مصائر الدول ليست دائما بيد حكوماتها ولا شعوبها, فقد تحددها قوي خارجية كبري بصرف النظر عن رغبات مواطنيها. فبعد رفض البرلمان القبرصي حزمة الإنقاذ الأوروبية يبدو أن صراعا روسيا أوروبيا بدأت إرهاصاته حول الجزيرة المتوسطية, وبدأت معه مخاوف أوروبية من اعتزام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شراءها. صحيفة ألمانية ذكرت أن أرصدة الأثرياء الروس في الجزيرة والتي تتراوح بين ثلاثين وأربعين مليار يورو بالبنوك القبرصية كانت ستصبح المتضررالأكبرمن فرض ضرائب مرتفعة عليها لتمكين الحكومة من توفير ستة مليارات يورو اشترطها المانحون الأوروبيون لحزمة الإنقاذ التي رفضتها نيقوسيا, وأكدت الصحيفة أن تحول بوتين إلي منقذ لقبرص بمنحها المليارات الستة المطلوبة لنجاتها من الإفلاس سيحقق له فائدتين كبيرتين من لاشئ, أولاهما حقل غاز أفروديتا الواقع تحت قاع البحرأمام قبرص والمقدرة قيمته بأكثر من مائة مليار يورو, الذي يثير لعاب شركة البترول والغاز الحكومية الروسية غاز بروم. والثاني الحصول علي ميناء استراتيجي لاستيعاب الأسطول الروسي الذي تعتزم موسكو التوسع ببنائه بديلا لطرطوس السوري الذي تم إغلاقه في وجه الملاحة بسبب الحرب الأهلية التي تدور رحاها منذ أكثر من عامين وهو الأمر الذي يعد كارثة من وجهة نظرأوروبا بوجه عام وألمانيا علي وجه الخصوص. الروس يسعون لوضع يدهم علي هذا الميناء المهم بشرقي المتوسط.. وأوروبا تبدي هدوءا مصطنعا إزاء الصفقة الروسية القبرصية الوشيكة لقناعتها بعدم نجاحها إلا إذا منحت موسكو نيقوسيا المليارات الستة كمنحة لا ترد وليس قرضا. هذا ما تراه الدول الكبري التي تتقاسم مناطق النفوذ في العالم من جدوي تقديم المساعدات للدول الصغري المتعثرة ولا تعنيها مصائر شعوبها والمعاناة المحتملة التي سيتعرضون لها. أطماع القيصر الروسي تدور حول الجزيرة التي لا تري فيها إلا حقول غاز وشواطئ ممتدة لاستجمام الأوليجاركية الروسية, وميناء عسكري واستراتيجي مهم في منطقة نفوذ الناتو, والمليارات الستة تعد ثمنا زهيدا لوصولها للمنطقة إذا وضعنا في الاعتبار أن الاحتياطي المالي الروسي يتجاوز حد ال530 مليار يورو, وهي بالنسبة لأوروبا وحلف شمال الأطلنطي لا تقل أهمية ولكنها ما زالت تتحسس مساعداتها قبل تقديمها لنيقوسيا للحيلولة دون وقوعها في يد الدب الروسي. الحكومة القبرصية حائرة بين الإفلاس وتسليم الجزيرة لبوتين. ويبدو أن مصيرها لن يتحدد بعيدا عن أطماع القيصر ومخاوف القارة العجوز. [email protected] رابط دائم :