بمفردات واضحة وصريحة, دق اعضاء الحلقة النقاشية لجمعية العسكريين الأردنيين المتقاعدين ناقوس الخطر بشأن الوطن البديل ولا لوم عليهم في ذلك و لو لم يتم التركيز علي القاء اللوم علي الضحايا وهم الفلسطينيون القائمون في المملكة, دون ان يتطرقوا الي جوهر القضية, الطابع الإحلالي الاسرائيلي, الذي هو جوهر المشروع المحكم والمتعمد والمخطط له. ليس قبل قيام الصهيونية فحسب, بل قبل قيام الحركة الصهيونية نفسها. وللتمثيل علي وجهة النظر هذه, نسوق ما جاء في سفر يشوع: فالآن اعبر نهر الاردن, انت وكل الشعب الي الارض التي انا معطيها لهم, كل موضع تدوسه بطون اقدامكم لكم اعطيته. وبوسعنا ان نتمثل هنا بالكثير من الاوامر ذات الطابع الاحلالي والتوسعي, غير ان المواد من الكثرة بحيث يصح ان نقول اننا في حيرة من كثرتها, لذا يسمح لنا ضيق المجال بأن نتجاوز عن تفاصيلها. وحسبنا القول. ان هذه المأثورات كانت تنتقل من جيل الي جيل, وكانت بمثابة التراث الفكري لمؤسسي الصهيونية, ومن يقرأ مذكرات زعماء الصهيونية وتصريحاتهم وخطبهم, يدرك ان استيلاء اسرائيل علي الاردن بضفتيه الغربية والشرقية, مسلمة وخطة عسكرية جاهزة للتنفيذ حالما تسنح الفرصة. ونخلص من هذا الي القول: إنه عندما اصدرت الحكومة البريطانية كتاب تشرشل الابيض سنة1922, استثنت فيه شرق الاردن من تعهد الوطن القومي اليهودي, هاجم الصهيونيون هذا الكتاب, متهمين بريطانيا بخرق وعد بلفور, فبادرت بريطانيا بطمأنتهم بأنها تنظر الي شرق الاردن علي المدي البعيد, كأرض احتياطية, لاستيعاب المواطنين الفلسطينيين المرحلين من فلسطين بعد تنفيذ وعد بلفور, في ان يصبح الوطن القومي لليهود في فلسطين, الذي تعهدت بريطانيا بدعمه حقيقة واقعة. وهكذا فإن الصهاينة لم يفقدوا الامل, وظلوا يصرون علي ضرورة الحصول علي شرق الاردن, ومن ذلك ما اشار اليه الزعيم الصهيوني وصديق بلفور حاييم وايزمن بعد اعلان امارة الاردن: ان الدولة اليهودية يجب ان تمتد عبر شرق الاردن, والا فإن فلسطين لن تتسع لملايين اليهود الذين سيهاجرون اليها والذي يستوحي من تصريح وايزمن, ان الصهاينة لن يكتفوا بطرد سكان الضفة الغربية الي شرق الاردن, ولكنهم سيطاردونهم فيما بعد هناك لإخراجهم منها, ويحتفظون بها خالصة لليهود, وهذا النسق يشبه عن قرب ماورد عن اشهر زعماء الصهيونية فلاديمير جابوتنسكي حيث نجده يحدد امام المؤتمر الصهيوني السادس عشر سنة1929 المفهوم الصهيوني لفلسطين بقوله: ما هي فلسطين؟ انها رقعة ميزتها الجغرافية الاساسية, هي ان نهر الاردن لايجري بمحاذاة حدودها بل في وسطها. وابلغ من ذلك في الدلالة, ما كتبه الصهيوني باروخ كارو في مجلة اتحاد الكتاب العبرانيين في تموز عام1967: انظر! لقد توسعت البلاد بين عشية وضحاها, وفي هذه الايام بالذات اصبحت الارض كلها بين ايدينا وباستثناء شرق الاردن, هذه هي المرحلة الخامسة, والان دقت ساعة المرحلة السادسة, المرحلة الاخيرة يا اسرائيل: مهمة السنوات القادمة, اي جلب اكثرية الشعب الي صهيون. وهكذا فإن الموقف من معاهدة السلام مع الاردن, لايعدو كونه اسطوانة دعائية, يتستر بها الكيان الصهيوني علي سياسته العدوانية التوسعية في ظل