يبدو العنوان مثيرا للجدل والتساؤل والشجون, حيث يوميء لعلاقات مشبوهة مع امرأة لعوب, يبدو أننا عندما نشرع في قراءة هذه الرواية نكتشف أن هذا العنوان المراوغ بعيد كل البعد عن الأمور الغرامية والحميمية.. تستعرض الروائية مني سالم شخوص روايتها الجديدة وتقدمهم لنا وتعرفنا بهم أساتذة معنويين من بينهم الكاتب والقلم والكتاب والعنوان والمطبخ, إلي جانب أسماء حركية لرموز عايشتها وتفاعلت معها وكانت لها وقفات معهم.. العمل الإبداعي بصفة عامة الذي يثير علامات الاستفهام, جدير بالتقدير, كيف استطاعت الكاتبة أن تقدم لنا هذه التوليفة المتنوعة والشخصيات المتناقضة أحيانا وجمعت بين المعنوي والفعلي في إطار واحد؟! وكيف احتشد هذا الجمع الغفير في رواية محدودة الصفحات لم تتجاوز مائة صفحة, وجعلتنا مشدوهين حتي السطر الأخير؟! تكتمل فصول الغواية عندما تسجل حواء بقلمها أفكارها وخواطرها عبر صياغة مختلفة غير تقليدية خالية من الحبكة والعقدة والنهاية, وتكشف لنا جوانب مجهولة من حياتها لتشوقنا للمزيد, الرواية فيها الكثير من انطباعات الأنثي مغلفة بالأخيلة التي تثري العمل الأدبي.. تأخذنا مني سالم إلي مطبخها العامر, وتجعلنا في حالة ترقب ريثما ينضج الطعام, وتتعمد إطلاق الروائح الشهية لتسيطر علي مشاعرنا وذائقتنا, موقنة بأن المعدة هي أقصر طريق إلي قلب الرجل.. حتي تشبيهاتها تنطوي علي إيثار لغة ومصطلحات المطبخ.. فالرواية عندها وجبة كاملة الدسم فيها المشهيات والطبق الرئيسي والحساء والسلطة والتوابل والبهارات والمشروبات أي هي الجملة المفيدة.. أما القصة القصيرة باختصار فهي صياغة معلقة لا نهاية لها وأن أجمل الأشياء هي التي لم تكتمل.. حكاوي المطبخ: المطبخ هو عالمها الأثيري الذي تنطلق من خلاله للتأثير فيما حولها, سلاحها الكبشة والملعقة وبهما استطاعت السيطرة علي مقاليد الأمور في الأسرة, إن مطبخها هو الأكاديمية العليا وفيه تعلمت وعلمت ومن خلاله تعرفنا علي( الطوافات) التي اكتشفنا أنها( لقمة القاضي) التي تعوم فوق المحلول السكري.. ونثر قطرات من عصير الليمون علي السائل السكري, أو إلقاء عود من القرفة في حلة كباب, أو مسح بطة مشوية بالعسل الأسود..!! ولا تنسي حواء سكب تجاربها في الطهي من خلال نصائح وتوجيهات لبنات جنسها والاهتمام بكل التفاصيل, ومراعاة المقادير والالتزام الصارم بها, والأسلوب المناسب لإنضاج الطعام, ورغم أصولها الجنوبية من صعيد مصر الا أن زواجها في الاسكندرية كان زواجا موفقا أثمر البنات والبنين, والمطبخ هو كلمة السر في هذا النجاح. وتكاد الرواية تنحصر أحداثها في هذا المربع الصغير داخل الشقة: (أجمع بين زوجين شرعيين هما زوجي والمطبخ, وأنا عادلة بينهما, غرفة النوم ملاصقة للمطبخ, في غرفة النوم وهبني الله الأولاد, وفي المطبخ استولدت أطباقا وطرقا قد لا تعرفها ربات البيوت). سمات وملامح: السمة الأولي في هذه الرواية عناق الزمان والمكان والشخوص في سيمفونية رائعة عند امتزاج العلاقات والأحداث والروابط الانسانية. السمة الثانية هي العناوين الجانبية التي توشك أن تتطابق مع عناوين القصة القصيرة القائمة علي التركيز والتكثيف والومضة العابرة والسرد المبتور, وأعتقد أن ذلك يعود إلي بدايات الكاتبة مع القصة القصيرة.. السمة الثالثة أن الكاتبة توجست كثيرا من النقد والنقاد, وتري أن الناقد يقسو في أحكامه علي المبدعين ويدخلهم رغما عنهم في جحيم سطوته الفكرية لذلك تعلن:( شاهدت تماثيلا لأدباء ومفكرين, ولم أشاهد تمثالا واحدا لأي ناقد), وهي بذلك تتفق مع الرأي القائل بأن الناقد مبدع فاشل مع ما في هذا الرأي من إجحاف. السمة الرابعة أن الكاتبة تنحاز لبنات جنسها عندما تهمس بهذه الكلمات:( أنا حواء صاحبة أول فكرة في التاريخ عندما قلت لآدم ما رأيك لقد قضمت هذه التفاحة فوجدتها حلوة هل تكملها؟ وأكل.. فكل شيء جميل في الحياة أنثي مثل فكرة, سحابة, عمارة, شقة, قطرة, بحيرة, نسمة, نعمة, ركعة, سجدة, لمحة, سهرة, لذة). ونسيت الكاتبة عن عمد إكمال القائمة التي علي الوجه الآخر مثل الأشياء الأنثوية( كارثة, مصيبة, عاصفة, جريمة, فاجعة, غارة)؟! السمة الخامسة والأخيرة التي نجدها في ثنايا الرواية وفي سياقها المتواتر مشاهد متنوعة من حياتها الممتدة بداية من مرحلة الطفولة وبراءة القصد, ومرح الشباب والبلوغ حتي اكتمال الأنوثة بالارتباط الزوجي.. وهو تطور طبيعي في مسيرة الانسان عبر التغيرات البيولوجية والسيكولوجية, وهذه التطورات والتغييرات ساهمت بقدر كبير في التصاعد الدرامي في خلال السيرة الذاتية.. محمد أحمد برمو كاتب وناقد رابط دائم :