تتخذ النقود وسيلة لتقييم الأشياء، سواء كانت نقودا ورقية أو معدنية، ولهذا فإن جمهور الفقهاء يرون أن علة الربا في النقود هو ثمنيتها، أي أنها مما تقوم به سائر الأموال العقارية أو المنقولة، ومن المعروف أن قيم النقود تتأثر دوليا بعوامل عدة، منها: الميزان التجاري للدولة التي تصدرها، ومدي توازن سياستها الخارجية، واستقرار الأوضاع بها، وحجم تبادلها التجاري مع غيرها من الدول، وحركة النشاط الاقتصادي والاستثماري، ونسبة التضخم بها، فلهذه العوامل وغيرها دور مؤثر في زيادة قيمة العملة التي تصدرها دولة أو انخفاضها، خاصة بعد انفصال قيمة هذه العملة عن غطائها النقدي المحفوظ بالمؤسسات النقدية أو البنوك المركزية بالبلاد التي تصدرها، ونتيجة لانفصال القيمة لهذه العملات عن غطائها، نادي بعض المنتسبين إلي العلم باعتبار هذه العملات كعروض التجارة، بحيث تراعي فيها قيمتها السوقية التي بلغتها عند التعامل فيها، ومقتضي اعتبارها كذلك ألا تراعي المثلية بالعد عند التعامل فيها، وإنما تراعي القيمة بالغة ما بلغت، ومثال هذا: إذا اقترض المرء مبلغا من المال مقداره عشرة ملايين من عملة معينة، وعند حلول أجل الوفاء بالقرض تدنت قيمة هذه العملة بمقدار الربع مثلا، فإنه علي القول باعتبار قيم النقود دون مثلها، يجب رد قيمة هذا القرض السوقية يوم الوفاء به، لأنه الوقت الذي يجب عليه الوفاء بما اقترض، ومثل هذا يقال إذا زادت قيمة العملة يوم الوفاء عن قيمتها يوم الاقتراض، فمن اقترض مبلغا من المال له قوة شرائية تعادل 100%، فلما حل أجل الوفاء بالدين صارت القوة الشرائية لهذا المبلغ 75% فإنه وفقا للقول باعتبار قيمة النقد يكون الواجب علي المقترض رد ما يعادل 75% من أي نقد، وليس رد مثل ما اقترضه عددا من نفس العملة، والعكس بالعكس إذا زادت القوة الشرائية للعملة المقترضة عند الوفاء عما كنت عليه عند الاقتراض، ولا يخفي ما يترتب علي اعتبار القيمة علي هذا النحو من عدم استقرار المعاملات، ونشوء النزاع والشقاق بين المتعاملين في النقد أو به، فضلا عما يترتب علي اعتبار القيم في النقود دون مثلها، من الوقوع في ربا الفضل عند مبادلة نوع منها بآخر من نفس الجنس، من جهالة حال ما تصل إليه القيم السوقية للنقود وقت الوفاء بها أو بمقابلها، وكل هذا يفضي إلي محرم سد الشارع الذرائع اليه، ولهذا كان المشرع عند التعامل في العملة التابعة لبلد معين الصادرة من مؤسستها النقدية، اعتبار مثلها دون قيمتها عند المصارفة بها، أو جعلها رأس مال في عقد سلم أو شركة، أو عند إقراضها أو رد بدل القرض الذي كان منها، أو عند الوفاء بدين منها مترتب عن بيع أو ضمان متلف أو نكاح أو خلع أو صلح، أو في حال إخراج الزكاة منها، وذلك نظرا لأصل هذه النقود وهو الغطاء المعدني لها، إذ ان العملات المتخذة الان من الورق أو المعدن إذا تجردت عن غطائها المعدني من الذهب أو الفضة، لم يكن لها من قيمة بحيث تقوم بها الأموال، لأنه عند تجردها من ذلك لا تساوي إلا مقدار ما تبلغه قيمة صكها، وهي قيمة زهيدة لا تصلح أن تقوم بها سائر الأموال، ومن ثم كان الواجب اعتبار المثل نظرا لأصلها وهو الذهب والفضة، وقد أوجب الشارع مراعاة المثل فيهما لا القيمة، فقد روي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "الذهب بالذهب، والفضةبالفضة والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء."، وروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها علي بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها علي بعض"، (الشف: هو الزيادة)، حيث أمر رسول صلي الله عليه وسلم في حديث عبادة بن الصامت بمراعاة المثل عند مبادلة العملة النقدية بنوع منها. رابط دائم :