تناثرت أقوال كثيرة وتكهنت آراء أكثر في وصف وسرد ما حدث ليلة28 يناير خلال جمعة الغضب أثناء الثورة وسعي كل فريق لفرض نظرية الرأي الأوحد وضاعت الحقائق في لبس الروايات المتعددة إلي ان شاءت إرادة الله ويقظة رجال الأمن في رصد مكالمة حرص متحدثها أن تكون سرية ومشفرة كانت الكلمات الثلاث الامانة في الموتوسيكل أشبه بخريطة كنز تمكن خلالها ضباط قصر النيل من الإمساك بأول حلقة حقيقية من السلسلة الغامضة في مسلسل مهاجمة وحرق ونهب أقسام الشرطة وسرقة الأسلحة الميري والمحرزة يوم28 يناير ليكشف لنا حقيقة ما حدث في قسم مصر القديمة بالتفصيل ولعل ما سيتم سرده من هذه اللحظة سيكون الشاهد الأوحد حتي الآن الذي تم الإيقاع به لنعيش ثوان ودقائق وساعات ما كان يحدث فلنحبس أنفاسنا قبل الإستماع إلي الرواية التي حرص الاهرام المسائي علي نقلها حرفيا علي مسئولية راويها بعد تسجيلها بالفيديو... والآن نقترب من المتهم الذي ما إن تقع عيناك عليه حتي تلحظ ارتباك وزيغ نظراته التي لا تستقر علي شيئ وتقوم بمسح المكان حوله بشكل دائري طول الوقت يشاركها عدم سكون أطرافها. ملامح الفتي تشي بصغر سنه ومرحلته العمرية الفتية, كان حريصا طوال الوقت علي ان يشعر سامعيه أنه ضحية وما فعله كان تلقائيا ولم يخطط أو يسعي إليه. نقل نظراته بين الجالسين حوله وفتح فمه ثم بدأ حديثه بالنظر إلي الأرض قائلا: اسمي أحمد. س. م عمري18 سنة ومن المفترض أنني أمتحن الآن بالصف الثاني الثانوي وقد طلبت الذهاب للإمتحان بمدرستي بالقطامية واخوتي يسيرون في إجراءات الموافقة. وسكت ونظر يساره وكأنه لا يرانا ثم قال: لي أربعة من الإخوة وأبي وامي يزورونني.. وتهمتي القيادة برخصة منتهيه و التسبب في إصابة سيدة بكسور والتي أوقعها قدرها وحظي العاثر امامي لتصاب بكسور وتم نقلها إلي المستشفي وحاولت الفرار إلا ان الاهالي حاصروني وتمكنوا من الإمساك بي وسلموني إلي قسم شرطة قصر النيل لوقوع الحادث في دائرته وامام رجال المباحث إعترفت بصدم السيدة بدراجتي النارية التي أعمل عليها في خدمة توصيل الديلفري بأحد الكشري بالمنيل. وقبل وصولي القسم إتصلت كعادتي عند حدوث مشاكل مع الشرطة بشريك صاحب المطعم وذلك لنفوذه وتمكنه من تخليصنا انا وزملائي من اي مشاكل مرورية مستغلا شبكة علاقات شقيقه المستشار.. حاول شريك صاحب المطعم التوسط لدي أسرة السيدة التي صدمتها إلا أن نجلها رفض بشدة وأصر علي استكمال الإجراءات القانونية ضدي, وتم عرضي علي نيابة قصر النيل بتهمة صدم المجني عليها والقيادة برخصة منتهية وقررت النيابة في نهاية التحقيق إعادتي إلي القسم لإحتجازي علي ذمة القضية. وأثناء عرضي علي النيابة تنحيت جانبا بحجة طمأنة أمي وباقي أسرتي وإرتكبت أكبر خطا فعلته في حياتي حين أخبرت صاحب المطعم قائلا الأمانة في الموتوسيكل. وما أن عدت من النيابة لدخول الحجز بصحبة احد أمناء الشرطة حتي فوجئت بإلتفات المقدم محمد السيد رئيس المباحث إلي وامسكني من ذراعي ونظر في عيني نظرة جمدت الدماء في عروقي ولا أنساها وقال لي: إيه حكاية الأمانة دي يا أحمد ؟ فإرتعشت وسكت, فقال لي: لو ابتلعت لسانك إنت حر وسأتي بالموتوسيكل أمامي هنا و أفكه قطعة قطعة وحينها ستكون العقوبة القانونية أكبر.. فإنهرت علي الأرض وعاد ينظر لي نفس النظرة المرعبة قائلا: إحكي لي بالتفصيل وطلب لي شاي وزجاجة مياه وأجلسني علي المقعد, وربت علي كتفي وقال في هدوء لا نريد إلا الحقيقة فقط ترددت في بداية الامر وشعرت أن الدماء هربت من عروقي بعد سريان برودة في أطرافي بالرغم من حرارة الجو.. فرفع أمامي زجاجة المياه المعدنية وقال لي: إشرب يا أحمد.. وإهدأ فترددت في سرد الحقيقة ولكن نظرات عينيه لم تدع لي فرصة للهروب أو إدعاء عدم المعرفة فخرجت الكلمات من فمي تنساب رغما عني: الامانة هي... طبنجة ياباشا فقال لي: إشرب الشاي وعاد يجلس علي مكتبه وصرخ في قائلا: من أين حصلت علي هذا السلاح ؟