يقول الله تعالي: من كان عدوا لله وملائكته ورسله: الآية فما وجه اتصال هذه الآية بالآية السابقة وهي قوله: قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله علي قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدي وبشري للمؤمنين؟ نقول وبالله التوفيق لما ذكر الله في الآية السابقة ما يقوم به جبريل عليه السلام من تبليغ وحي الله إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم بما يحمله هذا الوحي من هداية وبشري للمؤمنين وأن مثل هذا الملك لايعادي ومن كان له عدوا فعدواته عائدة عليه, فليفعل ما يحلو له, فلن ينال شيئا من هذا الملك ولن يصل إلي مراده من إطفاء نور الله وسوف يبقي ما جاء به جبريل فأوحاه إلي محمد صلي الله عليه وسلم نورا يهدي السائرين, وبشري بالفوز والتمكين في الدنيا والفوز بجنات النعيم في الآخرة, لما ذكر الله هذا أراد أن ينتصر لجبريل فذكر أن عدواته عداوة لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال, ومن كان عدوا لهؤلاء فقد كفر, ومن كفر فإن الله عدوه, كما قال تعالي: من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين. ونتساءل من كان عدوا لله.. كيف يعادي انسان رب العزة والجلال؟ وكيف يكون عداء الله لهذا الانسان؟ ونقول وهل يستطيع أحد أن يعادي الله عز وجل, إن من يعادي انسانا يلحق به الضرر ويتفنن في ايذائه لما يحمل له من بغض وكراهية, فأي قوة يمتلكها الانسان حتي يصنع ذلك؟ إن عدواته وما فيها من ضرر تلحقه هو بمخالفته لأوامر ربه وارتكابه ما نهاه عنه, وكلما عظمت المخالفة عظمت العداوة أو أن العداوة إنما هي لملائكة الله ورسله والمؤمنين, وإنما ذكر الله عز وجل تشريفا وتكريما للمؤمنين حيث كان الله معهم بنصره وعونه, وعداوة الكافرين للملائكة لا أثر لها لأنه ليس في مقدور الكافرين الضرر لهم, ولنا أن نتساءل أيضا جبريل وميكائيل من الملائكة فلماذا نص عليهما في الآية؟ نقول: كثيرا ما يذكر القرآن الخاص بعد العام, لمزيد فضل, أو لمزية فيه, أو لأسباب أخري اقتضت أن يذكر الخاص بعد العام فكأنه ذكر مرتين, وفيما معنا نري أن الله ذكر جبريل بالاسم في الآية الأولي, ثم ذكره في جملة من الملائكة ثم ذكر باسمه مرة أخري فهو قد ذكر ثلاث مرات, وهذا بما يدل علي فضله ومنزلته كما ذكرنا من آيات تبين ذلك, وذكر مع جبريل ميكائيل لأنه ملك الغيث والرحمة وله منزلتة عند ربه وأيضا من أسباب ذكرهما أن اليهود ذكروهما فيما روينا من الروايات في سبب النزول وأنهم قالوا لو كان ميكائيل هو الذي ينزل عليك بالوحي لصدقناك لأنه ملك الرحمة والغيث أما جبريل فهو ملك الخسف والعذاب فبين الله لهم أن من كان عدوا لجبريل فهو عدو لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال, وعداوة واحد من هؤلاء عداوة لهم جميعا, وليس من الوارد في الفهم أن عداوة الله للكافرين إنما تكون اذا ما عادوا جميع الملائكة وجميع الرسل, بل من عادي ملكا واحدا, ورسولا واحد, فقد عادي الله, ومن عادي الله عاداه الله فكان من الخاسرين. ونقول أيضا كان مقتضي السياق أن يقول: فإنه عدو له, فلماذا قال: فإن الله عدو للكافرين؟ هذا لالقاء المهابة بذكر اسمه الجليل في قلوبهم وفي وصفهم بالكفر بيان للسبب الذي من أجله استحقوا عداء الله لهم, ولنعرف أن من عادي الله أو ملكا من ملائكته أو رسولا من رسله فقد كفر, فليعرف اليهود ذلك, وليدركوا ما ارتكبوه من خطأ جسيم في حق أنفسهم بحرمانها من الايمان وفي حق ربهم برفض وحيه ومعاداة ملائكته ورسله, مما يؤدي بهم الي العذاب المهين, وفي هذا انتصار لرسول الله صلي الله عليه وسلم وما جاء به من وحي من سرور تنشرح به صدورهم وبشري أن الله معهم ولن يتخلي عنهم, وللحديث بقية!