تشهد الساحة السياسية في مصر حالة من ازدواج الأقاويل وانتشار الاخبار الكاذبة الناتجة عن الفشل السياسي في إدارة الازمات والتي تعد مجالا خصبا لترويج الشائعات التي تؤدي بشكل أو بآخر الي توطين وترسيخ الانقسام بين المواطنين وبعضهم البعض او بين المواطنين والقوي السياسية المتناحرة, ويظل المواطن البسيط حائرا بين هذا وذاك مكتوف الايدي حتي انتهي به الحال الي التشكيك والخوف علي مستقبل الثورة ليتغير مسار الكلمات من يالميدان كنت فين من زمان اليخلاص آمنت بالوحلة وان الجاي مش احلي! البداية قالت الدكتورة منال زكريا استاذة علم النفس بكلية الاداب جامعة القاهرة إن حالة الاضطراب والبلبلة التي نعيشها بالاضافة الي غياب المعايير والشفافية في عرض الحقائق تعتبر بيئة خصبة لإنتشار الشائعات من ابسطها الي اعتاها حيث أن تصيد الكلمات من موضوع ما ودمجه بموضوع آخر لتكوين مضمون خبري كاذب لتحقيق هدف محدد اصبح السمة المميزة للوضع الحالي. واشارت الي مجموعة من المعايير التي يمكن تقييم حجم الاشاعات من خلالها مثل أن الشائعات تزداد في الاوساط النسائية عنها في الاوساط الذكورية بالاضافة الي تفاقمها بشكل سريع بين الاميين عنها بين الفئات المتعلمة والتي تكون علي دراية بالابعاد السياسية علي الساحة. وفي جانب وصول الشعب المصري الي حالة من الاحباط وكره الثورة وتمني عودة العهد السابق أو ما نطلق عليه الكفر بالثورة جاءت ذلك نتيجة بعد اصطدام الطموحات والامال التي بناها المواطنون عقب إسقاط النظام البائد والذي لم يتوقع اسقاطه من قبل بأرض الواقع وخاصة أن هذه الطموحات غير متفقة بشكل أو بآخر مع الاوضاع والامكانات الحالية في مصر. من جانبه قال الدكتور سمير عبدالفتاح علم نفس سياسي بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية ببنها ان الشائعات تزداد عندما يفشل الجهاز الإعلامي في توصيل المعلومات الحقيقية للمواطن العادي في وسط حالة من الغموض وعدم الاستقرار التي تخيم علي الوضع السياسي. واوضح أن ارتفاع نسبة الامية السياسية في مصر والتي تكاد تصل الي48% يسهم بشكل قوي في الترجمة الخاطئة للاحداث والتي تنتج عنها الاشاعات. وكأحد ي نتائج حالة التخبط ورواج الإشاعات والتي تناقض تماما التوقعات التي رسمها المصريون عقب قيام ثورة يناير بالقضاء علي الفساد والنهوض بالاقتصاد القومي بما يبشر بتوفير العديد من فرص العمل للشباب بالاضافة الي احلام عودة الاموال المهربة للخارج والتي توقع المواطن البسيط عودتها علي هيئة خدمات وسلع واموال وزيادة في الاجور, غياب كل هذه العوامل احدث حالة من الاحتقان الشعبي التي نتج عنها كره الثورة وكره كل من ساهم فيها وإعتبارها كبوة يصعب النهوض منها. وفي السياق ذاته آشار الدكتور عبدالحميد زيد استاذ علم الاجتماع السياسي بكلية الاداب جامعة الفيوم إلي ان السبب الرئيسي وراء انتشار الشائعات بشكل سريع هو غياب الثقة وفقد التواصل المباشر بين الأطراف المختلفة, ويمكن ان نعتبره فشلا للقوي السياسية في مصر لأ, السياسي لابد ان يقدم الدلائل علي صدق حديثه حتي يستطيع استعاده ثقة المواطن فيه في ظل حالة التخبط. وهذا الفشل السياسي تسبب في حالة الإحباط والسخط التي يعانيها المواطنون حيث انه أصبح لايري سوي انتقال سريع من السيئ إلي الاسوأ, موضحا أن مؤسسات الدولة لم تنج هي الأخري