فضيحة لحوم الخيول التي اختلطت بلحوم البقر في أوروبا أثارت في نفسي مشاعر متضاربة, فالقارة العجوز وقفت بحزم للبحث والتحقيق فيما اعتبرته جريمة غش تجاري كبري, ومازالت تتتبع خيوطها للكشف عن المتورطين فيها لمحاسبتهم, وربما لمحاكمتهم علي غشهم للمستهلك الأوروبي المحظوظ, رغم أن نسبة من الأوروبيين تقبل علي استهلاك لحوم الخيل من دون أي غضاضة, وتجد لدي محال الجزارة مجالا واسعا للاختيار بين اللحم البقري والضأن والخيل والخنزير. فالأوروبيون لا يحرمون أكل لحوم الخيل, ولكنهم يعترضون من حيث المبدأ علي تقديمه لهم علي أنه لحم بقري, هم يعترضون علي الغش, علي إجبار من لا يأكلونه علي أكله بطريق التدليس, هذا كل ما في الموضوع. ذكرتني الفضيحة الأوروبية بفضائح مماثلة وقعت في مصرنا علي فترات وبصورة متكررة عندما كان أحد مفتشي التموين يكشف مصادفة جزارين يبيعون لحوم الحمير لزبائنهم علي أنها كندوز فاخر, فيغلق المحل لفترة ويدفع الغرامة المطلوبة وقد يعود أدراجه لبيع لحوم الحمير مرة أخري.. جريا وراء المكسب الحرام. ولا أزال أذكر واقعة الكشف عن جزارين معدومي الضمائركانوا يجمعون الحمير والكلاب النافقة من مقالب القمامة ومن تحت الكباري ويقومون بسلخها وفرمها ليقدموها بأسعار رخيصة جدا لبعض المطاعم.. ومرت الواقعة بسلام بعد أن أخذت وقتها وحظها من التنكيت والسخرية من الواقع المر الذي عشناه علي مدي سنوات ولم يتخذ أي إجراء رادع مع مرتكبيها, ولا أزال أذكر أن مياه الشرب اختلطت بمياه الصرف الصحي بسبب تهالك الشبكات في أحياء كثيرة ولم يتحرك مسئول من مكانه. سمعنا وقرأنا الكثير عن مزارع سمكية مخالفة لكل الشروط الصحية وخضراوات تروي بمياه الصرف الزراعي والصحي, ومزارع دواجن تحقن بهرمونات خطيرة, ورأينا نتائج كل هذه المخالفات في آلاف المرضي بالفشل الكلوي والكبدي ولم نعتبر ذلك فضيحة ولا حاولنا علاجه. ليتنا نعتبر من تجارب الآخرين في مكافحة الفساد وخراب الذمم ونقتفي أثر الأوروبيين في مواجهة المشكلات بواقعية وبطريقة علمية لمحاصرتها وحلها بدلا من الاكتفاء بالتنكيت والسخرية.. فما يجري في مجتمعنا جرائم في حق أنفسنا وفي حق الأجيال القادمة لن يغفرها لنا الله حتي لو سامحنا أبناؤنا.