, فقلت: من درج أحد الدواليب داخل قسم شرطة مصر القديمة, فهب مفزوعا من مكانه وأجري اتصالا باللواء جمال عبد العال مدير الإدارة العامة لمباحث القاهرة ثم عاد وسحب مقعدا وجلس في مقابلتي ووضع يده علي كتفي وقال في صوت عميق: كيف حدث هذا ؟ فقصصت له أحداث الأيام التي عشتها خلال ثورة25 يناير وتمكني من حصولي علي الطبنجة. فطلبنا منه أن يسرد لنا ما شاهده وكيف تسني له دخول قسم الشرطة والحصول منه علي قطعة سلاح. فسحب أحمد نفسا عميقا ثم تنهد ونظر إلي الأرض وقال: عندما كنت طالبا في الشهادة الإعدادية كنا في ظروف معيشية صعبة حيث نعيش في منطقة مصر القديمة في شارع محمد الصغير علي بعد خطوات من ديوان القسم وكنت الاحظ أبي وهو يعاني في الإنفاق علينا انا واخوتي الأربعة فهو يعمل في شركة المواسير بحلوان ووالدتي لا تعمل وتمكث لرعايتنا بالمنزل. ومسح الفتي جبهته من بعض قطرات خفيفة من العرق وقال وهو يضغط علي حروف كلماته اتذكر جيدا ولا أنسي قبل عامين عندما شق السكون صوت أشد من القنابل وتتابع إطلاق الرصاص في كل مكان حول قسم مصر القديمة وعلمنا ان هناك محاولات تجري لإقتحام القسم. فهرعت كغيري من شباب المنطقة ورجالها إلي منطقة الكورنيش أمام القسم لمشاهدة ما يحدث رغم تحذير أبواي من الخروج خوفا منهم علي من الإصابة بعيار طائش, وبمجرد وصولي إلي القسم شاهدت ما يشبه الحرب بين رجال الشرطة ومجموعات غريبة من الناس تجمعوا من خارج منطقتنا يصرون علي إقتحام القسم وبعد محاولات من الكر والفر ورشق الطوب والحجارة والزجاجات الحارقة وإطلاق الرصاص كان لهم ما أرادوا وفر رجال الشرطة هربا في عربات بوكس ومن هنا صعد شخص قوي البنيان من هذه المجموعات أعلي بوابة القسم لإنزال اللافتة وسط هتافات الاهالي وتشجيعهم وبدأت الأعداد الغفيرة في الدخول واختلط الحابل بالنابل وبدأ الجميع في الولوج داخل المبني والاستيلاء علي كل ما تقع عليه الأعين وتستطيع حمله الأيدي والأكتاف. تحركت و كل أهالي مصر القديمة بداخل القسم ورأيت بعيني كل فرد كان خارجا بكرتونة أو تكييف وهناك من خرج بشريط برشام أو فرق علي أصدقائه وفي ناس كان معاها بنادق خرطوش وواحد كان ماسك خزنه وجد بها اوراق ومستندات ومزقها أمامي وشخص آخر وجد علبة من الزجاج بها أقفال ومفاتيح وهجم شخص ضخم الجثة يحمل بيده بلطة وإستحوز علي الخزنة وبدأ يضربها كالمجنون ووجدت نفسي امام دولاب كبير وتقدم أحد الأفراد وفتح باب الدولاب والقسم الثاني لم يتمكنوا من فتحه وبعد محاولات وجدنا أقمشة ملفوف بها أشياء بداخل أحد الدواليب بحجرة من الحجرات. تنهد أحمد واخذ نفسا عميقا واستكمل قائلا: إستحوزت علي3 لفافات استشعرت أن بداخلها أسلحة وخرجت مسرعا فرحا بالغنيمة ولكن علي الباب استوقفني أحد الأشخاص واستولي علي لفافتين مما بحوزتي بالقوة, فهربت من أمامه باللفافة التي كنت قد أخفيتها بملابسي وهربت بها إلي المنزل وتبين لي أنها طبنجة كما كان معي4 رصاصات حية وطلقة خرطوش و4 رصاصات. نظر أحمد إلي الأرض مستكملا حديثه قائلا: قال لي شقيقي الأكبر أحتفظ بها.. فأخفيتها في أحد الأدراج في التسريحة بين السرير والدولاب بدرج لا يفتح مطلقا.. ومن حينها لم استعملتها سوي مرة واحدة في احد الأفراح بالشارع, وبعد فترة الانفلات الامني خلال العامين الماضيين كنت أحملها أثناء عملي ليلا في توصيل الطلبات وكنت أخفيها داخل الصندوق أسفل الكرسي الذي يغلق بمفتاح به درج للعدد والمفاتيح وكثيرا ما عرض علي بيعها آخرها من صاحب المحل الذي قدم لي5 آلاف جنيه مقابل الحصول عليها ولكني رفضت لأنه يعلم أنها من ماركة ستار أسباني. وبقيت بحوزتي داخل الموتوسيكل حتي أتيت إلي هنا و لم أتوقع القبض علي ما يزيد علي العامين ولكن ذكاء الضباط هزمني.