التفسير (الظلال لسيد قطب مختصرا): تتجاوب أرجاء الوجود بهذا الثناء الفريد علي النبي الكريم، ويثبت هذا الثناء العلوي في صميم الوجود! ويعجز كل قلم، ويعجز كل تصور، عن وصف قيمة هذه الكلمة العظيمة من رب الوجود، وهي شهادة من الله، في ميزان الله، لعبدالله، يقول له فيها: "وإنك لعلي خلق عظيم". ومدلول الخلق العظيم هو ما هو عند الله مما لا يبلغ إلي إدراك مداه أحد من العالمين! ولقد رويت عن عظمة خلقه في السيرة، وعلي لسان أصحابه روايات منوعة كثيرة. وكان واقع سيرته أعظم شهادة من كل ما روي عنه. ولكن هذه الكل إنه محمد وحده هو الذي يرقي إلي هذا الأفق من العظمة. إنه محمد وحده هو الذي يبلغ قمة الكمال الإنساني المجانس لنفخة الله في الكيان الإنساني، إنه محمد وحده هو الذي يكافيء هذه الرسالة الكونية العالمية الإنسانية، حتي لتتمثل في شخصه حية، تمشي علي الأرض في إهاب إنسان. إنه محمد وحده الذي علم الله منه أنه أهل لهذا المقام، والله أعلم حيث يجعل رسالته وأعلن في هذه أنه علي خلق عظيم، وأعلن في الأخري أنه جل شأنه وتقدست ذاته وصفاته، يصلي عليه هو وملائكته "إن الله وملائكته يصلون علي النبي" وهو جل شأنه وحده القادر علي أن يهب عبدا من عباده ذلك الفضل العظيم. والرسول الكريم يقول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" فيلخص رسالته في هذا الهدف النبيل، وتتوارد أحاديثه تتري في الحض علي كل خلق كريم، وتقوم سيرته الشخصيةمثالا حيا وصفحة نقية، وصورة رفيعة، تستحق من الله أن يقول عنها في كتابه الخالد: "وإنك لعلي خلق عظيم". فيمجد بهذا الثناء نبيه صلي الله عليه وسلم كما يمجد به العنصر الأخلاقي في منهجه الذي جاء به هذا النبي الكريم، ويشد به الأرض إلي السماء، ويعلق به قلوب الراغبين إليه سبحانه وهو يدلهم علي ما يحب ويرضي من الخلق القويم. قال الإمام ابن كثير عند تفسيره، لهذه الآية ما ملخصه: قال قتادة: ذكر لنا أن سعد بن هشام سأل السيدة عائشة عن معني هذه الآية فقالت: ألست تقرأ القرآن؟ قال: بلي. قالت: فإن خلق رسول الله صلي الله عليه وسلم كان القرآن.