طرابلس عروس البحر الأبيض المتوسط, هكذا عرفها الناس بهذا الاسم الذي أطلقه عليها عشاقها من الطليان والعرب.ومن الناحية التاريخية لا يعرف بالضبط متي سميت المدينة بهذا الاسم و من أطلقه عليها أول مرة. ويحدثنا التاريخ أن الليبيين جميعا, من طرابلس و من كل الأراضي الليبية, قد أسهموا في الجهاد و الدفاع عن مدينتهم الجميلة طرابلس. و منهم, علي سبيل المثال, سليمان الفيتوري دفين مقبرة الشعاب الذي قاد الجهاد ضدفرسان القديس يوحنا,و في معركة الهاني استشهد الكثيرون مثل: عمر الرياني,و عبد الرحمن زبيدة, و حمد المنقوش, والتمام المرييضوغيرهم كثيرون ممن ذكرهم التاريخ و من لم يذكرهم. يتكرر المشهد اليوم في احداث ثورة السابع عشر من فبراير, فتتحرر طرابلس علي يد ابناء المدن والقري الليبية من الزاوية والزنتان وجبل نفوسة ومصراتة وزليتن وترهونة ومعظم مدن الشرق الليبي. اليوم تشهد طرابلس نزوح آلاف من أبناء هذه المدن ومن ابناء هؤلاء المجاهدين وأبناء غيرهم اليها. لذلك تكاد تختنق المدينة لجملة أسباب منها ازدياد عدد السكان دون توافر خطط إسكان مناسبة لاستيعاب الزيادة في السكان, ولعدم توافر شبكة طرق حديثة, ومواصلات عامة,ولتآكل الشبكة القديمة للصرف الصحي, و البناء في العشوائيات, ولعدم وجود أو ظهور مخطط تفصيليكامل للمدينةوضواحيها. فمعظم شوارع طرابلس اليوم باستثناء عدد أصابع اليد يبدو و كأنه شوارع خلفية لأي مدينة عصرية في العالم ناهيك عن الازدحام الذي بات السمة الأساسية للمدينة حتي أصبح من الصعب إسعاف مريض لأن حركة سير المركبات في الشوارع تكون في أحيان كثيرة شبه متوقفة. بالإضافة إليعمليات الهدم التي زادت الطين بلة, والخطير في الموضوع هو مشكل خطرالهدمالسيوسيولوجي المصاحب لعمليات الهدم التي قام بها النظام السابق والذي يحدثخلخلة للنسيج الاجتماعيمن خلال النقل القسري العشوائي للعائلات, والذي يكون سببا رئيسيا في كثرة الظواهر الاجتماعية السلبية مثل الطلاق وتعاطي والاتجار فيالمخدرات والتسرب الدراسي, والملاحظ الآن انه بدأفي بقايا الهدم المتروكةتكون عشوائيات جديدة وانتقلت اسر للإقامة في هذه البقايا المتروكة, وما لم تعالج هذه الإشكالية بسرعة وفاعلية سوف تتحول هذه الأماكن الي بؤر للجريمة والظواهر الهدامة. ومما زاد الطين بلة انتشار السلاح وغياب سيطرة الدولة. ومادامت طرابلس عروس كل الليبيين, فإن الليبيين جميعا معنيون بتجهيزها, فمن المعلوم أن من يجهز العروس هم أهلها. وتجهيز طرابلس يبدأ بجمع السلاح داخل مؤسسات الدولة من جيش وطني وشرطة وإنشاء قطار سريع يفك حصار المدينة) العروس( ليصل إلي صرمان مرورا بالزاوية في ثلاثين دقيقة والي مصراتة مرورا بالخمسوزليتن في اقل من ساعة وخط سريع آخر إلي ترهونة وبني وليد, حتي لا يضطر القادمون من هذه المدن إلي استعمال سياراتهم للقدوم إلي طرابلسفيعمل ذلك علي التخفيفمن شدة الازدحام ويساعدهم علي البقاء في أحيائهم ولا يضطرون للانتقال للعيش في طرابلس. كما أن بناء المجمعات التسويقية المتكاملة المرافقMALLS)) في تاجوراء و جنزور و قصر بن غشير سيحد من وطأة الدخول لمركز المدينة للتسوق إذ سيعتمد سكان هذه المناطق علي تلك المراكز للتسوق بدلا من التسوق من مركز المدينة, فضلا عن إنشاء مراكز مجمعة فيها مكاتب ثقافية عامة ودور عرض سينما حديثة و حدائق العاب للأطفال وعيادات طبيةوبريد.