كلما زاد الهم البشري في بلاد العالم, اتجه الناس الي السماء يبحثون عن الرحمة ويطلبون الغفران, لعل سماحة السماء ترضي عنهم وتزيل تلك الآلام البشرية. البحث عن الرحمة يبدأ بالدين وعبادة الله ثم يأتي بالأساطير والخرافات, التي بسردها تفك بعض الآلام النفسية لدي البشر.. ثم يأتي دور المجهول بكل أبعاده.. لعل البشرية تخرج من ضيق الجوع, والبحث عن طعام, والبحث عن ملاذ, وحجرة للنوم.. أو تأمن شر الزلازل والبراكين!! أقلب صفحات الصحف والمجلات المصرية في الخمسينيات من القرن الماضي, الموضوع ضحك مع مجلة آخر ساعة والعنوان شقبل يوم القيامة بيوم! الدنيا مظلمة, والحياة معتمة, والآمال محطمة, وشاكر أفندي ضجر, يفكر في رئيسه في المصلحة, انه يمنع عنه الترقية, ويحول بينه وبين الدرجة التي يتمناها, ويفكر في جارته الجميلة التي يريد أن يطلب يدها, ولكن يمنعه عدم توافر المهر.. الساعة الآن الثانية بعد منتصف الليل.. شاكر أفندي يتقلب علي الفراش علي كل جانب, لقد أوي الي مضجعه منذ ساعات, وهو يحاول أن يتصيد النوم, فلا يحصل إلا علي اليقظة والتنبه التام, ولم يعد يطيق البقاء في الفراش, فقام يبحث في الراديو عن محطة إذاعة سهرانة في أقصي الشرق أو الغرب, لعله يتسلي بما فيها من موسيقي أو غناء أو تمثيل أو حتي محاضرة بايخة للطرق المختلفة لحشو الباذنجان, محطات أوروبا نامت من ساعات, ومحطات أمريكا مازالت تقضي فترة القيلولة, لتزيح عناء الإذاعات بعد صمت وسكون في كل مكان.. القيامة أخيرا وصل المؤشر الي محطة, وسمع موسيقي خافتة, وفجأة انقطعت الموسيقي, وقال الياباني بصوت متهدج: آلو آلو آلو.. هذا طوكيو.. نبلغكم أسفنا الشديد لأننا لم نعد نستطيع الاستمرار في إذاعة برنامجنا العادي, فقد حدث ما لم يكن في الحسبان, ولقد قامت القيامة.. نعم يوم القيامة قد بدأ, الشمس والقمر مجتمعان في السماء, يتقاربان رويدا رويدا.. يكادان يتعانقان, والسماء تسقط أحجارا وصخورا.. صواعق, برق, نار من كل مكان, تهتز وتتشقق الجبال, أعاصير.. براكين.. زلازل.. الناس يخرون صرعي أفرادا وجماعات.. لا نظام, لا بوليس, بعض الناس جنوا, بعضهم يضحكون.. الأكثرون يبكون, الأمهات يقذفن بأطفالهن الي النار.. الآباء يدوسون أطفالهم وهم يهرعون الي حيث لا يعلمون, إنها القيامة, والبقاء لله والأمر لله, موجة الدمار تتحرك غربا, لقد غرقت الآن الجزر اليابانية تماما, إنها الآن في البحر, البوارج تقفز في الهواء, الحيتان ترقص في الجو, سلاحف البحر تتطاير الي أعلي كأنها بالونات.. ان الموجة الآن في طريقها الي الصين, إنها تتقدم بسرعة مخيفة, الحالة في سيبيريا سيئة جدا, ذابت الثلوج, فتحول سطح سيبيريا الي بحر عظيم, البيوت عائمة, والناس غرقي, والوعول تسبح, ولكنها لا تلبث أن تغوص, الخراب يعم, الموجة تتحرك غربا بسرعة, لن يمر يومان إلا ويكون الدمار قد خرب كل مكان, الوداع يادنيا, الحساب.. الحساب, فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره, ومن عمل مثقال ذرة شرا يره وانقطعت الاذاعة, وحاول شاكر أفندي أن يعثر علي المحطة, فلم يجدها.. استعلامات واصطكت أسنان شاكر أفندي, خوفا وهلعا من الاستماع الي هذه الأخبار, أسرع الي التليفون يسأل مرصد حلوان عن الأخبار.. أليست لديكم إشارات تنبيء بإنذارات خطيرة آتية من الشرق. نعم.. هناك بعض اهتزازات أرضية في مكان بعيد في الشرق الأقصي. وحاول الاتصال بادارات الصحف, فلم يجد أحدا فيها.. إذن لابد أن هناك شيئا.. ولابد أن أخبار طوكيو صحيحة, ومادامت القيامة قائمة, فلا شيء يمنع شاكر أفندي من أن ينطلق في تصرفاته وسلوكه علي هواه, فمن ذا الذي يستطيع أن يحاسبه, والدنيا كلها لن تعيش أكثر من ساعات قلائل. مع رئيس المصلحة وأرتدي شاكر أفندي ملابسه وأسرع الي المصلحة, ودخل علي رئيسه دون استئذان, ولأول مرة في حياته كانت سترته مفتوحة وطربوشه في يده ودهش الرئيس, ولكن شاكر أفندي قطع هذه الدهشة قائلا: جئت لأقول لك إنني أحسن منك علما وفهما, وإنني لن أسمح لك بعد اليوم باضطهادي, أنت تعرف أنني أكفأ موظف, ولكنك تتخطاني في كل مرة, وتوزع الدرجات والعلاوات علي محاسيبك الجهلة, إنك ستدفع الثمن غاليا بعد ساعات قلائل. وانعقد لسان الرئيس.. وخرج شاكر أفندي بعد أن خبط الباب بعنف وعدم اكتراث! وأخذ شاكر أفندي يتجول في الطرقات يودع الحياة الدنيا.. فإذا به يري زحمة من الناس عند المحكمة المختلطة.. فسأل ما الأمر.. فقالوا له إنه مزاد علي عمارة إيموبيليا.. ستباع وفاء لما علي أصحابها من الديون, فدخل شاكر أفندي المزاد, واشتري العمارة, وكتب علي نفسه شيكا بنصف مليون جنيه, علي بنك ليس فيه أكثر من نصف جنيه. إنه عمل يذهب بالذي يرتكبه الي أعماق السجون, ولكن شاكر أفندي لم يكن يخشي من ذلك شيئا, فلا سجون ولا محاكم في يوم القيامة!! ولا ينتظر أن يقابل أصحاب عمارة إيموبيليا في الجنة علي كل حال! لاقيامة! وجاء اليوم التالي.. ولم تقم القيامة, وظهر أن ماقالته إذاعة طوكيو لم يكن إلا رواية تمثيلية لانصيب لها من الصحة.. البقية الأسبوع القادم