إنقاذ وضمير وحرية وعدالة.. إصلاح وتنمية ونور وأصالة.... تكافل وتجمع ومصريين أحرار.. فكيف يتصور أن يكون ذلك المجتمع الذي يضم العديد من الأحزاب ذات الأسماء والشعارات الرنانة سوي أن يكون أفضل مجتمع علي الإطلاق ؟!.. ولكن أكد عددا من خبراء السياسة أنه رغم الجهود التي تبذلها بعض الأحزاب إلا أن الواقع يتحدث عن حاله, فمازال المجتمع المصري يفتقد كافةجميع سبل الإنقاذ ومعايير الحرية الحقيقية التي لا تجور علي حقوق الآخرين, في ظل الابتعاد عن الوسطية والميل إلي التشدد الفكري والتعصب بالرأي, فضلا عن انعدام الضمير وعدم وجود رؤية للإصلاح والنهوض بالمجتمع حتي بات الظلام يخيم علي المشهد بكل تفاصيله!!.. في البداية يقول دكتور عثمان محمد عثمان رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة6 أكتوبر إن فك القيود وتسهيل إجراءات إنشاء أحزاب جديدة عقب ثورة25 يناير سمح بظهور عشرات الأحزاب علي الساحة السياسية, والتي تمر بمرحلة الإعداد والتنظيم من أجل الحصول علي شرعية العمل الحزبي من خلال التقدم بأسماء براقة لجذب عدد أكبر من الجماهير, فضلا عن تبني برامج تحمل الكثير من الوعود بتحقيق أحلام المصريين وطموحاتهم. وأضاف: ولا تلبث أن تأتي مرحلة العمل ليفاجيء الجميع بالفجوه الكبيرة بين كلام الحزب وتحركاته علي أرض الواقع والتي كانت تأمل الجماهير أن تقترب من تطلعاتهم ورغباتهم وأرجع دكتورعثمان سبب إخفاق الأحزاب في تحقيق أهدافها بالشكل المخطط له إلي عدم تمتع الشعب المصري بالثقافة السياسية والقدرة علي إدراك أهمية دور الأحزاب وما يجب أن تقدمه من خدمات للمواطنين, فضلا عن عدم قدرة الأحزاب علي التعامل مع المشكلات الجماهيرية, والتي قد تكون بعض أسباب ممارسة الديمقراطية الحقيقة لأول مرة بعد الثورة. وفي السياق ذاته قالت الدكتورة عواطف أبو شادي أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية إن الأداء الحزبي في مصر فاشل بكل ما تحمله الكلمة من معني, وذلك علي المستوي السياسي و الاقتصادي والاجتماعي, وعلي صعيد قدرة الحزب علي كسب أرضية أكبر في الشارع المصري. وأضافت أن غالبية الأحزاب تفتقد الآليات الجماهيرية لخدمة الشعب, فهي تنشأ من أجل كسب مزيد من الشهرة والظهور الاجتماعي والسياسي, قائلة: لا يزال الإتجار بالوطن علي قائمة العديد من الأحزاب السياسية. وأشارت أبو شادي إلي أن كثرة الأحزاب ليس مقياسا لمدي فاعليتها علي أرض الواقع, وذلك بالنظر إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية التي يظهر فيها حزبا الديمقراطي والجمهوري, اللذان لهم من الوجود والفاعلية ما ينتج عنه أثر علي أرض الواقع وتحقيق نتائج تمس المواطنين, في إطار السعي نحو إعلاء المصلحة العليا للوطن دون النظر إلي المصالح الشخصية. وفي هذا الصدد يري دكتور عاطف سالم- أستاذ قانون دستوري بجامعة عين شمس- أننا لا نملك أحزابا سياسية, لافتا إلي أن الحديث عن الوجود الحزبي في مصر مجرد أكذوبة أوهمنا بها أنفسنا, لأن الأحزاب السياسية يلزمها بعض المقومات القانونية والواقعية لتعزيز استمراريتها وضمان تحقيق أهدافها, والتي لم تتوفر في أي من الأحزاب في الوقت الحالي. وأضاف أن المقومات الأساسة التي يجب أن يتمتع بها أي حزب تتمثل في السعي نحو الوصول إلي السلطة بطرق ديمقراطية مشروعة وهي الاستحواذ علي أغلبية أصوات الناخبين, والذي لن يتأتي سوي