الجميع يتحدث عن الأزمة في مصر وماذا حدث للمصريين بعد الثورة من طاقة عظيمة مملوءة بالأمل والتفاؤل بالمستقبل إلي إحباط ويأس وتشاؤم وخوف وقلق من القادم مع كل هذا العنف من قتل وتعذيب وحرق وخطف وتحرش وسباب وتخوين وتكفير وانعدام الثقة بين مكونات المجتمع مما أدي إلي هجرة الكثير الي الخارج ورغبة الآخرين في البحث عن مكان آمن ومستقر في أي بقعة من بقاع العالم. لقد أرجع المحللون ذلك الي فشل النخبة سلطة ومعارضة في التوافق والتحاور وإيجاد رؤية موحدة للخروج بمصر من عنق الزجاجة الي آفاق رحبة وخرج الي السطح سيل من المبادرات السياسية من كل حدب وصوب تتكلم عن حلول وتفاصيل يقبلها هذا ويرفضها ذاك ولكني أحاول أن استلهم الحل الحقيقي عند سيدي محمد صلي الله عليه وسلم. لقد كان حال المدينة قبل وصول النبي صلي الله عليه وسلم اسوأ بكثير من حال مصر الآن فكانت هناك حرب أهلية بين الأوس والخزرج لعقود طويلة استعصت علي الحل خلفت وراءها أحقادا ومرارات أسهمت في عدم الاستقرار وتقويض بنية المجتمع وكانت المدينة بلد متعدد الأعراق والديانات والثقافات من مسلمين ويهود ومسيحيين وكفار ومنافقين بالإضافة إلي مشاكل اجتماعية واقتصادية وثقافية جديدة نتيجة للهجرة المتزايدة من خارج المدينة والي رفض شرائح من المجتمع لحكم الرسول لأسباب دينية وسياسية جعلتهم يدبرون مؤامرات لإسقاط النبي وحكمه بشتي الطرق بدءا من الاغتيال المادي والمعنوي الي التحالف مع الأعداء من الخارج وتدعم هذه المؤامرات ماكينة إعلامية جبارة بمقاييس هذا الزمن تنشر الأكاذيب والشائعات عن حياة النبي العامة والخاصة أضف إلي كل ذلك اقتصاد منهار بالكامل مع غياب تام لمؤسسات الدولة ليس هناك شرطة ولا جيش ولا تموين ولا صحة.. الخ. أعتقد أن كل هذه التحديات كفيلة لإفشال أي حاكم وسيعذره شعبه ولكن كيف كانت عبقرية محمد الرئيس والسياسي والقائد في حل هذه المشاكل بشكل جذري وكيف أسس بشكل علمي في بنائه دولة حديثة ومستقرة. لقد كان( الرئيس محمد صلي الله عليه وسلم) يملك رؤية ثاقبة ومشروع نهضة كبيرا واستراتيجية ناجعة وخطط عمل مرنة وفريقا من المستشارين الأكفاء وليسوا أهل الثقة فبدأ أولا بإنهاء الاحتقان والاستقطاب بين الفرقاء في المجتمع فعقد صلحا بين الأوس والخزرج ثم تلاه بمبادرة الإخاء بين المهاجرين والأنصار أشاعت روح الود والمحبة ورسخت السلام الاجتماعي ثم اتخذ أهم قرار وهو( الدستور أولا) أرسيت المباديء بتوافق تام من كل أطياف المجتمع وليس بالأغلبية وجاءت مواده لتحمل قيما عليا. لم تر البشرية لها مثيلا من قبل مثل الحرية والمساواة والمواطنة( وثيقة المدينة) ولقد كان تعامله مع المنافقين والمتآمرين قمة في الرقي والتسامح فما بالكم بالمعارضين وأصحاب الرأي لقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يستخدم التسامح ويستعمله حتي مع المنافقين الذين يعرف أنهم كذلك, ومع أنهم يمثلون أعداء الداخل فلقد عفا عن ابن سلول مرارا, وزاره لما مرض, وصلي عليه لما مات, ونزل علي قبره, وألبسه قميصه, وهذا الرجل هو الذي آذي رسول الله صلي الله عليه وسلم في عرضه يوم حادثة الإفك, كان يستطيع باعتباره( الرئيس) ان يهدد ويتوعد ويستخدم سلطته في قتل أو اعتقال او سحل المتآمر الواضح ضده وضد الدولة ولكن حكمته وحسن إدارته للأزمات خصوصا في الظروف الاستثنائية التي تمر بالدولة( الرخوة الوليدة) جعله يستخدم بما يعرف الآن بالذكاء العاطفي ويفوت الفرصة علي المتربصين بسقوط النظام والدولة, وان التأمل في هذه التجربة الفريدة والرائدة لهو خير طوق نجاة لما تمر به مصر الآن المشكلة الجوهرية ليست في الدستور أو الانتخابات أو نظام الحكم هي ببساطة فقدان الثقة التامة بين فئات كبيرة من الشعب المصري والتيار الإسلامي بشكل عام والإخوان المسلمين بشكل خاص. إن أهم ما تحتاجه مصر الآن مع المبادرات والأفكار السياسي المطروحة والتي لا غني عنها هي مبادرة مصالحة ومصارحة شاملة بين الجميع بلا استثناء تؤسس بعودة الثقة المفقودة واسترجاع روح الميدان مرة أخري يعقبه توافق علي شروط وقواعد عادلة يكون الصندوق فيها هو الفيصل ومن وحي خلق وسماحة الرسول ادعو التيار الإسلامي الي مبادرة إنسانية لبنائه الثقة مرة أخري بين جميع المصريين وآن الآوان أن يري المصريون الوجه الجميل والسمح للإسلام بعد التصرفات والأخطاء الكارثية التي أضرت بالمشروع ونالت من حب ومصداقية الإسلاميين لدي الناس ويثبتون انهم ليسوا طلاب دنيا وسلطة وإنما دعاة خير ومحبة وسلام.