مازلنا مع قوله تعالي: إنا أرسلناك بالحق, نقتبس من نور الله ونتساءل عن قوله: بالحق, ما هو الحق الذي أرسل الله به رسوله صلي الله عليه وسلم, وماذا في ذلك مما يشرح صدره صلوات الله وسلامه عليه ويثبته علي طريق ربه؟ نقول وبالله التوفيق في الحق هو الأمر الحقيقي الثابت المستقر الذي لاشك فيه ولاشبهة فالله هو الحق ذو القوة المتين, وما خلقه, خلقه وفق حكمته فهو حسن, والاعتقاد الصادق في الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر حق, وكل فعل وكل قول يأتي بحسب ما يجب وبقدر ما يجب وفي الوقت الذي يجب هذا كله حق, وقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال, اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن. ولك الحمد لك ملك السماوات والأرض ومن فيهن, ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض, ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض, ولك الحمد أنت الحق ووعدك حق ولقاؤك حق, وقولك حق, والجنة حق والنار حق, والنبيون حق ومحمد صلي الله عليه وسلم حق والساعة حق. اللهم لك أسلمت, وبك أمنت, وعليك توكلت. وإليك أنبت, وبم خاصمت, وإليك حاكمت فأغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت. أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ولاحول ولاقوة إلا بالله. قام بعظمته يخاطب رسوله قائلا له: إنا أرسلناك بالحق. فما تقول قولا ولاتفعل فعلا. إلا والحق لحمته وسداه وبدايته ونهايته, فأنت لا تقول من عندك إنما تبلغ رسالة ربك والنجم إذا هوي ماضل صاحبكم وما غوي وماينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي فرسالتك رسالة الاسلام وهو يعني الاستسلام المطلق لله رب العالمين: فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن, وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد إنها رسالة الهداية الربانية التي تنير للناس الطريق وتأخذ بأيديهم إلي سبل الرشاد, وتحل لهم الطيبات وتحرم عليهم الخبائث وتضع عنهم أصرهم والأغلال التي كانت عليهم, إنها رسالة الخير والأمان والسلام والسعادة لبني الانسان, إنها رسالة الحق الصراح والحقيقة الواضحة, والدعوة الهادفة, إنها الضياء الذي بدد الظلام, والشمس التي أشرقت فاستبان الناس الطريق, ومن أرسله ربه بهذا الحق ويستند اليه ويثق فيه ويؤمن به لايعنيه جهل الجاهلين, ولا أباطيل المبطلين ولا افتراءات المجرمين, فصلوات الله وسلامه عليك أيها النبي العظيم, يامن عشت للحق مؤمنا به مجاهدا في سبيل إعلانه حتي أتاك اليقين. ونتساءل أيضا ماذا في قوله: بشيرا ونذيرا من ترغيب وترهيب؟ ولماذا لم يذكر من يبشر رسول الله صلي الله عليه وسلم. ومن ينذره كما لم يذكر ما سيبشر به وما سينذر به, وماذا في الكلمتين من بيان ينشرح به صدر المصطفي صلي الله عليه وسلم؟ ونقول عرفنا أن البشارة هي الاخبار بما يظهر أثره علي البشرة وأن الغالب استعمال ذلك فيما يسر مقيدا بالخير المبشر به وغير مقيد, وأنها لا تستعمل فيما فيه الحزن والألم إلا مقيدة منصوصة علي الشر المبشر به كما في قوله تعالي فبشرهم بعذاب أليم, أما الانذار فهو الابلاغ والاعلام. ولايكاد يكون إلا في تخويف يتسع زمانه للاحتراز من الوقوع في الخطر والخطإ فإن لم يتسع زمانه للاحتراز كان إشعارا ولم يكن إنذارا. والبشير والنذير هو محمد صلي الله عليه وسلم المبشر والمنذر, جاء يبشر المؤمنين بالخير والسعادة في الدنيا والآخرة وينذر المكذبين المعاندين بالشقاء والمعيشة الضنك في الدنيا وسوء المصير والعقاب الأليم في الآخرة, ولكن لماذ لم يذكر هذا؟ إنما جاء التعبير هكذا مطلقا: بشيرا ونذيرا, وماذا يبشر به رسول الله صلي الله عليه وسلم وماذا ينذر به, هذا يحتاج إلي لقاء آخر بإذن من الله والحمد لله رب العالمين.