بتأسيس قاعدة جماهيرية يستند إليها في تحقيق أهدافه, من خلال الاقتراب من مشكلات الطبقة العريضة من المجتمع المصري, فضلا عن ضرورة عمل نوع من التنشئة والتفقه السياسي, لافتا إلي أن جميع الأحزاب تفتقد لهذه المعايير باستثناء حزبي الحرية والعدالة والنور حيث يمثلان أكبر الأحزاب السياسية. وأشار سالم إلي الأبعاد التاريخية التي أدت إلي إضعاف العمل الحزبي, بداية من ثورة23 يوليو عام1952 وتعمد مجلس قيادة الثورة تشويه صورة الأحزاب والتأكيد علي أنها سبب الخراب, مما أدي إلي وأد قدرة الأحزاب علي التأثير علي أرض الواقع. وأضاف أن الأحزاب في مصر تعاني نقص الإمكانات المادية مما يؤدي إلي تحللها بمرور الوقت, كما أن اعتماد الأحزاب علي أشخاص بعينها يعرض الحزب للإنهيار في أي وقت, علي عكس الأنظمة المتبعة في الدول المتقدمة والتي تعد ممارسات الأحزاب هي الأساس الذي أن يعلو بالقيادات وليس العكس. وعن كيفية تفعيل دور الأحزاب السياسية, أكد ضرورة إنشاء هيئة لمراقبة مصادر تمويل الأحزاب وتقييم آدائها من حيث مدي قدرتها علي تحقيق النتائج والأهداف التي أسست من أجلها ومدي قدرتها علي كسب مزيد من التأييد الشعبي بمرور الوقت, علي أن يتم تنبيه الحزب المتعثر ومنحه فرصة لإعادة ترتيب أوراقه وبذل مزيد من الجهد وإلا يتم حذفه من قائمة الأحزاب. وأكد علي ضرورة إعادة العمل السياسي للجامعات المصرية, لأنها تضم طبقة عريضة من الطلاب المثقفين, يمتلكون القدرة علي المشاركة في العمل الحزبي, مع إضافة مادة للتوعية السياسية في المدارس وكيفية ممارسة العمل الديمقراطي والحزبي وأسس الانتخابات. وللأحزاب رأي آخر.. من جانبه يقول دكتور ياسر حسان عضو بجبهة الإنقاذ الوطني- إن الجبهة اتخذت من الإنقاذ مسمي لها للتعبير عن سعيها لإنقاذ مصر من حالة الفوضي السياسية التي باتت تعيشها لتحقيق الاستقرار السياسي, والذي لن يتأتي سوي بتفعيل حوار وطني جاد, لافتا إلي أن الجبهة تبذل جهودها في سبيل تحقيق هذا الهدف حيث تم عقد جلسات للحوار ضمت عمرو موسي والدكتور سعد الكتاتني والدكتور السيد البدوي رئيس حزب الوفد. وأشار إلي تفعيل بعض المبادرات مثل المبادرة التي تضم جبهة الإنقاذ وحزب الحرية والعدالة, بالإضافة إلي وساطة حزب النور لتفعيل حوار وطني بين مؤسسة الرئاسة وجبهة الإنقاذ. وأكد عصام الشريف المنسق العام للجبهة الحرة للتغيير السلمي- أن الجبهة تهدف إلي تغيير واقع المصريين من الناحية السياسيه والاجتماعية والاقتصادية, من خلال المساهمة في التظاهرات السلمية احتجاجا علي البطالة ورفع الأسعار قبل الثورة, بالإضافة إلي مشاركتها في عملية الرقابة علي الانتخابات لضمان نزاهتها بعد الثورة, من خلال رصد حالات التزوير, فضلا عن رصد وقائع القبض علي النشطاء السياسيين. وأوضح عادل عبد المقصود رئيس حزب الأصالة- إن الحزب يهدف بالأساس إلي ترسيخ بعض القيم كالتمسك بالأصول والهوية العربية الإسلامية للمجتمع, من خلال نشر هذه القيم عبر المؤتمرات وكتابة المقالات, مشيرا إلي أن الحزب استطاع المساهمة في الضغط علي الجمعية التأسيسية للدستور لإضافة المادة رقم219 من الدستور والتي جاءت مفسرة لمبادئ الشريعة الإسلامية رغم رفض الكثيرين لها. وأكد يسري حماد نائب رئيس حزب الوطن- أن الغرض من تأسيس هذا الحزب هو تجميع كل المصريين بمختلف انتماءاتهم الحزبية لتقديم مختلف الأفكار التنموية علي المستوي