كتبت في الأسبوع الماضي تحت عنوان القفز من مركب الرئاسة علي خلفية الاستقالة المفاجئة التي قدمها السيد محمد فؤاد جاد الله المستشار القانوني لرئيس الجمهورية, وقلت: إن العمل المؤسسي لايستقيم في غياب الشفافية وعدم وجود معلومات حقيقية تمكن الرأي العام من الحكم علي الأشياء بشكل صائب, كما ذكرت أنه يحسب للرئيس الدكتور محمد مرسي إصراره علي تحويل الرئاسة إلي مؤسسة حقيقية تتخذ قراراتها بطريقة علمية وواقعية تلبي احتياجات المواطنين وتحل قضايا الوطن الكبري. وقد ظهرت في منتصف الأسبوع ملامح مبشرة تؤكد أن الرئاسة بدأت خطواتها نحو المؤسسية الحقيقية بعد إخفاقات مرت علي مدي الشهور الثمانية الماضية, وانسحاب14 من الفريق الاستشاري للرئيس من إجمالي22 مستشارا, لأسباب مختلفة كان من بينها- حسب ما أعلنوا- عدم الاعتداد بآرائهم, وعدم وجود رؤية واضحة وتغليب مصالح تيارات علي أخري, وغير ذلك من الكلام المرسل الذي لم يقم عليه دليل عملي لغياب المعلومات الصحيحة عن ظروف تلك الاستقالات جميعاوملابساتها. جاءت البشري بأن مصدرا سياسيا رفيع المستوي ومقربا من الرئاسة قال: إن مؤسسة الرئاسة ستعلن خلال أيام عن فريق قانوني وقضائي استشاري لها يضم16 من الأكاديميين وأساتذة القانون والمستشارين بمختلف المحاكم, ومنها المحكمة الإدارية العليا وأساتذة من كليات الحقوق بهدف تقديم استشارات قانونية ودستورية للمؤسسة الرئاسية(وكالة أنباء الأناضول-2013/5/1) وأوضح المصدر أن الرئاسة مازالت تخاطب بعض من الهيئات لانتداب عدد من القضاة من المحاكم للعمل كمستشارين بالرئاسة. الكلام يفك جزءا من لغز استقالة المستشار جاد الله, الذي قال المصدر إنه لم يتم إدراج اسمه ضمن المرشحين للهيئة القانونية الاستشارية المرتقبة التي ستكون مهمتها دراسة ومراجعة كل ما يحال إليها من قرارات وقوانين وإجراءات من قبل الرئيس للنظر فيها من الناحية القانونية والدستورية, بغض النظر عن الاعتبارات أو النواحي السياسية. هذا يعني أننا أمام تحول مهم في فكر الرئاسة وطريقة أدائها ويؤكد أن حالة المؤسسية باتت أقرب ما تكون إلي التحقق, لكن الأسئلة التي ستظل إجاباتها معلقة بعض الوقت- وأتمني ألا يطول- هي: علي أي أسس سيتم اختيار المستشارين في هذه المرة؟ وما هي القواعد التي ستحكم عملية مأسسة الرئاسة, وهل سيصدر قانون يحدد كيفية اختيار فرق العمل للمؤسسة الرئاسية في كل المجالات ومهام كل منها, أم ستظل الأمور قيد التجربة والخطأ ونستهلك وقتا أكبر من اللازم حتي نصل إلي مؤسسة رئاسية حقيقية مبنية علي أسس من الكفاءة والقدرة علي الإبداع والانطلاق إلي آفاق أرحب لصالح الوطن بعيدا عن الاستقطابات السياسية والحزبية؟. كان من المحزن حقا أن تستهلك الرئاسة وقتا في اتخاذ قرارات ضرورية لصالح تحقيق أهداف الثورة ثم تتراجع عنها علي خلفية تعارضها مع قواعد قانونية ودستورية, أو بسبب ردود فعل لم تكن محسوبة وقت اتخاذ القرارات, وهذا يعيدنا إلي التأكيد علي أن الطريق إلي بناء نموذج مؤسسة الرئاسة أو الرئاسة المؤسسة, يبدأ بتطبيق شروط ضرورية منها اعتماد قواعد متينة من الشفافية والموضوعية في عملية البناء حتي ترسخ أقدام هذه المؤسسة في المستقبل, بغض النظر عن انتماء الرئيس الذي تأتي به صناديق الانتخاب, وهذا إن تحقق فسوف يحسب للدكتور محمد مرسي كأول رئيس منتخب, وسوف يسجله التاريخ له في سجل ناصع البياض, لأنه إن نجح في هذه المهمة فسوف يؤسس لدولة مدنية ديمقراطية حديثة كما وعد, وسوف يقطع الطريق علي أي مزايدات رخيصة تتهمه في نواياه وتشكك في قدرته علي الفعل الإيجابي لنهضة الوطن.