سلط ما قامت به السلطات الصينية من شن حرب علي ما وصفتها بالشائعات الإلكترونية المنتشرة عبر شبكة الإنترنت,الضوء علي ما تشهده مصر حاليا من فوضي الكترونية عارمة تكتظ بالشائعات علي مواقع التواصل الاجتماعي وأبرزها فيسبوك و تويتر من جهة, وبث الأخبار المغلوطة علي المواقع الإخبارية التي تحظي بنسب مشاهدة عالية من جهة أخري..وجميعها يندرج تحت مسمي القوة الهادمة لمواجهة مجتمع أراد التغيير والسعي نحو البناء والتنمية حيث أن نشر الشائعة لا يتطلب سوي بضع دقائق من الضغط علي مفاتيح الحاسب الآلي وهو الكفيل بنشرها في لحظات إلي ملايين البشر لتبث سمومها في أرجاء المجتمع وتزيد من حالة الارتباك والقلق التي يعيشها المواطن, بل وتجبر المسئولين علي الانشغال بالرد عليها ونفيها وإلا ازداد انتشارها واستفحلت خطورتها.. وحول حرب الشائعات توجهنا للخبراء في مجال الإعلام والالكترونيات للوقوف علي أسبابها وسبل القضاء عليها.. في جولة للأهرام المسائي لاستطلاع آراء الشباب الذين يعدون الفئة الأكثر استخداما للإنترنت, أجمع عدد كبير منهم علي أن الإعلام الإلكتروني فقد مصداقيته إلي حد كبير, محملين الدولة بما فيها من أجهزة رقابية المسئولية الكاملة عن ذلك, تقول رنا صفوت طالبة بكلية اللغات والترجمة بجامعة مصر- إنها لا تصدق كل ما ينشر علي صفحات التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر, فضلا عن بعض المواقع الإخبارية وذلك بعد تكرار نشرها لأخبار كاذبة, علي الرغم من ذلك فهي تعد وسائل إعلامية لا غني عنها لملاحقة الأحداث اليومية نظرا لسرعتها في نقل الخبر. مسئولو الإعلام في الجهات الحكومة تحولوا إلي جهة لنفي الشائعات.. بهذه الكلمات الساخرة بدأ مكرم أحمد موظف بإحدي الشركات- تعليقه علي انتشار الشائعات الالكترونية, لافتا إلي أنها باتت السبيل الوحيد لتشويه سمعة الآخرين والطعن في أعراضهم ومن ثم تضليل فئة كبيرة من الشباب الذين يتابعونها, وذلك من خلال نشر أخبار كاذبة أو تصميم صور مفبركة وإلحاق بها تعليق مناف للواقع من أجل تحريف الحقائق وإظهار الأمر علي غير حقيقته, لافتا إلي أن الشخصيات المشهورة هم أكثر الفئات المستهدفة من خلال الصفحات الالكترونية, مؤكدا صعوبة إحكام الدولة قبضتها علي مروجي الشائعات الالكترونية أو حجب بعض المواقع, وإلا سجن ملايين من الشعب المصري, كما أنه في هذه الحالة لن يسلم مسئولو الدولة من الاتهامات بقمع الحريات, علي حد تعبيره. وعن تداول بعض المواقع الإخبارية الشهيرة لأخبار مغلوطة, ألقت مني حمدي طالبة ماجيستير- بالكرة في ملعب الدولة لتقاعسها عن إصدار قانون حرية تداول المعلومات والذي تمت المطالبة به مرارا وتكرارا, ما يدفع الصحفي في كثير من الأحيان إلي التحريف ونشر أخبار كاذبة كنوع من الاجتهاد ومواكبة الأحداث المتلاحقة أو لاستفزاز الجهة المستهدفة للرد عليها ومن ثم الحصول علي المعلومات الصحيحة ويري محمد سعيد أعمال حرة- أن مواقع التواصل الاجتماعي وأبرزها فيس بوك وتويتر كان لهما الدور الأكبر في تعبئة الرأي العام وتحريك الشارع منذ الأيام الأولي للثورة, حتي استطاعت إسقاط نظام بأكمله ومن هنا اكتسبت شعبية عريضة بين أطياف المجتمع وبات تأثيرها يزداد يوما بعد يوم, ولكن تكرار نشر أخبار خاطئة من قبل بعض الصفحات أو المواقع ثم تكذيبها من قبل المسئولين, خلق لدي الجمهور المستخدم للإنترنت القدرة علي التفريق والقيام بعملية فلترة للأخبار والتأكد من صحتها قبل التسليم بها, ما أحدث