سأظل قلقا علي الوطن والمجتمع مادامت الاستعانة بحكام أجانب لإدارة مباريات الكرة المهمة مستمرة, مثلما كان الحال بالأمس في مباراة القمة بين الأهلي والزمالك. لو اقتصر علي مباريات الكرة لصار الامر هينا. فقدان الثقة بين الأفراد وبينهم وبين المؤسسات بات سمة سائدة في حياتنا العامة. فقدان الثقة يقوض شرعية الحكم ويجعل من المستحيل ادارة المجتمع بطريقة منضبطة وفعالة. تبدأ الدولة رحلة الفشل عندما يفقد الناس ثقتهم في مؤسساتها. عندما لايطمئن الناس لحكم المؤسسات يشرعون في انتزاع مايتصورونها حقوقا لهم بأيديهم. هكذا يزيد العنف في المجتمعات, وهكذا تنزلق نحو العنف الأهلي. ثقة المصريين الضعيفة في بعضهم البعض تجاوزت مستوي العلاقات بين الأشخاص لتصل الي مستوي العلاقة مع المؤسسات. فقدان الثقة في نزاهة وحيادية اتحاد الكرة ولجنة الحكام فيه ليست سوي الجزء الظاهر من مشكلة اكثر عمقا وأشد خطورة. إذا تحدثت الي مشجعي اي من فرق الدوري لحصلت علي نفس الاجابة حول تلاعب الحكام وتحيزهم ضد فريقه المفضل. إنها عقدة اضطهاد معممة مصحوبة بحالة عميقة من فقدان الثقة في المؤسسات. قيادات اتحاد الكرة تصل الي مناصبها بالانتخاب لكن هذا لا يبدو كافيا لجعلهم اهلا للثقة. كل فرد يتلاعب بالقانون والقواعد لصالحه. هذه هي الصورة السائدة لدي المصريين عن بعضهم البعض. كل فرد يمكن شراؤه من اجل مصلحة خاصة او انحياز ذاتي بغض النظر عن الطريقة التي وصل بها لموقعه وطبيعة المنصب ومسئولياته واخلاقياته. الاتهامات بالتلاعب بالقانون وخدمة المصلحة الخاصة التي يوجهها الكثيرون ضد مواطنيهم في موقع المسئولية تشير الي الطريقة التي سيتصرف بها الشاكون انفسهم اذا واتتهم الفرصةاكثر مما تشير الي مايحدث بالفعل. شيوع الاتهامات بالتحيز والفساد ليس في أغلب الاحيان سوي ذريعة للفساد. كلهم بيعملوا كده هذا هو الرد الذي تتلقاه عندما تضبط احدهم متلبسا بمخالفة القانون. المسئول الذي قبل باستدعاء حكم اجنبي لادارة مباراة كرة قبل عدة عقود لم يكن يحل المشكلة انما يزيدها عمقا. أراد المسئول الذي لا أعرفه اجتياز مأزق محدود فساهم في تعميق ازمة ثقة كانت قد بدأت. كان علي المسئول اياه البحث في اسباب المرض بدلا من التعامل مع اعراضه انشغلنا بمعالجة الأعراض فزادت وطأتها, اما المرض نفسه فمن المؤكد انه بات يضرب في الأعماق.