السياسي والاقتصادي والاجتماعي للعمل من أجل بناء وطن قوي والحفاظ علي مقدرات هذا البلد. وأضاف أن تحقيق هدف الحزب وتطبيق الافكار علي أرض الواقع يتطلب تضافر جهود المصريين كما أنه يتطلب مدة زمنية لا تقل عن10 سنوات نظرا للأوضاع المذرية التي تعيشها البلاد في الوقت الراهن. وفي السياق ذاته قال المستشار وليد شرابي عضو بجبهة الضمير الوطني إن غياب الضمير أصبح يسيطر علي العديد من السلوكيات داخل المجتمع المصر يوالتي ظهرت جلية في وقائع العنف والتخريب المتعمد أساءت للثورة, ومن هذا المنطلق تم إنشاء جبهة الضمير بهدف الخروج من دائرة الخلاف والاحتقان السياسي وصولا إلي مفهوم حب الوطن وتحكيم الضمائر في سلوكياتنا اليومية. وأضاف أن الجبهة تتبني مشروع الحلم المصري لفتح الباب أمام الأفكار النهضوية وأطروحات المشروعات البناءة في شتي المجالات حتي شهر مارس المقبل, ثم صياغة هذه الأفكار في شكل قابل للتنفيذ علي أرض الواقع ثم طرحها علي الجهات المختصة. و من ناحية اخري اجمع عدد كبير من المواطنين علي أن الأحزاب السياسية خيبت آمالهم بعد أن انشغلت بالصراعات السياسية عن آلام المواطنين, بل واتخذت من القوي الشعبية مجرد سبيل لجلب نسبة أكبر من الأصوات لتحقيق مصالحها الخاصة فتقول سحر شعبان مرزوق- أستاذة جامعية- أن الأحزاب السياسية ليس لها أثرا علي أرض الواقع, كما أنها لا تنفذ ما تعدنا به من وعود براقة, بالإضافة إلي أنها تتصارع فيما بينها وتهدف بالأساس إلي تحقيق مصالحها الشخصية والوصول إلي السلطة دون النظر للصالح العام. وتري أن المسميات الجديدة للأحزاب السياسية لم تقدم ما يعبر عنها, بل كل ما يحدث هو مجرد تغيير في الوجوه والأسماء فقط, ولا فرق بين حزب جديد وحزب قديم, فالقاعدة واحدة وهي تحقيق المصالح الشخصية لها ولأتباعها. وأضافت شعبان أن القنوات الإعلامية التابعة للأحزاب من صحف وقنوات فضائية يتم توظيفها بشكل خاطئ, ولا تعبر عن رؤية فعالة للحزب للنهوض بأوضاع البلاد, فهي تنشأ من أجل الشهرة والظهور الإعلامي فحسب, واصفة تعدد الأحزاب في الساحة السياسية بتعدد الأغاني التي لا تهدف سوي للتأثير علي أسماع الجماهير. واتفق معها عصام إمام بائع جائل بمنطقة وسط البلد-, قائلا: أن المصلحة العليا للبلاد هي آخر ما تتطلع له الأحزاب, مشيرا إلي أن صراعات السلطة في الساحة السياسية بمثابة عرض مستمر, كما أن التحالفات الحزبية تتم في إطار مصالحها الشخصية أيضا. وأوضح أن التعرف علي الأحزاب السياسية الحالية وبرامجها وخططها أمر لا يثير اهتمامه, لأن تلك الأحزاب ليس لها وجود أو قيمة حقيقية لدي المواطنين مما لا يستدعي بذل الوقت والجهد للتعرف عليها. ودعا الأحزاب السياسية إلي تقديم بعض التنازلات من أجل مصلحة الوطن, وخاصة الأحزاب المعارضة التي تثير الشغب وتهول من قدر الأحداث, موضحا أن استمرار تلك الصراعات والنزاعات ستدخل مصر في نفق مظلم. وفي هذا السياق قال أحمد عبد الحميد- عامل باحدي الشركات الخاصة-, إن الأحزاب السياسية تحرص علي ترويج شعاراتها وإدعاءاتها الزائفة, وتتجاهل تنفيذ خططها ومشروعاتها التي وعدت بها للمواطن المصري البسيط والقيام بدور الوسيط, كما أنها لا تقوم بدور الوسيط لتوصيل رسالة المواطنين للمسئولين في إطار الحد من معاناته اليومية, مطالبا الأحزاب السياسية بالوقوف والتضامن مع المواطنين لتفادي وقوع مصر في دائرة الهلاك.