قرأت الخبر وتعجبت, وأمعنت النظر وتحيرت, فقد سافرت الدكتورة ميرفت التلاوي إلي الصعيد, لكي تتفقد بنفسها مكان موقعة قص الشعر لبنتين في المرحلة الابتدائية علي يد مدرسة, شاء حظها العاثر أن تكون منقبة, وبالرغم من استقبال التلاميذ وأولياء الأمور للتلاوي باللافتات التي تندد باستغلال الاعلام للحادثة بطريقة مبالغ فيها, ونفخ أبواق الفتنة والتشوية, وبرغم الاشادة بسلوك المدرسة علي الاجمال بالرغم من الخطأ وتجاوز الحد وسوء الفهم في العقوبة والطريقة التي مارستها بها, إلا أن كل هذا لم يشفع للدكتورة ميرفت التلاوي في تفهم الأمر وإعطاء الحجم الطبيعي له, فحرضت والد الطفلة علي الاستمرار في القضية الجنائية, وعدم التنازل عنها بالرغم من اعتذار المدرسة ووالدها له وعمل محضر صلح, والعقوبة الادارية الموقعة عليها بتحويلها إلي عمل إداري, ولم يبق للدكتورة ميرفت إلا المطالبة بشنق هذه المدرسة علي باب زويله لتكون عبرة لمن لايعتبر خاصة أنها منتقبة!, وأنا هنا لا أبرر عمل المدرسة فهو غير مقبول من الناحية الشرعية والتربوية والنفسية, من الناحية الشرعية لأن الحجاب ليس فرضا في هذه السن الصغيرة والفتيات غير بالغات أو مكلفات, وحتي لو كن كذلك فالأمر يخضع للدعوة بالحسني بما فيها من ترغيب وترهيب, والرسول صلي الله عليه وسلم عندما أمر بتعليم النشء الصلاة حدد سن التعليم بين السابعة والعاشرة ولاشك أن الصلاة أهم فرائض الدين بعد التوحيد, وخطأ من الناحية التربوية لما للموقف من تأثير نفسي قد يأتي بأثر عكسي, وقد تكون المدرسة أساءت الفهم لكن لابد للأمر أن يأخذ حجمه الطبيعي من أنه خطأ مهني تمت المحاسبة عليه لكن أن يتم تحويل الأمر إلي قضية وطنية, يدندن حولها الاعلام وينفخ فيها بأبواق الفتنة والشقاق ويلحقها بغيرها من المعارك الوهمية الفاشلة, كمعركة قطع الأذن والتي كانت مشاجرة عادية حولها الاعلام بسبب وجود أحد الملتحين فيه إلي اقامة حد قطع الأذن وهو أمر مضحك فليس في الشريعة حد بهذا التوصيف لكنه اعلام الاثارة والفتنة والضرار, وكنا نبرأ بالمسئولين المهتمين بالطفولة ومشاكلها أمثال الدكتورة ميرفت التلاوي أن تبتعد عن هذا الاتجاه المعروفة أهدافه وتهتم بالمشكلات الحقيقية المدمرة التي تواجه الأطفال, مثل ظاهرة التشرد واطفال الشوارع التي تعد مشكلة قومية تحتاج إلي تضافر الجهود وتكاتف القوي الفاعلة في المجتمع لحل هذه المشكلة بتداعياتها الخطيرة من انتشار الجرائم من سرقة وخطف واغتصاب وبلطجة, وكانت الدكتورة ميرفت بحكم علاقتها الدولية تستطيع لفت الانتباه لهذه القضية عن طريق الأممالمتحدة واليونيسيف لكننا لم نسمع لها صوتا, بل إن هناك مشاكل صحية تهدد حياة الآلاف من المواليد الذين يحتاجون إلي حضانات وأجهزة تنفس صناعي نعاني الأمرين في ممارستنا الطبية من نقصها, ويموت الأطفال أمام أعيننا نتيجة هذا النقص, ويحتاج الأمر إلي لفت النظر والسعي بجدية لحل هذه المشكلة التي ينتج عنها إزهاق الأرواح وليس إزهاق الشعر!, ولم نسمع أيضا أن الدكتورة التلاوي تبنت حملة لحل هذه المشكلة, بل إن الغريب والعجيب أن تتعرض تلميذة أيضا في الابتدائي للاغتصاب من مدرسها, في نفس توقيت حادثه قص الشعر, ولم تتحرك الدكتورة التلاوي أو الاعلام المغرض المحب للتشنيع وبث الفتنه, بل تعاملوا مع الأمر بحجمه الطبيعي كقضية جنائية دون ذكر إسم المدرس, لماذا لأن المدرس غير ملتح؟ وياويله لو كان كذلك! إننا نتصور ونتعشم أن يكون المسئولون علي مستوي المسئولية التي تتطلبها التزامات المنصب وأمانة التكليف, ويعطوا لكل حادث قدره من حيث الأهمية, ولاينشغلوا بتوافه الأمور ويتركوا جسامها, فالوطن يحتاج إلي الهدوء والتروي والاخلاص, وعدم الاستجابة لنافخي الكير من حملة الأقلام, الذين يفسدون في الأرض ويبغونها عوجا, ولا يريدون مصلحة واستقرار هذه البلاد.