تشكل قضية الفساد تحديا خطيرا للاقتصاد وللمنظومة الاجتماعية تعيق التنمية حيث لم تتم مواجهته حتي الآن بصورة جادة فالنتائج في هذا المجال قليلة وتعتمد علي الجهود الفردية وهو أمر لا يقضي علي الفساد الذي زاد خلال الفترة الحالية مما نتج عنه أن خفضت منظمة الشفافية الدولية تصنيف مصر بنحو6 نقاط عن مؤشر العام الماضي وهو وضع نتج عن التراخي في الأمن والفوضي وغياب منظومة قانونية عادلة وعجز النظام عن السيطرة علي الأوضاع مما أدي إلي زيادة انتشار الفساد بين الطبقات الدنيا في المجتمع بعدما كان متمركزا بالأساس خلال العهد السابق في طبقات عليا. ولنتذكر أنه لا يكفي أن تكون نظيف اليد لينعدم فساد محكوميك فالفساد منظومة معقدة أحد عواملها نظافة يدك! إن منظومة التنمية ليست ببعيدة عن تفكير علمائنا ومفكرينا ولكن أغلبنا يأبي إلا أن يركن إلي الأرض ولا يبذل الجهد لتنمية الوطن فعلينا جميعا أن نشارك في وضع منظومة التنمية وتطبيقها علي الجميع بالعدل من خلال القدوة! حين تساءلت عما فعلته الحكومة لتستنهض الجميع لتتغير منظومة الوطن ولننتفض لمحاربة الفساد ولتنمية الوطن لم أجد إجابة شافية فهل لدي أحدنا إجابة؟ علي الجانب الآخر من المشهد الحالي ووسط هذه الفوضي التي نحياها ليل نهار يتساءل كثير منا عما نحن فاعلون؟ وهو سؤال يجبرك علي أن تجيب عنه لأنك أمام تحد أخلاقي يومي حين تجد الفساد يترعرع بينما يتجاذبه أمل العدل الذي انتفض الشعب من أجله. لقد قضي الفساد والظلم علي أمل العديد من شبابنا لدرجة أن تسعة عشر بالمائة من شبابنا( بنين وبنات) يرغبون في الهجرة الدائمة, طبقا لأحد التقارير الحكومية قبل عام2011 م وأعتقد أن النسبة قد زادت الآن للعديد من الأسباب منها تقلص مساحة الأمل في الغد! هذا المؤشر الذي يعكس التصور تجاه المستقبل لا يمكن إلا أن يكون جرس إنذار لمن يتصدي للتنمية وسط مشهد فساد آليات حكم النظام السابق والذي يتهاوي أفراده الواحد تلو الآخر ولكن دون أن نقضي عليه لأسباب عديدة أهمها ضعف قبضة السلطة علي مفاصل الدولة نتيجة تغلغل أفراد تلك الآليات في مختلف مؤسساتنا ونتيجة محاولة الحكومة الارتكان إلي أولوية الحرية في ثنائية العدل والحرية بدعاوي عديدة منها الحق في التظاهر والذي نتج عنه تخريب العديد من مرافق الدولة وقتل أبرياء وبلطجية علي حد سواء! إن اليد الضعيفة والمترددة في قضايا الوطن لا يمكن إلا أن تفضي إلي انهيار قيمي للمجتمع ولكنه انهيار مفاجئ لا يمكن التنبؤ بمداه أو بموعده! في ثنائية العدل والحرية يجادل العديد من الفلاسفة في ترتيبهما من حيث أنهما قيمتان إنسانيتان. في المشهد السياسي الحالي في المنطقة العربية يمكن للمرء أن يلاحظ كيف تم تفسير الحرية تفسيرا قارب تفسير الفوضي وتغافل العديدون عن حرية الفرد في مقابل حرية الآخر وحرية المجتمع وتعامل أغلبنا مع الحرية من خلال رد الفعل لما كان يحدث قبل انتفاضة شعوبنا وهو أمر يجب وضعه في إطاره الصحيح لأن تذبذبات الفكر عندما تتعلق بمسيرة الأوطان أمر يؤدي إلي فترات عدم استقرار طويلة ولنا في الثورة الفرنسية مثال لذلك. العجيب في الأمر أن هذا النهج الفرنسي أضحي مبررا للبعض لتبرير حالة الفوضي التي نحياها. تلك الحالة تشكل أحد أركان الفوضي غير الخلاقة التي يروج البعض لها سرا من خلال تغذية وضع عدم الاستقرار وعلانية من خلال الدعوة لإسقاط مؤسسات الدولة. وفي المقابل نجد أن مفهوم العدل لم يأخذ الاستحقاق الكافي من التفاعل المجتمعي وباتت الأنانية هي سمة تعامل تجار الحروب( الفوضي) الجدد مع الوضع المجتمعي وانقطع حبل العدل المرتبط بالماضي بدعاوي عديدة لا تبرر إلا الظلم المجتمعي. لقد ضاع العدل في ظل قوانين تبرر الظلم تشع من جوانبها الاستثناءات ويمكن للمتخصصين أن يبرروا من خلالها الفعل ونقيضه وبالقانون! العدل المطلق وليس عدل أثينا الذي نتباهي به علي الأمم قاطبة هو طريقنا للتنمية, ولكننا آثرنا أن نستبدل الطبقة التي تضخمت سلطاتها ماديا ونفوذا بسكان أثينا فهل هذا عدل؟ هذا الموقف الحالي الذي يتكشف فيه باستمرار فساد العديد من الأفراد والمؤسسات يسير ببطء يتمكن فيه الفاسدون من ترتيب أوضاعهم طبقا لقوانين وضعوها ليتجنبوا شبهة الموقف الحالي الذي نظن فيه أن استرداد الفتات من أموال الشعب المنهوبة أمر عادل بينما هو الظلم بعينه, فعلي سبيل المثال ما يحدث من هدم وبناء وتعلية للعمارات ومن تجريف للأراضي الزراعية يجعل الملتزم في موقف أخلاقي صعب ففرص النهب المقنن بالفساد متاحة ولكن البعض ينأي بنفسه عنها التزاما بقيم أصيلة لشعبنا ولكنه موقف صعب يجعل الفرد في صراع نفسي لأن الملتزم في نظر البعض مغفل, لأن كل ما يتم نهبه قانوني ولأننا لا نكافئ الملتزم بثوابت الوطن والعدل والأخلاق القويمة بل غالبا ما ننأي بأنفسنا عنه ونضعه في اختبار تلو الآخر بغية انهيار مقاومته يوما ما والشواهد علي ذلك عديدة حيث ترتفع وتيرة العنف في الشارع ويرتفع معها سقف المطالب الفئوية المادية وغيرها! وعلي نفس الخط غير المنضبط نجد أن من ضحي بحياته من رجال الشرطة أو الجيش دفاعا عن المنشآت أو حماية للأرواح لا ينال التكريم الذي يستحقه أدبيا قبل أن يكون ماديا في تحد سافر لآليات بناء الأوطان! رابط دائم :