من مشكلات المراحل الانتقالية التي تعقب الثورات, كل هذه الملامح جعلت المواطن يشعر انه لا أمل في النجاة. ويري الدكتور سعيد صادق استاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية ان الأشاعة عبارة عن خبر مزدوج يحتمل الصدق أو الكذب وغير معروف مصدره حتي يصعب علي الشخص العادي التمييز بين ما هو حقيقي وبين ما هو زائف. وأضاف ان دور المواطن يمكن في محاولة الوصول إلي الحقيقة من خلال التحقق والتفكير الموضوعي عند تلقي أي معلومة بعد توثيقها من اكثر من مصدر لأننا الآن نعيش في فوضي اعلامية عارمة فعلي سبيل المثال نشر بعض الأخبار علي شبكات الانترنت وفي الوقت ذاته نشر خبر تكذيب له والتي تزيد من فرص انتشار الاشاعات. وأوضح ان الثورات تثير التوقعات دائما وعندما تخيب هذه التوقعات يصاب المواطنون بالاحباط وخاصة انه يعتقد انه سيقوم بالثورة اليوم ليحصد نتائجها وثمارها غدا. وأكد ان الشعب المصري يتبع اسلوب اللي تعرفه احسن من اللي متعرفوش, حيث ان النظام السابق استمر أكثر من30 عاما في الحكم وفترة حكم النظام الحالي لم يظهر فيها سوي عدم الاستقرار والاحباط السياسي, وبالتالي اصبح الشعب يفضل النظام السابق ويتمني عودته بإيجابياته وسلبياته. من جانب آخر يري الدكتور محمد كمال استاذ العلوم السياسية والقيادي بحزب التجمع ان لفظ السياسة يعني فن الوصول إلي حلول وسطي ترضي جميع الأطراف ونحن نعاني الآن من عدم القدرة علي التواصل أو الوصول إلي حل يرضي الأطراف, حيث أن كل طرف يعتقد انه علي حق والطرف الأخر علي باطل, وهذا يعد مجالا خصبا لترويج الشائعات واستغلال التناقضات في اختلاق الأكاذيب المختلفة. واضاف الدكتور مصطفي علوي استاذ العلوم السياسية جامعة القاهرة أن سوء الأحوال السياسية في مصر والذي أدت إلي الكفر بالثورة يرتبط بشكل وثيق بعنصر الخبرة والممارسة السياسية للدول الديمقراطية, حيث أن هناك ثلاثة أنواع تتدخل في الأمر وأهمها الحكام والتي تختفي خبرتهم السياسية في إدارة شئون البلاد, والعنصر الثاني هو المعارضة وما تتضمنه من معارضة حزبية وغير حزبية ونخبة والتي تغيب عنها أيضا الخبرة في كيفية الاعتراض في إطار ديمقراطي سليم. واشار إلي أن القوي غير الحزبية والنخب تعد أشد وأقوي تأثيرا في الوضع السياسي عن القوي الحزبية المعارضة وهذا ما لا يتفق مع العمل الديمقراطي, كما أنهم غير قادرين علي التفاعل مع الشارع المصري وليس لديهم قاعدة ثابتة به مما أدي إلي ظهور فجوة كبيرة بينهم وبين فئات المجتمع. وفي جولة ل الأهرام المسائي لاستطلاع آراء المواطنين حول ظاهرة ترويج الاشاعات والتي سمة مميزة نصف فشل الواقع السياسي في مصر والتي نتج عنها زيادة الاحتقان في الشارع المصري, حيث قال أحمد إبراهيم موظف أن ما يشهده الشارع المصري احدث حالة من الاختناق والكفر بالثورة نتيجة المشاجرات التي دائما ما تسفر عن وجود إصابات حيث أدت إلي ظهور ظاهرة الثأر بين المواطنين بعضهم البعض, مضيفا أن كل الأطراف السياسية المتناحرة تبحث فقط عن مصالحها الشخصية ولا تلقي بالا بالحد من معاناة الشعب. وأشار سامح صاحب كشك أنه لابد من قيام ثورة مناهضة تتصدي لتردي الوضع السياسي في الشارع, واستكمل قائلا: اصبحنا لا نري استقرارا في أي شيء ولا سياسيين موضوعيين ولا أصحاب رأي قادرين علي أن يجعلوا الشارع المصري معهم.