مسح الأب بيده علي رأس ولده النائم وطبع قبلة علي جبينه وهو يسحب الغطاء عليه, ثم تحرك قليلا ليكمل شد الأغطية علي شقيقاته اللائي افترشن الكرتون أسفل المراتب الموضوعة علي الأرض وبعد أن اطمأن علي أبنائه افترش الأرض بجوار بناته, وتمدد وهو ينظر إلي سقف الحجرة, وقفزت إلي ذهنه الخواطر وكلمات الجيران الذين يحسدونه علي انجابه6 بنات وولدا وتعجب في نفسه كيف يغارون منه بالرغم من فقره الشديد وعمله المتواضع منجد بلدي لا يقوي علي السكن في شقة تسع عياله ويبيت في حجرة ضيقة لا تتسع إلي أي أسرة أو موبيليا ال شد الأب علي أسنانه عندما تذكر مناداة الناس لابنه الوحيد ونعتهم له بما يسوؤه, ورغم غضبه كلما تذكر آلامه وآلام ابنه من معايرة ضعاف النفوس لهما وحسد الآخرين علي زيادة خلفته لم تتغير نفسه أو يتمني للغير أي مكروه وغلبته همومه وفقره واستسلمت عيناه للنوم. وفي الصباح أيقظ ولده واصطحبه معه إلي دكانه لمساعدته في انجاز ما كلف به من طلبات وعمل, ومر اليوم بساعاته مثل كل مرة وتشابهت الساعات والأحداث وعبارات السخرية والمزاح الذي لا يتوقف حتي حضر أحد أصدقاء المنجد ممن كانوا يتسامرون علي المقهي وبدأ يستفز المنجد وولده والقي بعبارة, كان علي أبيك أن يحسن تعليمك بدلا من المدرسة الفكرية التي أرسلك إليها استمع الشاب إلي العبارات الساخنة وامتلأ غيظا وكمدا ولم ينطق وبعد فترة زاد الرجل من سخريته ومرة أخري ابتلع الشاب الصغير ذو الخمس والعشرين عاما, الدعابات القاسية ولم يرد وعندما انصرف التفت الشاب إلي أبيه وبيدأ ملحمة اللوم المعتادة والمشاحنة مع أبيه حول عدم ارساله للتعليم الأساسي مثل باقي الشباب وإصراره علي إدخاله مدرسة التربية الفكرية في منطقة طولون, وكعادته ابتلع الأب المسكين صراخات الشاب وحزنه وأشفق عليه وعبثا حاول افهامه أنه ولده الوحيد وكل حياته وسنده في الدنيا لعدم استطاعة جلب أي من شقيقاته الطالبات إلي المحل. وأنهي كلامه بقسمه أنه لو استطاع الحاقه بالمدارس الحكومية العادية لفعل, ولكن طبيعته الخلقية وضمور عقله حال دون ذلك, وكما يحدث في كل مرة انتابت الشاب حالة الصرع والصراخات المحتقنة وتحامل جيران المنجد تلك الحيلة وساعدوه علي تهدئته وارسال من يشتري له المهدئات من أقرب صيدلية وأطلت من الجموع نظرات العطف والاشفاق علي حال المنجد المسن والدعاء له بالصبر وبشفاء الابن الشاب, الذي قليلا ما يهدأ معاناة وارزاق معدودة تكفي بالكاد العون علي المعيشة ولكن أعين الناس لا ترحم ابن مريض عقليا, ونظرات الحسد لا تهدأ, وهكذا كان يفكر الأب كعادته كلما اختلي بنفسه في دكاته وقفزت الأفكار وكلمات أهالي المنطقة علي رأسه بعد خروج ولده من المحل لشرائه بعض شطائر الفول. وعقب عودته بادره كعادته عن سبب تعليمه كما ينبغي مثل أقرانه حسن كامل المنجد المسن أن أعصاب ابنه الملتهبة قد فاضت به كعادته فتجنب نقاشاته وبدأ رحلة تهدئته كما تعود كل يوم ولكن الابن كانت ثورته كمن يحمل شحنة واجبة التفريغ, واشتدت المشاحنات بين الطرفين وفي هذه المرة ابتعد الأهالي بعد رؤيتهم الشرر يتطاير من عيني الابن المختل وانسحب كل المقتربين لفض النزاع. وفي لحظة انتصر فيها الشيطان وغامت الرؤية أمام الشاب المريض وقعت عيناه علي سكين يظهر نصله لامعا من أة في جانب العجوز الذي جحظت عيناه من الألم والاندهاش وأكمل الشاب رحلته في غياب عقل وانكب فوق جسده والده الهزيل وسط شلل الواقفين ووجومهم المقيت وتملك من رقبة الأب وقام بجزها من الخلف في خطفة من الزمن وانفجرت الدماء تجري علي الأرض تسطر جريمته التي اهتزت لها مشاعر الأهالي الذين زاد رعبهم وهم يرون الشاب يزبد من فمه ويخشون الاقتراب منه. وتجمد المشهد فترة من الوقت حتي حضر العميد مصطفي ياسين مأمون قسم الخليفة والمقدم أيمن سمير رئيس المباحث الذي أشار للجاني بهدوء والحسرة تقفز من جبينه الذي يتقطر عرقا من الحزن علي مقتل الرجل الفقير وأمسك بطرف سلاحه المتقطر بالدماء وأشار لرجاله حتي تمكنوا من تمكين رجال الاسعاف من الوصول إلي الرجل الذي فاضت روحه. تحرر محضر بالواقعة وباخطار اللواء أسامة الصغير مساعد أول الوزير الأمن القاهرة, أمر باحالته إلي النيابة التي تولت التحقيق. رابط دائم :