرص عمل مباشرة ممثلة في الموظفين, وغير مباشرة ممثلة في الخدمات والبضائع التي يمكن تسويقها, مع خدمات المطاعم والكافيتريات ووسائل الانتقال وغيرها مما ينعش اقتصاد المدينة. - رغم أهمية ميناء السويس وحيويته وموقعه القريب من محافظات بحري, أصبح غالبية الحجاج والمعتمرين يذهبون إلي سفاجا ونويبع, لأن أصحاب السفن يفضلون اختصار المسافات والعائد السريع. - لابد من تكاتف الحكومة والبنوك في إعادة إنشاء شركات ملاحة وطنية تعمل علي ميناءي السويس والأدبية بشكل خاص, مع تنشيط خطوط الملاحة علي الخطوط الخارجية, فضلا عن استحداث خطوط نقل بحري سياحي داخلية من السويس إلي الغردقة وسفاجا وغيرهما, ومايتبع ذلك من خدمات. - تخفيض أسعار الوقود للسفن مطلب ضروري أيضا لأنه سيؤثر علي تنشيط الحركة وتقليل التكلفة سواء لنقل الركاب أو البضائع. من المهم تطوير إدارة الموانئ بشكل احترافي حديث وتدريب الموظفين علي الأداء السريع والإنجاز واختصار مراحل العمل لتحقيق وفرة في الوقت والجهد وإعطاء خدمة عالية المستوي للركاب وأصحاب البضائع. أخيرا لابد من النظر إلي أن سرعة الإنجاز بالإدارة والتقنيات الحديثة سيكون لها بعد قومي, حيث أن تأخر الإفراج عن السلع يرتب عليها أرضيات ورسوما أعلي, ما يسبب غلاء أسعارها عند العرض في الأسواق, إذ يعوض أصحابها ما دفعوه. هناك تفاصيل كثيرة أخري ضمن هذا الملف, وهي تفاصيل مهمة وخطيرة وجديرة بالاهتمام, فهل تلتفت وزارة النقل وهيئة موانئ البحر الأحمر إلي هذه التحديات, خاصة مع بدء العمل في مشروع تنمية قناة السويس, وفي ظل الطموحات غير المحدودة بعد الثورة بأن يتغير وجه الحياة في مصر في كل القطاعات؟. نتمني ذلك. [email protected] رابط دائم :