بالفعل حالة من النضج لدي المتلقي فيما يخص عملية استقبال الخبر. وتقول فاطمة عبد اللطيف طالبة بمعهد الفنون- إنها تعتبر كل ما ينشر علي صفحات الإنترنت كذبا وتدليسا ما لم يثبت العكس, مشيرة إلي أن حالة الصراع السياسي باتت تدفع الخصوم السياسيين إلي التفنن في تزييف الحقائق بدقة وحرفية تامة للنيل من سمعة الآخرين, ما يلعب دورا واضحا في استفزاز وجذب الملايين ممن ينتمون لذات التيار الذي ينتمي له مروج الشائعة, والذي يترتب عليه ردود أفعال غاضبة تزيد من الارتباك في المشهد السياسي, مناشدة المسئولين اتخاذ إجراءات حاسمة لردع مثيري الفتن حيث إنه السبيل الوحيد لتهدئة الأوضاع المشتعلة. وتباينت آراء خبراء الإعلام والقانون حول آليات الخروج من المأزق الحالي ووضع حد لإثارة الفتن, ويشير الدكتور عاطف سالم أستاذ القانون الدستوري بجامعة عين شمس- إلي عدم وجود قوانين لتجريم الشائعات في حد ذاتها ولكن الآثار المترتبة علي نشرها, سواء كانت تؤدي إلي إثارة الفتن أو ازدراء الأديان أو المساس ببعض الأشخاص, فضلا عن وجود مادة في قانون العقوبات تجرم انتحال الشخصيات ومن بينها انتحال صفة الشخصيات العامة علي صفحات التواصل الاجتماعي من خلال استعارة أسمائهم وصورهم وإصدار تصرفات مسيئة لهم, مؤكدا أن عدم تفعيل القوانين إلي جانب تراخي وزارة الداخلية في تطبيق القانون هو العائق أمام وضع حد للشائعات الالكترونية, مشددا علي ضرورة تفعيل القوانين للقضاء علي هذه الظاهرة. وأوضح أنه في المجال الالكتروني يمكن للدولة عن طريق وزارة الداخلية حجب بعض المواقع إذا ما كانت تمثل خطورة علي الأمن العام الداخلي, سواء كانت صفحات علي مواقع التواصل الاجتماعي أو حسابات خاصة لأشخاص بعينهم, وذلك إذا ما ثبت تخصيصها لترويج الشائعات, بينما يصعب التحكم في المواقع العالمية من داخل مصر. وعن نشر الأخبار المغلوطة علي المواقع الإخبارية أكد أنها جريمة في حد ذاتها باعتبار هذه المواقع موثقة وحاصلة علي تراخيص, لافتا إلي أن القانون يفرق في هذه الحالة بين الخطأ المهني غير المقصود وهو خطأ شائع يقع فيه أغلب الصحفيين حول العالم مع سرعة البحث عن المعلومة ولا يؤثر علي متن الخبر مثل كتابة الأسماء بطريقة غير صحيحة, وبين الخطأ الجسيم المقصود الذي يتنافي مع حدود المنطق ويعمل علي تشويه الخبر, لافتا إلي أن الجهة المنوط بها التمييز بين نوعي الخطأ هي النيابة العامة تحت رقابة محكمة الموضوع, وفي حال اكتشاف الخطأ الجسيم يقضي القانون بعقوبة3 سنوات سجنا للمحرر باعتباره المسئول الأول والأخير عن سلامة الخبر. وأوضح أن اتخاذ الإجراءات القانونية يتطلب إما مبادرة النيابة بتحريك الدعاوي من تلقاء نفسها في حال متابعتها لأي خبر كاذب, أو أن يتقدم الشخص المتضرر ببلاغ للنيابة للتحقيق فيه, لافتا إلي وجود تقصير واضح من جانب النيابة في تحريك مثل هذه الدعاوي, ومن ثم الاعتماد علي المتضرر بصفة أساسية في تحريك القضايا. في السياق ذاته يري نبيه الوحش- المحامي- أن تداول الشائعات عبر الوسائل الالكترونية يعد من الجرائم المستحدثة, حيث زاد انتشارها عقب ثورة25 يناير بصورة ملحوظة, كما أنها يسهل ارتكابها ولا تطلب جهدا كبيرا, كما يصعب تحديد صاحبها فضلا عن تأثيرها السلبي علي الأشخاص والمجتمع, مؤكدا عدم جواز مواجهة هذه الجرائم بالعقوبات التقليدية التي تندرج تحت قانون العقوبات, حيث لابد من استحداث باب جديد مستقل في الدستور يتضمن تشريعات مغلظة لردع مروجي الشائعات الالكترونية, مع