كان النجم الكبير الراحل محمود المليجي من أهم الممثلين الذين تعاملت معهم.. وحرصت علي أن نصبح أنا وهو أصدقاء طوال رحلتي السينمائية.. والفنية بوجه عام.. وقد كان.. وأصبحنا بالفعل أصدقاء.. وكنا نتبادل أسرار فن التمثيل والإبداع الفني.. وكنت حريصا وأنا أتعامل معه وأشترك معه في أي عمل أن أحرك ما يحمله في داخله.. في مشواره الفني من دروس أستفيد منها.. وأفيد منها الزملاء.. وهو معي كان يثار وينطلق في إعطاء الدروس المستفادة التي يعلن عنها لي بوجه الخصوص.. فقد كان يشعر بصدق العلاقة الفنية بيننا.. وصدق الصداقة.. والقدرة علي تبادل الاستفادة الأخوية بيننا. وكنا نعمل معا في أحد الأفلام التي قدمناها كعناصر أساسية مهمة.. وكنا نشاهد أحد الممثلين يصور مشهدا في الفيلم.. وبعد أن ينتهي من التصوير كنا نجلس معا.. حتي يتم الاستعداد لتجهيز المشهد الذي يليه.. قال لي: أشاهدت هذا الممثل.. إنه يحمل طاقة فنية هائلة.. لكنه يحمل كل شخصية يقوم بها فوق طاقتها.. يضع تمثيل الدنيا في شخصية واحدة.. يجعل الشخصية التي يقدمها تنوء بما تحمل.. يجعلها تختفي وراء هذا الكم الهائل من التحابيش.. والحشر.. والإضافات الشكلية التي تتوه فيها الشخصية وراء كل هذه الأشياء ويتوه معه المتفرج ويختفي خلفها الممثل! أوضح لك مقصدي..( بعد أن لاحظ تساؤلا في نظراتي).. مثلا عندما يؤدي شخصية مدرس ألعاب رياضية.. والشخصية كوميدية.. فإنه يرتدي أشياء غريبة طوال الفيلم.. ويحمل صفارة.. ويقفز طوال أدائه للدور.. أما الشورت أو بدلة التمرينات دائما ما تكون بها إضافات غريبة..يقصد بها الضحك علي شكلها.. ويأكل كثيرا وبشراهة.. يضرب كل من يقابله.. استعراضا لقوته.. إلي جانب لازمة حركية يخترعها الممثل تضاف إلي كل ذلك. وهناك أمثلة كثيرة يعبث بها الممثل الذي يقدم نوعية الأدوار الكوميدية.. بأشكال غريبة.. حلاق القرية.. رجل ضرير.. الفتوة البلدي.. الفتوة المودرن.. كلها شخصيات يتفنن كثير من الممثلين في إضافة أشياء شكلية لها.. وتبتعد تماما عن وجودها الطبيعي في البيئة التي تعيش فيها.. تضيع معها معالم الشخصية.. ويضيع الممثل نفسه. ولا مانع من أن تكون هناك شخصيات كاريكاتيرية لكنها ليست مطلوبة في كل وقت.. ولأي شخصية. إن الممثل الذي لديه كل هذه الإمكانات.. عليه ألا يضع كل ما عنده في دور واحد... وإلا ازدحمت الشخصية التي يقدمها بانفعالات وأشكال هي في غني عنها.. وليست مطلوبة لها علي الإطلاق.. فتفقد توازنها وتسقط من عين وقلب المشاهد. وصمت النجم الكبير.. ونحن نشاهد الممثل وهو يصور المشهد الثاني.. وهمس إلي بصوت لا يسمعه إلا أنا.. ونحن نجلس بعيدا عن مكان التصوير حتي لا نشوش بصوتنا علي التصوير.. وقال: الظاهر مافيش فايدة!! ذلك أننا شاهدنا الممثل الذي نتحدث عنه يقف أمام الكاميرا وكأنها حاوي.. يحمل في جيوبه وفي يديه وعلي رأسه وفي أدائه وصوته أشياء كثيرة يستخدمها كلها في وقت واحد.. وفي شخصية واحدة.. وفي كل المشاهد.. وكلها تقف ضد نفسها.. وكأنها تحارب بعضها بعضا... وأول من تحاربه هو الممثل نفسه.