تمر مصر الآن بمرحلة حرجة, حيث سببتها الشائعات التي بدأ يتم إطلاقها عقب ثورة يناير, فتارة نسمع عن اندلاع ثورة جياع خاصة في ظل حالة الفوضي ووقف الإنتاج.. وتارة نسمع عن إفلاس البلاد.. من هنا توجهنا إلي الخبير الغذائي الذي أفني حياته في دراسات واستنباط سلالات جديدة من القمح, وهو الدكتور عبدالسلام جمعة, نقيب الزراعيين, والملقب ب أبو القمح لكشف الستار عن حقيقة الوضع القائم وكيفية تحقيق الاكتفاء الذاتي من محصول القمح, باعتباره محصولا استراتيجيا لا غني عنه, حيث أكد استبعاد حدوث أزمة في القمح الذي يكفي مخزونه6 أشهر أخري.. وإلي نص الحوار: ** في البداية ما رؤيتك للأوضاع التي تمر بها البلاد من حالة جدل وتخبط سياسي؟ * لاشك أن الأوضاع مؤسفة للغاية, لأننا أسأنا استخدام الحرية التي منحتنا إياها ثورة25 يناير المجيدة بعد القضاء علي نظام أفسد الحياة السياسية برمتها واختزلنا مفهوم الديمقراطية في التظاهرات والوقفات الاحتجاجية, متناسين عدم جواز المطالبة بالحقوق قبل أداء ما علينا من واجبات تجاه هذا البلد, مما أدي إلي انتشار الفوضي والسلبية في كل شيء. ** وبما تبرر هذه الفوضي؟ * السبب واضح.. هم القلة التي لم تكن ترغب في وصول جماعة الإخوان المسلمين إلي سدة الحكم فلجأوا إلي ترويج الشائعات التي أرهبت فئة عريضة من المجتمع المصري من النظام الإسلامي, وهو ما أدي إلي إيجاد حالة من التشويش واختلاف الآراء تسببت في حالة التخبط التي نشهدها الآن. ** خصص الدستور الجديد المادتين15 و16 للزراعة.. فهل تكفيان لضمان مستقبل أفضل للزراعة في مصر؟ * الدستور جيد إلي حد كبير, لكن كنت أتمني إضافة مادة تنص صراحة علي اعتبار جميع الأراضي الزراعية القديمة محمية طبيعية, بحيث لا يجوز الاعتداء عليها تحت أي ظرف, نظرا لأننا نهدر ما بين30 و40 ألف فدان سنويا من الأراضي الزراعية الخصبة بسبب تلك التعديات, وهو أمر غاية في الخطورة, لأن أراضينا من أخصب الأراضي في القارة الإفريقية التي تكونت عبر ملايين السنين لاحتوائها علي معادن تحتفظ بالمياه, مما يجعلها تتحمل العطش لمدد طويلة تصل إلي60 يوما, فضلا عن إمكان زراعتها أكثر من مرة خلال العام.. فهي بمثابة مصانع للغذاء لابد من حمايتها. ** هل تقترحون هذه المادة علي مجلس الشعب المقبل؟ * بالتأكيد.. وقد تمنيت أن أكون عضوا بالجمعية التأسيسية لوضع الدستور, لكن لم يحالفني الحظ, حيث تقدمت24 نقابة للقرعة, فلم يتم اختيار سوي8 نقابات فقط, أبرزها الصيادلة والأطباء والمهندسين. ** وماذا عن المشكلات التي يعاني منها الفلاح المصري؟ * الفلاح لا يعنيه سوي توفير مستلزمات الإنتاج بأسعار منخفضة, لأن أسعار التقاوي والسماد مرتفعة للغاية, كما أن نسبة الدعم ضئيلة مما يثقل كاهل الفلاح, وللخروج من تلك الأزمة لابد من السماح للفلاح ببيع المحصول بسعر مجز دون الارتباط بالسعر العالمي بحيث يغطي تكاليف الإنتاج من تحقيق نسبة من الربح لمالك الأرض, وهو ما سيسهم في تحفيز الفلاح وزيادة الإنتاج إلي حد كبير. ** وهل منح الدستور الفلاح حقه؟ * نعم, حق الفلاح مكفول في الدستور الذي ينص علي توفير مستلزمات الإنتاج للفلاح, بالإضافة إلي حق العمال والفلاحين في التمثيل في مجلس الشعب بنسبة50%, وهو ما يضمن تعديل القوانين فيما بعد بما يحقق مصلحة الفلاحين. ** البعض نادي بإقصاء بعض فئات المجتمع البسيطة مثل الفلاحين من التصويت في الاستفتاء علي الدستور.. ما تعليقك؟ * هذا أمر مرفوض.. فلا يجوز تجاهل هذا العنصر الفاعل في المجتمع, كما أنه ليس ذنبه أنه لم يتلق التعليم المناسب بسبب تقصير الدولة في حقه, وعلي الرغم من هذا فلدي الفلاح من الخبرات ما يتوافر لدي الكثير من المتعلمين لتجاربه الحياتية وطبيعة عمله التي تحتاج الي قدر كبير من الصبر والتحمل. ** وهل توافق علي سياسة الدعم التي تنتهجها الدولة فيما يخص رغيف الخبز؟ * الدعم هو أساس المشكلات لأنه يساء استخدامه علي جميع المستويات فوجود أكثر من سعر للسلعة الواحدة يوجد مافيا السوق السوداء وسياسة الاحتكار, لذا يجب علي الدولة مراجعة سياساتها بتوحيد أسعار جميع السلع في السوق, وفيما يخص السلع المراد تدعيمها مثل رغيف الخبز فيمكن شراؤه بالسعر المعلن ثم اعادة بيعه للفقراء بسعر مخفض. ** تواجه زراعة القمح في مصر العديد من المعوقات.. فما أهمها من وجهة نظرك؟ * قلة المساحة تمثل العائق الأساسي للتوسع في زراعة القمح في مصر بنسبة تحقق الاكتفاء الذاتي منه حيث نحتاج الي5 ملايين فدان لزراعة15 مليون طن سنويا من القمح, لكن اجمالي مساحة الأرض الزراعية في مصر حاليا8.4 مليون فدان يتم تخصيص مليوني فدان منها للخضراوات والفاكهة علي أن يتبقي6.4 مليون فدان تتم زراعتها بنظام الدورة الثنائية أو الثلاثية للحفاظ علي خصوبة التربة لنصل في النهاية الي زراعة ما بين2.2 مليون الي2.7 مليون فدان من القمح فقط. ** ولماذا لم يتم استصلاح المزيد من الأراضي طبقا للخطة العشرينية من1997 الي2017 التي تستهدف استصلاح3.4 مليون فدان؟ * كانت هذه الخطة تستهدف زيادة مساحة القمح بأكثر من مليون فدان علي أن تصبح المساحة المزروعة منه نحو4.2 مليون فدان, مما يقربنا الي تحقيق الاكتفاء الذاتي الي حد كبير إلا أن الدولة توقفت عن استصلاح المزيد من الأراضي علي الرغم أيضا من وعود الرئيس المخلوع التي جاءت في برنامجه الانتخابي لاستصلاح مليون فدان لكنه كان كلاما مرسلا لم يتم تنفيذه. ** تعد الألغام التي خلفتها الحرب العالمية الثانية والحروب المصرية الإسرائيلية عائقا كبير أمام استصلاح مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة في منطقة الساحل الشمالي وسيناء.. فلماذا لم يتم تطهيرها حتي الآن؟ * أنا لا أهتم بإزالة الألغام بهذه المناطق نظرا لوجود مساحات قبل وبعد الألغام يمكن استصلاحها وزراعة مليون طن من القمح بها. وقد تقدمت بمشروع عام1970 لاستصلاح هذه الأراضي وزراعتها بمحصول القمح نظرا لاعتمادها علي مياه الأمطار بالاضافة الي الري التكميلي, لكن تم تجاهل هذا المشروع لقلة الموارد وتباطؤ وزارتي الزراعة والأشغال. ** هل هناك أزمة في مخزون القمح حاليا؟ * لا توجد أزمة في مخزون القمح علي الإطلاق فما لدينا يكفينا لمدة6 أشهر, ولا صحة للشائعات التي يتم ترويجها بوجود أزمة في رغيف الخبز, كما أننا تنتهج استراتيجية جديدة تكفينا ذل الفقر تتمثل في الاعتماد علي مجموعة محاصيل الحبوب مجتمعة بدلا من تركيز اعتمادنا الأساسي علي محصول القمح فحسب, والمحاصيل الأخري هي القمح والشعير وتتم زراعتها شتاء والذرة سواء البيضاء أو الصفراء والذرة الرفيعة والأرز وتتم زراعتهما صيفا, وبموجب هذه الاستراتيجية يتم التنويع بين المحاصيل علي مدار العام, علاوة علي قيام الدولة ببناء50 صومعة حاليا لضمان التخزين الآمن للمخزون الاستراتيجي. ** إذن لا تؤيد من يزعم وجود ثورة جياع قادمة!! * بالطبع لا أؤيد ذلك لأن الفلاح لا علاقة له بما يحدث في المدن من تظاهرات واعتصامات وإضرابات لأن عليه التزامات تجعله يؤدي عمله علي أكمل وجه ولن ينصاع الي دعوات وقف الحال. ** هل خلط الذرة بالقمح لإنتاج رغيف الخبز يسهم في تعويض النقص من القمح؟ * بالتأكيد هذا هو الحل الأمثل لتعويض نقص القمح فالاعتماد علي الرغيف المخلوط بنسبة) من10% الي20% ذرة ونسبة من80% الي90% قمحا بالاضافة الي انتاج رغيف الخبز الصافي من الذرة بنسبة100% ويتم انتاجه محليا مثلما اعتدنا في عهد الرئيس جمال عبدالناصر يسهم بشكل كبير في تعويض النقص في محصول القمح الي جانب الاعتماد علي تنويع مصادر الغذاء من الحبوب ما يحقق نسبة لا بأس بها من الاكتفاء الذاتي ويخفض وارداتنا من القمح سنويا من8 ملايين طن إلي حد أقصي3 ملايين طن فقط لنتحول من أكبر دولة مستوردة للقمح إلي أقل دولة. ** وما الذي يمنع استخدام الذرة في صناعة رغيف الخبز؟ * سياسة تسعير محصول الذرة أدت إلي سوء استخدامه فسعره المنخفض للغاية يدفع المزارعين لاستخدامه علفا للحيوانات, بدلا من الاستفادة به لصناعة رغيف الخبز, وقد نجحنا في رفع سعر إردب الذرة من200 إلي350 جنيها ولكن علي الدولة رفع سعر محصول الذرة ليصل إلي400 جنيه للإردب في السوق وتقوم بشرائه من جهتها لاستخدامه في إنتاج رغيف الذرة ما يقلل النقص في محصول القمح فضلا عن قيمتها الغذائية مثلما هو الحال في دولة أمريكا وأمريكا اللاتينية والمكسيك. ** هل يتم إنتاج رغيف الذرة في الوقت الحالي؟ * في بعض المناطق بوجه قبلي وذلك لاعتيادهم علي هذا النمط من الغذاء منذ القدم ولابد من تعميم هذا السلوك ليشمل كل المحافظات لتقليل الضغط علي محصول القمح. ** بدأت حملة لخفض الفاقد من القمح لتحقيق الاكتفاء الذاتي.. كيف؟ * الفاقد لا يمثل خطرا كبيرا نظرا لنسبته الضئيلة التي لا تتجاوز11% والمقدرةب600 ألف طن قمح سنويا والذي يهدر أثناء نقل الحبوب بسبب استخدام وسائل نقل غير محكمة من المزرعة أو من الميناء بعد عملية الاستيراد, بالإضافة إلي استخدامه كعلف للحيوانات من قبل بعض المزارعين, ومن الصعب تقليل الفاقد لعدم وجود آليات لاستخدام طرق نقل جديدة بالإضافة إلي عدم وفرة المراعي لتوفير علف الحيوانات. ** ما دور مركز البحوث الزراعية في النهوض بالنشاط الزراعي؟ * هذا المركز ضخم جدا ويقوم بعمل أبحاث تطبيقية مهمة بشكل مستمر يتم الاستفادة منها عبر استحداث تقنيات زراعية جديدة لحل مشكلات الزراعة, بخلاف معهد بحوث الهندسة الوراثيةالذي أنشئ لاكتساب الخبرات فحسب. ** ولكن المركز يواجه مشكلات حاليا؟!!. * نعم.. أهمها ضعف التمويل والمقدر ب200 إلي300 مليون جنيه في العام تأتي كمنحة وزارة المالية, ويضم المركز نحو8 آلاف دكتور في40 محطة علي مستوي القطر, يعدون ثروة لكونهم من أكبر المتخصصين في المجال الزراعي علي مستوي العالم ما يتطلب زيادة الاستثمار في مجال البحوث الزراعية وتوفير التمويل اللازم لها لكونها من أكثر المجالات نفعا للاقتصاد. ** وماذا عن أبرز مشكلات النقابة حاليا؟ * تعد نقابتا الزراعة والفلاحين من أكبر النقابات من حيث عدد الأفراد ورغم ذلك يتلقون أقل نسبة دعم من الدولة التي تخصص مليوني جنيه سنويا فقط ل650 ألف مهندس زراعي مما أدي إلي تأخر صرف المعاشات لمدة عامين متواصلين, وعلي الرغم من ذلك لم نقم بالتظاهر أو المطالبة بكادر خاص مثلما فعلت النقابات الأخري التي استجابت لها الدولة أخيرا بصرف ملايين الجنيهات. ** ولماذا لم تتقدموا بطلباتكم إلي الدولة؟ * نحن في انتظار تقديم مقترحات بمطالبنا في مجلس الشعب المقبل لضمان زيادة المخصصات المالية لأننا نعاني أزمة مالية حقيقية, كما أن طبيعة المهنة منحتنا التأني والصبر عند الشدائد نظرا لتعاملنا مع العوامل المناخية المتقلبة. ** قلت في أحد تصريحاتك إن مسئولية دخول شحنات القمح الفاسدة تتحملها مؤسسات الدولة ورجال الأعمال..ماذا تقصد؟! * من المفترض أن هيئة السلع التموينية هي الجهة الحكومية المنوط بها استيراد القمح, إلا أن الحكومة تنازلت في عهد النظام السابق وسمحت ل11 شخصا من رجال الأعمال باستيراد قمح فاسد كان أبرزها جمال عبد العزيز سكرتير الرئيس المخلوع الذي كان يستورد تلك الشحنات الفاسدة بعلم الدولة, فضلا عن دفع رشاوي تقدر بملايين الجنيهات لإدخال هذه الشحنات إلي مصر. ** ماهي أهم الشروط التي يجب توافرها في القمح المستورد؟! * أن يكون القمح من نفس الموسم مع حظر الاستيراد من الدول التي بها أمراض مع التأكد من مطابقة المواصفات وضمان جودة القمح المستورد. ** كيف تري مستقبل الزراعة في مصر في عهد الرئيس مرسي؟ * النشاط الزراعي مستمر ومتجدد ولا يرتبط بعهد لأننا بلد زراعي منذ القدم لكن الفارق يبدو جليا بين سياسات الرئيس مبارك والرئيس محمد مرسي ويكفي أنني دخلت قصر الاتحادية في عهد الرئيس مرسي خلال أربعة أشهر لحضور اجتماعات يعقدها الرئيس مع نقابتي الفلاحين والزراعيين لمناقشة أهم المشكلات والاستراتيجيات للمرحلة المقبلة بينما لم أر هذا القصر طوال حكم الرئيس المخلوع, فضلا عن أن الرئيس مرسي لديه قاعدة عريضة من المعلومات في الشأن الزراعي الذي يحتل نصيبا كبيرا من مشروع النهضة ما يطمئنني علي مستقبل الزراعة في مصر. ** ماذا تقول للقوي المناهضة للرئيس رغم أنه لم يمكث في الحكم إلا شهورا قليلة؟ * من يفكر في حكم مصر هذه الفترة يجب أن يتمتع بجرأة وقوة نظر لكثرة التحديات التي تواجهه علي كل المستويات.. وأقول لهم اعطوا العيش لخبازه علينا أن نحتكم إلي قواعد اللعبة الديمقراطية التي ارتضيناها واحترام إرادة الشعب الذي أتي به رئيسا شرعيا منتخبا بعد أن عاني مرارا وتكرارا من عصور الظلم والاستبداد, ومن غير المعقول أن يأتي اليوم ليكبل الحريات, فلنعطه فرصته كاملة, ونلتف حوله لبناء هذا الوطن بالاجتهاد في العمل والإنتاج, كما أن الإسلام غير معوق فعندما تولي مهاتير محمد حكم ماليزيا جعل منها أعظم الدول رغم كونها بلاد إسلاميا ويطبق الشريعة إذن فنحن المعوقون وليست الشريعة.