تذكرت ياسمين وجه الرجل القبيح الذي جلب لها عذاب ومشقة لم تتوقعها منذ أن كانت طفلة صغيرة تحبو في إحدي قري كفر الشيخ وتذكرت كيف زين محمود المخدماتي لوالدتها اصطحابهما إلي القاهرة للعمل شغالة في بيوت الأثرياء والتي كما أخبروها كثيرا ما يغدقون علي الصغيرات ممن هن في مثل سنها بالأموال والهدايا خاصة في المواسم والأعياد. بدأت رحلة العذاب ل ياسمين منذ نعومة أظفارها فقد مات الأب قبل أن تبلغ العاشرة من عمرها وترك للأم عبئا ثقيلا.. أسرة مكونة من6 أطفال أكبرهم ياسمين التي أطلق أبوها ذلك الأسم عليها تيمنا بإحدي سيدات الأعمال في القاهرة والتي عرفتها القرية من تردد أسمها علي لسان والد طفلة كانت تعمل لديها وكانت هذه السيدة تغدق عليه وعلي أسرته بالأموال والهدايا حتي إنتشلتهم جميعا من فقر مدقع وكانت السيدة ياسمين هي مصدر الخير لهم وأصبحت الخدمة لدي الست ياسمين و من هم علي شاكلتها أمنية كل الأسر الفقيرة في القرية. عملت ياسمين ذات الضفائر الذهبيه في الزراعة مع أقرانها من بنات وصبيان القرية ولكنها كانت دائما ما تشكو لأمها آلام العمل والكد طوال النهار في الحقول فمن جني ثمار الطماطم إلي تنظيف القمح من الحشائش الضارة وحتي حصاد الذرة وحش البرسيم ولم يكن الكد والتعب هو فقط السبب في شكواها وإنما الأجرة القليلة التي تتقاضاها ياسمين نظير عملها منذ شروق الشمس وحتي تؤذن بالمغيب كانت هي الاخري مصدرا للشكوي حيث لم يزد أجرها علي خمسة عشرة جنيها لا تكفي لسد رمق جوعها هي وأشقاؤها الأطفال. رضخت ياسمين لرغبة الأم بعد أن روادتها أحلام اليقظة بنعيم القاهرة وساكني الشقق الفاخرة والفيلات والقصور وكأن دعوات الأم و البنات الأطفال صديقاتها باتت حقيقة سوف تعيشها الطفلة البائسة. جاء عم محمود الذي بدا منتشيا وسعيدا بعد أن ردد بعض عبارات المداعبة والقفشات الضاحكة مع الأم بعد أن هاتفته وابلغته برغبتها في السفر مع طفلتها عقب الموافقة علي عرضه بذهاب ياسمين معه إلي القاهرة للعمل لدي إحدي الأسر في منطقة مدينة نصر ورغم الرهبة والخوف الذي ظهر علي ياسمين إلا أنها كانت قانعة وراضية تماما علي ذهابها إلي القاهرةالمدينة الساحرة الباب الأوحد إلي الثراء والأموال ركب الثلاثة القطار الأم وياسمين وعم محمود وبدت ياسمين متزينة بعد أن حرصت علي الاغتسال جيدا وتقليم أظافرها التي علقت بها بعض حبيبات الطين ولكن آثار العمل بالمزارع لم تستطع إزالتها وبدا وجهها الصبوح مع ملامحها التي تبعث علي الشفقة جاذبة لكل من لديه بعض شعور من الرحمة. تناول عم محمود عدة قصص وحكايات علي من قام بالتوسط لهم في العمل لدي الأثرياء بين خلالها كيف انتقل هؤلاء من البؤس والفقر والشقاء إلي النعيم والسعادة و الثراء بعد أن أغدق الأغنياء عليهم بالأموال فمنهم الطفلة التي عند زواجها تكفلت أسرة بجهازها وأخري غيرت أثاث منزل أسرتها و جلبت لأسرتها عددا من قطع الماشية. كانت ياسمين مأخوذة وهي ابنة الرابعة عشرة حيث لم تتعود النوم خارج منزلها وبعيدا عن أسرتها فما بالها ستكون مع سيدة وزوجها لا تعرفهما في مدينة بلا قلب لا تعرف فيها أحدا سوي عم محمود وبعض الفتيات التي لا تعرف عنهم سوي عناوين الشقق والفيلات التي يخدمون بها. وصلت ياسمين إلي المنزل المنشود والذي كان شقة كبيرة في إحدي الشوارع الراقية بمدينة نصر وفتح رجل خمسيني المنزل ورحب بمحمود والأم وياسمين قائلا: مقعده متبسما وقال: أهلا يا ست هانم.. سلمي يا ياسمين علي الهانم ترددت ياسمين رهبة وخوفا وقالت: أهلا ياستي. وخلال دقائق كانت الأم قد غادرت بصحبة محمود بعد أن تقاضت أول راتب شهري لياسمين.. ألف جنيه.. كانت كفيلة بأن تجعل قلب الام يرقص فرحا بأول قطرة غيث لخير وفير ستجلبه لها طفلتها. بدأت السيدة جيلان ربة المنزل تعامل ياسمين بلطف في أيامها الأولي لكن بمرور الأيام تبدلت الأحوال وتغيرت تلك المعاملة خلال أشهر حيث بدأ العقاب علي حرق القهوة وعدم ضبط الشاي و كرمشة الملابس وغيرها من توافه الامور التي كثيرا ما تخطأ الخادمات خاصة الأطفال منهن فيها وبدأ الشقاء في معرفة طريقه إلي ياسمين برغم ما تتقاضاه من أموال وملابس لم تكن تحلم بها حيث بدأ الأمر بالتعنيف والشتائم بكلمات لاذعة حتي وصل الامر إلي الضرب المبرح. كانت ياسمين تشكو لأمها ما لاقته من صنوف وألوان العذاب علي يد مخدومتها رغم أنها حاولت كثيرا في إسترضائها وعمل كل ما تطلبه منها إلا أنها تتفنن في قهرها وكانها تتلذذ بذلك رغم تدخل الزوج والأبناء في تلطيف الأجواء وحث الست هانم علي معاملتها بالحسني إلا أن ذلك لم يجدي شيئا وكانت في كل مرة تشكو ياسمين فيها لأمها تخبرها بأنها وأخوتها لا مصدر لرزقهم سوي العمل لدي الست وأنها بترك العمل لديها ستتركهم فريسة سهلة للجوع والفقر وبالتالي لا مناص من العمل لدي الهانم المستبدة. وكانت ياسمين كثيرا ما تام ودموعها في عينيها من شر ما تلاقيه و كانت كلما تذكرت صورة شقيقاتها الصغار فرحين بالملابس والحلوي والألعاب الجديدة ترضي بما حققته لهم. وفي إحدي المرات رفعت الهانم عصاها وهوت بها علي رأس الطفلة فسقطت علي الأرض بعد أن تلقت عدة ضربات علي جسدها النحيل وتحملتها ولما إغتاظت الهانم أنهت الضرب بضربة علي رأس الطفلة لتسقط مغشي عليها. أصيبت الهانم جيلان بصدمة وكادت تسقط بجوار الطفلة لولا تدخل الزوج الذي أنقذ الموقف وحمل الطفلة سريعا إلي أحد المستشفيات الخاصة الفاخرة والتي فيها خدمات متميزة والتي تعالج الاسرة بأكلها وبمجرد وصول الطفلة بدا الطبيب في علاجها ولما سأل ماذا حدث لها ؟.. ردت السيدة جيلان بأنها وجدتها مغشيا عليها في الحمام. ولما تخوف الطبيب من الأمر بعد أن وجد آثار كدمات نتيجة الضرب المبرح في أجزاء متفرقة من جسد الفتاة وبعد أن تحققت هواجسه من كلمات المخدومة قام بإبلاغ اللواء عصام سعد مدير المباحث الجنائية الذي أمر بتشكيل فريق بحث ترأسه اللواء عبدالعزيز خضر مفتش المباحث حيث تمكن النقيب إسلام مقبل من كشف غموض الوقعة وذلك من خلال التحريات التي أثبتت قيام الهانم بتعذيب الفتاة خلال فترات سابقة حيث كان أحد شهود العيان أحد الجيران والذي يعمل محاميا حيث أكد لفريق المباحث أنه كثيرا ما كان يسمع صرخات واستغاثات الطفلة أثناء ضربها. وبعد ضبط الهانم وزوجها وأمام أحمد سبالة وكيل نيابة مدينة نصر أول اعترفت الزوجة بقيامها بتعنيف الطفلة بسبب إهمالها في أعمال المنزل حيث انها كثيرا ما حرقت الملابس وأتلفت الطعام ولذلك كانت تقوم بتعنيفها بالكلمات فقط ولكن إدعاءاتها لم تنطل علي المحقق الذي أمر بحبسها4 أيام علي ذمة التحقيق بتهمة الضرب الذي أفضي إلي موت.