تراهم جالسين علي المقاهي وتصطدم بهم في المواصلات العامة وينتشرون في الشوارع والميادين. يتحدثون عن كل شيء يمس سياسة الدولة وكياناتها الرئاسة, الجيش, المعارضة. بمجرد ان تراهم تشعر وكأنهم مكلفون من جهات بعينها بالحديث عن هذه المؤسسات لترويج الشائعات دون ادلة مؤكدة مثل التنازل عن حلايب وشلاتين, بيع سيناء لحماس, بيع الاهرامات لقطر, تأجير أضرحة آل البيت لايران, صراع وشيك بين الرئاسة والجيش كل هذا والخ من الشائعات التي تنال من الامن العام للبلاد وتلحق الضرر بمؤسسات الدولة وتثير الفتن والذعر بين الناس لاحداث فوضي مقصودة. والسؤال هنا من هؤلاء هل هم مجرد مروجي شائعات عشوائية مهنتهم الكلام او كما يقال بالعامية كلمنجية ام تابعون لفصائل و تيارات سياسية داخلية او خارجية لاتريد استقرارا للبلاد ولها اهداف تسعي لتحقيقها بترويج الشائعات وزرع الفتن بين المواطنين بداية يري الدكتور احمد تيسير استاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس ان هناك تغيرات طرأت علي الشعب المصري فيما بعد ثورة25 يناير سمحت بوجود ما يعرفون بالكلمنجية او من يمتهنون الكلام خاصة في ظل ما تشهده حاليا مصر من مساحة كبيرة للحريات وممارسات سياسية غير مسبوقة ولهذا يستطيع كل افراد الشعب المصري ان يتحدثوا في السياسة مالها وما عليها وهو مؤشر ايجابي في حال ما اذا كانت تلك الممارسة السياسة تتم بشكل ديمقراطي لا يجور علي حريات الاخرين ولايهدم المجتمعات بل يساعد في بنائها ويضيف ماهو جديد او مفيد للصالح العام. ويضيف د. تيسير ان وسط هذه الممارسات الايجابية او الحراك السياسي الراهن ظهرت مجموعات تسير وسط الناس في الاماكن العامة ويوجدون بكثرة علي المقاهي وتجدهم ايضا في المواصلات العامة يتحدثون فيما يعرف بالنميمة السياسية وهي نوع من انواع السياسة الضارة التي من شأنها قلب الحقائق وتهييج الرأي العام لمصالح فصيل سياسي معين وقد يكونون اصحاب مصالح خاصة او ضد نظام معين او حزب بذاته فيمشون وسط الناس بالنميمة ضده ويروجون الشائعات الهدامة عن هذا النظام او الحزب وقد يكونون تابعين لانظمة اخري سرية او جمعيات او حركات تعمل بعيدا عن الرقابة ولها اجندات تسعي لتحقيقها من خلال النميمة السياسية التي تهدم ولا تبني. ويقول محمود رضوان مؤسس حركة محامون ضد الفساد ان هناك مجموعات خفية اثارت الفوضي والشائعات حول كل شيء متعلق بسياسة الدولة وكياناتها الاساسية وهم يتحدثون عن كل شيء وكأنهم علي علاقة وطيدة بمصادر المعلومات ومراكز اتخاذ القرار حتي يتمكنوا من ترويج الشائعات وزرع الفتن وسط الجماهير. واشار رضوان الي ان هذه المجموعات موجودة منذ عدة سنوات ومن قبل ثورة25 يناير ولكن الواضح عليها انها ازدادت في الاونة الاخيرة بشدة وهو ما نراه في محطات المترو والشوارع والميادين فهم يطلقون شائعات حول الرئيس مثلا بأنه وضع يده في يد الامريكان والاسرائيليين وتارة اخري يطلقون شائعات ان الاخوان المسلمين باعوا سيناء لحماس ويؤكدون ان الجيش علي خلاف شديد مع الرئاسة وان هناك انقلاب سيحدث قريبا علي الرئيس وان وان الخ من الشائعات التي يشعر معها من لديه حس سياسي بانها مفبركة ومقصود بها احداث انقلابات وفوضي عارمة تهدف للتخبط وعدم الاستقرار. ويشير الدكتور شريف كامل وكيل حقوق القاهرة الي ان الخطورة الحقيقية من ترويج الشائعات تأتي من نشرها او وصولها الي الشعب عبر الصحف والاعلام ووقتها تكون هذه هي الكارثة واري انه من الضروري تطبيق القانون بنصوصه ضد كل من يروج شائعة تنال من البلاد او المواطنين او الامن العام للدولة وهناك نصان من قانون العقوبات بخصوص تداول الشائعات واحكامها والنص الاول هو المادة102 مكرر من قانون العقوبات ويقول يعاقب بالحبس من24 ساعة حتي3 سنوات وتطبق عليه غرامة لا تتجاوز200 جنيه لكل من اذاع عمدا اخبارا او بيانات او شائعات كاذبة اذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام او القاء الرعب بين الناس او الحاق الضرر بالمصلحة العامة. اما النص الثاني فهو المادة188 من قانون العقوبات وينص علي ان الجرائم التي ترتكب من الصحف وغيرها من طرق النشر يعاقب عليها القانون بالحبس لمدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن5 الاف جنيه ولاتزيد عن20 الف جنيه او لكل من نشر بسوء