تفعيل سبل الرقابة لضمان سرعة ملاحقة وضبط المتهمين. من جانبه أوضح فاروق أبو زيد نائب رئيس جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا- أن أخلاقيات الإعلام الاكتروني قضية مثيرة للجدل حيث عانت منها العديد من الدول منذ10 سنوات عقب اندلاع ثورة التكنولوجيا والمعلومات, لافتا إلي أنه حتي الآن لم ينجح المجتمع الدولي في وضع آليات لضبط منظومة النشر الالكتروني, نظرا لأن هذه الوسيلة تخضع لظروف تختلف عن الوسائل الإعلامية الأخري, وعلي رأسها التفاعلية والقدرة علي الإرسال والاستقبال في التوقيت ذاته بدون قيود, وهو ما يسمح للملايين بالتفاعل في نفس اللحظة وتصعب إمكانية السيطرة عليهم. وأوضح أن الخروج من الأزمة يتطلب وضع ميثاق شرف للإعلام الالكتروني والذي تم تفعيله في بعض الدول, مع عمل منظومة جديدة للتربية الإعلامية في جميع المدارس والجامعات من خلال إدراج مقررات دراسية جديدة تستهدف توعية الأجيال القادمة بمعايير الإعلام الصادق وكيفية التفريق بين المواد الإعلامية المزيفة والحقيقية مع خلق وعي نقدي لدي المواطن بحيث لا يكون مجرد متلق للخبر بل يقوم بدور المقيم والحكم, إلي جانب تنظيم العديد من الندوات لنشر التوعية بين صفوف المواطنين. وعن أسباب استفحال ظاهرة الشائعات الالكترونية, أكد رضا عكاشة أستاذ الإعلام بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا- أن ترويجها يرجع بالأساس إلي حالة الغموض التي خيمت علي المشهد السياسي في شتي جوانبه عقب ثورة25 يناير والتي أنتجت بيئة خصبة لنشر الأكاذيب, فضلا عن قلة الوعي الواضح عند شريحة كبيرة من المواطنين إما لجهلها الثقافي أو لهواها السياسي ومن ثم افتقاد القدرة علي التمييز بين الرأي الشخصي والخبر وأوضح أن الشائعات بصفة عامة لها تأثير خطير علي المجتمع لما تثيره من حالة القلق والذعر بين المواطنين كما أنها مرفوضة مهنيا وأخلاقيا وقانونيا, كما تزداد خطورتها إذا ما تداولت عبر مواقع الكترونية يفترض ممارساتها للمهنة بمصداقية تامة في إطار سياسي وقانوني واضح, مثلما هو حال معظم المواقع التي باتت تعالج الأحداث بسذاجة, وربما بسوء نية لفرض أيديولوجية سياسية معينة, أو لأنها تعمل لحساب بعض رؤوس الأعمال الفاسدة, أو في سياق تيار سياسي يأبي استقرارالوطن, لافتا أن معظمها يقع تحت مظلة المصادر المجهولة مثل: صرحت مصادر مسئولة ب...., أو علمت الصحيفة ب..., وهي ما لا يجرمها القانون المصري بينما يجرم الأثار المترتبة عليها. ولفت إلي أن قانون العقوبات يتضمن نحو15 مادة تنطبق علي مروجي الشائعات تحت مسميات مختلفة, إلا أنها لا تفعل مناشدا بضرورة تفعيلها, مع تفعيل بعض المبادئ الواردة في الدستور متمثلة في المادة رقم215 والتي تنص علي إنشاء مجلس وطني للإعلام ينظم شئون الإعلام المسموع والمرئي والرقمي أي الالكتروني, من خلال إنشاء نقابة للإعلام الالكتروني تختص بوضع ميثاق شرف لإخضاع الصحفي الالكتروني لذات القوانين والمبادئ التي يخضع لها الصحفي العادي. من جانبه أشار بسيوني حمادة عضو لجنة مناقشة وإصدار قانون الحق في الحصول علي المعلومات بوزارة العدل- إلي أن الوزراة انتهت من صياغة الشكل النهائي للقانون وهو في طريقه إلي مجلس الشوري لمناقشته والتصديق عليه, مؤكدا أن هذا القانون سيضمن إتاحة المعلومات لأي شخص في كل المجالات فيما عدا الأمور المتعلقة بالأمن القومي والحرمات الخاصة للأشخاص, وهو ما سيعمل بمجرد تطبيقه علي الحد من ترويج الشائعات.