موقف عربي ينبعث عن رحم العجز العربي. الذي عمل علي ارباك نفسه بنفسه واسقط علي واقعه عقله, وخلط بين تصوره للواقع والواقع نفسه. وقد عبر القادة الصهاينة عن ذلك بكل صراحة فالدكتور اسرائيل الداد من زعماء حركة اسرائيل الكبري يقول بصحيفة يديعوت احرونوت بتاريخ1971/2/19: منذ البداية كان الاقتراح بالتفاوض مع رأس الافعي الشرسة المدعو عبد الناصر بعملية اجرامية وغبية, لقد رفض الحلفاء التفاوض مع هملر هذا اذا لم نذكر هتلر نفسه, فمن يهاجمك ليفنيك لا يعتبر طرفا صالحا للمفاوضات, ولا يصبح طاهرا, حتي لو كان الامر معه يتعلق بتحقيق السلام, اذ لا قيمة لالتزاماته ولا صلاحه, صالحه هو الحرب. ألم نتعلم كل هذا منذ ايام هتلر وميونيخ, ومن زمن عبد الناصر والملك حسين, لم نتعلم شيئا ولذلك نجد انفسنا فجأة محرجين امام الساعي الجديد للسلام, الذي يبدو علي هذا المقدار من البراعة في اعين الغرب ويسمي بالسادات فجأة يبدو آبا ايبان وكأنه داعية حرب والسادات كمحب للسلام.. ان الاسنان التي سيجري اقتلاعها ستكون في معظمها من فم اسرائيل, اما من فم السادات فلن يخرج سوي الكلام الجميل: الاعتراف باسرائيل وحتي ربما معاهدة او اتفاق معها, وبعد يومين او ثلاثة سيعود الملك حسين ليقطع لنا وعدا بحرية العبور الي حائط المبكي, هذا ما نستحق لاننا كنا بمنتهي الغباء. وقد جاء الفصل في قول الحاخام يوسف عوفاديا في نشرة نوعام السنوية التي يصدرها المجلس الحاخامي الاسرائيلي حول القضايا الدينية عام1968: وفقا لرأيي المتواضع, ان غضب وعدوانية جميع رؤساء وملوك العرب واتباعهم, يشبه ما جاء في الكتاب المقدس: تقبض ارواحهم فيموتون والي ترابهم يعودون.. فالمسألة ليست الا مسألة وقت, لان الامور ستجري في نهاية المطاف, وكأنه لم يكن موجودا في الاصل. وعلي هذه الشاكلة نلحظ هاهنا باختصار, انه بعد عقد اتفاقية وادي عربة بين اسرائيل والاردن, ظلت تدور بين البلدين حرب باردة, تسخن تارة وتبرد اخري حسب مقتضيات مصالح اسرائيل ومن مظاهر تلك السخونة التصريح الذي ادلي به رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق شارون بأن ملك الاردن الحالي عبد الله سيكون آخر ملوك الاردن, وهذا النسق من السخونة يشبه عن قرب ما حدث عندما ابدي خليفة شارون اولمرت خشيته علي مستقبل الاردن, في حال انسحبت القوات الامريكية من العراق وابلغ من ذلك في الدلالة علي تلك السخونة ما حدث في مؤتمر هرتسليا2010/2/3 م حين قدم شاءول موفاز والجنرال السابق بينيه آيالون طرحا عن حزب اكاديما فحواه رفض الدولة الفلسطينية واعتبار القدس والضفة الغربية ارضا اسرائيلية. واعتبار سكانها مواطنين اردنيين يسمح ببقائهم ببطاقات اقامة محددة قابلة للتجديد او الالغاء وكان اهم ما اسفر عن ذلك القرار الذي صدر اخيرا وبمقتضاه يتم طرد حوالي سبعين الف فلسطيني من الضفة الغربية الي الادرن مما يعد الخطوة الاولي في اتجاه الوطن البديل, وهذا يذكرنا بما صدر عن وايزمن وجابوتنسكي منذ تسعين عاما امضاها العرب يعالجون هذه المسألة بالذات بذهنية هروبية عاجزة عن مواجهة الذات, عاجزة عن الاعتماد علي الذات, لكنها موهوبة بالولولة وتعليق مشاكلها علي مشاجب الاخرين.