قصد باحدي الطرق العلانية اي اخبار او بيانات من شانها تكدير الرأي العام او اثارة الفزع بين الناس او الحاق الضرر بالمصلحة العامة ويضيف د. شريف ان كل ماتردد في الفترة السابقة من شائعات مثل بيع الاهرامات للايرانيين او اضرحة ال البيت او بيع حلايب وشلاتين او بيع سيناء كلها تندرج تحت الاخبار الكاذبة التي تلحق الضرر بالبلاد والشعب ومن المفروض ان يعاقب عليها مروجوها بنصوص القانون السابقة. ويشير الدكتور حسن سلامة الاستاذ بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية الي ان فكرة الشائعات تجد بيئة خصبة تنتشر فيها بسبب غياب الوعي والشفافية في تقديم المعلومات من الاساس وبالتالي فهي اداة جيدة لمن يستغلون قدراتهم في تنظيم الامور وتجنيد الافراد لاحداث الفتن في المجتمعات. وقد تعودنا علي الشائعات من قبل ان يكون بها جزء من الصحة ولكن الان تستخدم كسلاح خطير ولايكون لها اساس من الصحة فقط من يطلقونها يعتبرونها بالونة اختبار قد تجد زخما كبير بمجرد سماعها وقد يكون العكس ومن ضمن العوامل التي تساعد في انطلاقها ان جزءا كبيرا من الشعب المصري مصاب بالغرور ويشعر انه في وضع محرج اذا قال لا اعلم في شيء معين ولكن يتحدث عن الشائعة وكأنة علي دراية تامة بالموضوع معتقدين انها هيبة ويكملون بأنفسهم مسار سريان الشائعات حتي تكبر وتحدث صخبا وتحتاج في لحظات التفاقم خروج المسئولين للردود علي مدي صحتها من عدمة ولكن للاسف عند هذا الحد تكون اخذت من وقت الناس والمسئولين قدرا لا تستحقه. ويري د. سلامة ان حل هذا المشكل لا يكون بتشريع انما بوضع قدر اكبر من المصارحة في طرح المعلومات بشفافية من خلال المصادر الموثوق فيها. وفي النهاية أؤكد اننا في حاجة الي مايعرف بالبوصلة لتحقيق الرؤية الواضحة لكل ما يحيط بنا في الوقت الراهن وعلي كل المستويات وعلينا ان نبادر بهذا مدركين ان هناك من لا يدركون المصلحة الوطنية ويعملون علي ترويج الشائعات بعد ان باعوا مبادئهم لصالح اصحاب الاجندات الخارجية التي جندتهم بالاموال في ظل ماتمر به الان البلاد من مناخ يسمح بتوغل تلك الاجندات الخارجية وتحقيق اهدافها الخبيثة وذلك لكشفهم للشعب وتقديمهم للعدالة واستكمال مسيرة ثورة25 يناير. ويوضح الدكتور عطية عتاقي الخبير والمحلل النفسي ان المجتمع المصري في هذه الفترة الراهنة يعتبر حديث العهد بالحريات خاصة بعد ان ظل اكثر من30 عاما مكبلا بقيود من حديد ومهددا في اغلي ما يملك الانسان وهي حريتة. وبعد ان جاءت ثورة25 يناير المجيدة تغير الوضع واصبح المجتمع المصري مستقبلا للحريات ويمارسها في كل شئون حياته بشكل كبير لم يعتده من قبل وقد كانت هذه الحريات الكبيرة مفاجأة لأغلب بل عموم الشعب الذي خلع نظاما مستبدا طوال تلك الفترة وظن انه لن يفلت من تكبيله ابداوهذه المفاجأة والكلام علي لسان د. عتاقي جعلت الشعب يمارس الحريات بشكل متخبط لدرجة بلغت حد الحرق وقطع الطرق والخطف وغيرها من السلوكيات الخاطئة التي يراها من يقومون بها علي انها حريات وكان لعنصر المفاجأة في ممارسة الحريات دور خطير جدا في ظهور الفئات الكثيرة ممن حرموا من الكلام في السياسة وممارساتها بأي شكل بسبب خوفهم من بطش امن الدولة والاجهزه الامنية في فترة ماقبل ثورة25 يناير حيث انفجرت هذه الفئات لتخرج كل ما عندها بشكل عفوي وعلي الفطرة بشائعات يطلقونها عن غير قصد وشتائم ضد الحكومة والنظام او المعارضة متأكدين من غياب الرقيب عليهم ويقول الشيخ يوسف البدري حول عواقب موضوع الشائعات ونهي الدين عنها ان الله عز وجل قال لاتقف ماليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا معني هذا انه لا يجب التحدث بالكذب او ترويج الشائعات الا ان يتاكد الانسان من صدق كلامه بنفسه كما أشار النبي صلي الله عليه وسلم مشيرا الي الشمس بالنهار وقائلا لمعاذ عليها فاشهد اي اشهد علي الحقيقة الواضحة وضوح الشمس لا شك في وضوحها واعلم انه لا يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد وقد حذر الاسلام من افات اللسان وقال عنه النبي في حديث وهل يكب الناس علي وجوههم في النار إلا حصائد السنتهم وكان ذلك حين قال سيدنا معاذ أنحن مؤاخذون بما نتكلم به وجاء ان اعضاء الانسان تقول له حين يستيقظ اتقي الله فينا فانك ان زللت ألقيت بنا في جهنم رابط دائم :