ولن يكون ذلك ممكنا إلا بوضع تصميم أساسي حضري تفصيلي للمدينةوضواحيها يأخذ في الاعتبار واقع المدينة الحالي و ما يراد لها أن تلعبه من دور في المستقبل. ولنا هنا أن نذكر أن عاصمة البرازيل القديمة, و هي مدينة ريو دي جانيرو لم تكن قابلة للتوسع لأنها محاطة بالجبال و بالبحر, و لذلك قام البرازيليون ببناء عاصمة جديدة هي مدينة برازيليا الجديدة في أرض واسعة. ومما لا شك فيه أن طرابلس لا تشكو من المحاصرة كما هو حال مدينة ريو دي جانيرو. و نشير هنا إلي أن هناك شركات عالمية متخصصة وذات خبرة كبيرة في وضع التصاميم الأساسية للمدن الكبري, علي ان يكون تحت اشراف خبرات وطنية بالطبع. كما ينبغي أن يراعي التصميم المفترض لطرابلس توزيع الوظائف الأساسية للمدينة, وجعلها علي صيغة قطاعات كبري مكتفية بذاتها. و لكن من الناحية الفعلية, نجد أن ليس للدولة خطة مدروسة لمثل هذا الإجراء المهم, و علي العكس نجد أن الدولة قد أسهمت في السنوات السابقة في عدم خروج مثل هذا التصميم لمدينة طرابلس المستقبل إلي النور, و هكذا فقد ترك الحبل علي الغارب للبناء الكيفي مما زاد في البناء العشوائي من جهة, و أسهم في ارتفاع أسعار السكن لأرقام قياسية من جهة أخري., و هو ما جعل المدينة تصل حالة الاختناق اليومي نتيجة لعدم تناسب حجمها الحالي مع مهماتها الحالية, فما الذي سيحصل للمدينة و سكانها إذا ما تضاعفت مهماتها في المستقبل, و هو أمر لا شك فيه, و بقي حجمها و تصميمها علي ما هو عليه؟ كما أن العامل الحاسم في حل هذا المشكل هو خلق تنميةمتوازنة لكامل ليبيا وبعث تنمية مكانية تتيح للناس البقاء في أماكنهم البعيدة عن طرابلس وتخلق لهم فرص عيش كريمة, ولا تجبرهم الظروف الاقتصاديةللانتقال لها, فالإنسان ينتقل غالبا وراء لقمة العيش. قديما قال الليبيون: شاكروا العروس, أمها و خالتها وعشرة من قبيلتها,فالسلطة التنفيذية) الحكومة( ينطبق عليها تماما تشبيه أم العروس. و أم العروس مشغولة ولا تقوم بعمل أي شي تقريبا, أما خالة العروس فهي كل القري والمدن الليبية التي تحب طرابلس,و كذلك العشرة من قبيلتها, و هم الكتاب و الأدباء و الفنانون و الرياضيون و كل عشاق طرابلس من الليبيين و حتي غير الليبيين.و ها هو احد العشرة من أبنائها وهو الشاعر) عبدالرؤوف بن لامين( يتغني بها بعد عودته من غربة قاربت الخمسين عاما فيكتب في أول زيارة له بعد العودة ديوان شعر من3000 بيت, حمل عنوان) أصداء علي شواطئ الأشواق( و هو ديوانلم ينشر بعد, يقول فيه: كانت طرابلس في عليائها مثلا لما تجلت عروسا مالها مثل هذي عروسي و إني اليوم خاطبهاالمهر مني لهاالأشعار و الغزل قد كنت في زحمة الخطاب منتظرا واليوم جئت بها أشدو و أحتفل أودعت في القلب سرا من محبتهاحبا تخبي بقلبي عمره الأزل كاتب من ليبيا