يقوم عماد الدين الإسلامي علي القصد في كل الأمور وعدم الغلو فيها, ولهذا ذم الشارع المغالاة في كل شيء وحض علي القصد فيها, والاقتصاد من القصد وأصله الاستقامة في الطريق, كقول الله تعالي: وعلي الله قصد السبيل ومنها جائر, ثم استعير في التوسط في الأمور, ومنه قوله صلي الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: القصد القصد, أي: عليكم القصد من الأمور في القول والفعل, والتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط, وحديث أنس رضي الله عنه مرفوعا: ما عال من اقتصد, أي: ما افتقر من لا يسرف في الإنفاق ولا يقتر, وروي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: ما أحسن القصد, أي: التوسط بين التفريط والإفراط, فلهذا ما أحسن القصد في الفقر, وأحسن القصد في العبادة, فقد روي عن أبي هريرة رضي الله قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:لن ينجي أحدا منكم عمله, قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟, قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة, فسددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشئ من الدلجة والقصد القصد تبلغوا والقصد: هو التوسط في الأمور بلا غلو ولا تقصير, وقيل أي لا تبلغوا النهاية باستيعاب الأوقات كلها, بل اغتنموا نشاطكم وهو أول النهار واخره وبعض الليل, وارحموا أنفسكم فيما بينهما كيلا ينقطع بكم, ومعني سددوا: أي اطلبوا بأعمالكم السداد أي الصواب بين الإفراط والتفريط, وكأنه تأكيد لقاربوا, وروي عن جابر رضي الله عنه قال: مر رسول الله صلي الله عليه وسلم علي رجل قائم يصلي علي صخرة فأتي ناحية مكة فمكث مليا ثم أقبل, فوجد الرجل علي حاله يصلي, فجمع يديه ثم قال: ياأيها الناس عليكم بالقصد عليكم بالقصد فإن الله لا يمل حتي تملوا, وروي عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كنت أصلي مع النبي صلي الله عليه وسلم, فكانت صلاته قصدا وخطبته قصدا, ولم تكن دعوة رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي القصد في مجال العبادة فقط, وإنما حض علي القصد في غيرها, إذ روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: لا يغالي في كفن, فإني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم الله عليه وسلم يقول: لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سلبا سريعا, عبدالله بن سرخس عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: الاقتصاد والتؤدة والسمت الحسن جزء من أربعة وعشرين جزءا من النبوة, والتؤدة: أي الرفق, والتأني وحسن السمت: أي الهيئة والمنظر, وأصل السمت الطريق, ثم استعير للزي الحسن والهيئة المثلي في الملبس وغيره, وقال بعض العلماء: الاقتصاد علي ضربين, أحدهما: ما كان توسطا بين محمود ومذموم كالتوسط بين الجور والعدل, وهذا هو المراد بقوله تعالي: ومنهم مقتصد, وهذا محمود ومذموم بالنسبة, والثاني متوسط بين طرفي الافراط والتفريط, كالجود فإنه متوسط بين الإسراف والبخل, وكالشجاعة فإنها متوسطة بين التهور والجبن, وهذا هو المراد في الحديث, ومعني هذا أن الاقتصاد أي سلوك القصد في الأمور القولية والفعلية, والدخول فيها برفق علي سبيل يمكن الدوام عليه, جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة, أي أن هذه الخصال منحها الله تعالي أنبياءه, فهي من شمائلهم, فاقتدوا بهم فيها وتابعوهم عليها, وليس معني الحديث أن النبوة تتجزأ, أو المعني: أن من جمع هذه الخصال كان فيه جزء من النبوة, ومعني هذا أن القصد في الأمور مطلوب شرعا,سواء كان في مجال العبادة أو الإنفاق أو العمل أو القول أو نحو ذلك. أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة