تشكل روسيا واحدة من أهم وأكثر الأرقام صعوبة وتعقيدا في المعادلة السياسية السورية, وتقول وكالة رويترز في تحليل إخباري لها: إن الدول العربية التي تحاول الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد تجد صعوبة متزايدة في مواجهة دعم روسيا العنيد له, أو حتي مجرد فهمه. تفسيرات عادية وغير عادية ولعل أكثر التفسيرات المحتملة شيوعا في تفسير الموقف الروسي تنصب علي صفقات الأسلحة, وعلي قاعدة بحرية روسية في ميناء طرطوس السوري, ومخاوف من تشدد إسلامي في حقبة ما بعد الأسد, لكن مسئولين روس وآخرين يقولون: إن هذه التفسيرات أغفلت زاوية أشمل. ويوضح هؤلاء أن معارضة موسكو لتغيير الأنظمة بدعم أجنبي تعكس خلافا مبدئيا مع الغرب بشأن السيادة وحقوق الدول في التعامل مع قلاقل داخلية بأي وسيلة ضرورية. ونقلت رويترز عن دنيس بوكارد الدبلوماسي السابق وخبير شئون الشرق الأوسط في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية قوله: إنه يمكن تفسير الموقف الروسي بعداء موسكو لأي تدخل في الشئون الداخلية لدولة ما, لاسيما في الأوضاع الحالية, لأن لديها ما يقلقها في الداخل. ومرة بعد الأخري أبدي مسئولون غربيون ثقتهم بأن الرئيس الروسي فلاديبمير بوتين يوشك علي التخلي عن حليفه القديم, لكن خيبة الأمل كانت من نصيبهم في كل مرة. ومرة أخري يتوقع دبلوماسيون من عدد من الدول العربية تحولا في موقف روسيا, وذكر وأن روسيا لأول مرة وافقت علي خطة الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان, أو ما تشترطه من انتقال تدريجي للسلطة. وتقدمت روسيا بتعديلات وصفتها الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا في بادئ الأمر بأنها مقبولة. وفي قمة مجموعة العشرين في المكسيك في الشهر الماضي, كان الحرج من نصيب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون, فبعدما لمح كاميرون بأن بوتين وافق علي ضرورة رحيل الأسد, فوجئ ببوتين يستبعد الفكرة شخصيا. وتحدث الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند باستفاضة عن أهمية كسب دعم روسيا, لكن في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع بوتين في مايو الماضي بدا واضحا أنه أخفق في مسعاه. وفي مواجهة كل مبرر طرحه أولوند أمام وسائل الإعلام, تقدم بوتين بحجة مضادة, وحين سأل أولوند إذا كانت روسيا ستمنح الأسد حق اللجوء؟ أجاب بوتين بأن عائلة الأسد تلقت دعوات لزيارة باريس أكثر مما تلقته لزيارة موسكو, وبرغم عدم الإفصاح عن مدي صحة ذلك, فإن أولوند بدا ممتعضا. وقال بوتين: إن الإطاحة بالرؤساء لم تقر السلام بالضرورة, وأشار إلي حالة ليبيا حيث يعتقد أن الغرب احتال علي موسكو لتدعم التدخل العسكري. وتساءل بوتين: هل أضحت ليبيا أكثر أمنا؟ إلي أين نتحرك؟ هل من جواب؟. ولاتزال الدول الغربية تأمل أن تقلب سلسلة هزائم يمني بها الأسد الموازين, مما يدفع بوتين للتخلي عنه, لكن ربما لا يكون الأمر بهذه السهولة. عقدة الشيشان ولا يبدو أن عدد الضحايا الذي تجاوز عشرة آلاف قتيل كافيا كي يغير بوتين موقفه, وتباينت كثيرا تقديرات ضحايا القتال في الشيشان, وهو الصراع الذي انخرط فيه بوتين كرئيس وزراء ورئيس دولة, لكنه في أغلبها تجاوز مئة ألف قتيل. ويقول ناشطي حقوق إنسان وشهود آخرون: إن الصراع في سوريا شمل قصفا مدفعيا لمناطق مدنية, ومذابح, وحالات اختفاء, وثمة بلاغات في سوريا الآن عن جرائم حرب محتملة. ويخشي قادة في روسيا, وفي أذهانهم الاحتجاجات ضد بوتين ناهيك عن المخاوف بشأن دعاوي انفصال في القوقاز, ولديها مخاوف بشأن الاضطرابات في التبت وشمال غرب الصين وكثير من المناطق الأخري, من احتمال اضطرارهم لتبني أساليب مماثلة مرة أخري في يوم ما. ويعتقد كثيرون أن ما يثير قلق روسيا اعتقاد متنام بأن الديمقراطيات الغربية بشكل خاص قد تتدخل عسكريا, أو بشكل آخر لمساعدة مثل هذه الانتفاضات. وأججت هذه المخاوف ثورات في جمهوريات سوفيتية سابقة مثل أوكرانيا, وجورجيا, وقرغيزستان. كما نقلت رويترز عن ستيفين سيستانوفيتش المسئول السابق بوزارة الخارجية الأمريكية, عن الاتحاد السوفيتي في الفترة بين عامي1997 و2001, وهو حاليا عضو في مجلس العلاقات الخارجية, أن الثورات المختلفة سيطرت علي تفكير بوتين خلال الأعوام العشرة الماضية. وتابع: إنه يكره فكرة أن يكون للمجتمع الدولي أي شأن بمن يتولي السلطة في أي دولة اقترف قادتها فعلا مشينا. إن بوتين يميل للتعاطف مع هؤلاء القادة. ويمكن التعلل بأن ثمن مثل تلك الثورات كالتي تشهدها سوريا باهظ جدا. الثمن الحقيقي وكتب لافروف في صحيفة هيفينجتون بوست في15 يونيو: علي الأرجح تدرك روسيا الثمن الحقيقي للثورات أكثر من معظم الدول الأخري. وتابع قائلا: نحن ندرك تماما أن التغييرات الثورية غالبا ما تصاحبها انتكاسات اجتماعية واقتصادية, فضلا عن سقوط ضحايا ومعاناة, لهذا السبب نؤيد سبيل التطور السلمي لتطبيق التغيرات التي طال انتظارها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويقول مسئولون روس: إنهم لا يتمسكون بالأسد, لكنهم يريدون عودة الاستقرار, لكنهم لم يروا بعد استراتيجية لتحقيق ذلك. وما من شك بأن الوضع في روسيا يغذي مخاوف أوسع لدي روسيا. ويرتاب العديد من الدبلوماسيين الغربيين بأن روسيا تخشي أن تصبح سوريا بعد الأسد ملاذا لإسلاميين من بينهم من يقاتلون ضد روسيا في الشيشان. ولا تعدو القاعدة البحرية في سوريا كونها محطة لإعادة التزود بالوقود, لكنها تمنح روسيا مرفأ علي البحر المتوسط ربما تتضح قيمته إذا أعاقت مشكلات مع أوكرانيا أو تركيا عمليات لأسطول البحر الأسود. وتجد روسيا في سوريا التي يحكمها العلويون وعلي نطاق أضيق في إيران الشيعية ثقلا إقليميا موازيا لكتلة أعلي صوتا للدول السنية المتحالفة مع واشنطن, وعلي رأسها السعودية ودول الخليج. ويرتاب البعض بأن روسيا تري في تقويض المصالح الغربية وإحراج قادتها هدفا في حد ذاته في مسعاها لإعادة تأكيد دورها كقوة عالمية, أو كخطة مفيدة علي المدي القصير حتي تتضح الصورة أكثر. ويقول المسئول الأمريكي السابق سيستانوفيتش: في الغرب نبالغ دائما في تصوير الجانب الدكتاتوري لبوتين. وتابع قائلا: ي روسيا ينتقده كثيرون لأنه غير حاسم, ربما هو مرتبك بشأن ما يجب عمله بشأن سوريا, وسيخلص ببطء إلي أن الأسد قد انتهي. خلافات المعارضة وقد أبرز شجار نشب في اجتماع للمعارضة السورية خلال الأسبوع الماضي بالقاهرة, الانقسامات بين من يسعون للإطاحة بالأسد وقدم عذرا للقوي الدولية لخوفها من التدخل لمصلحة معارضة منقسمة. وقد حدث هذا الشجار الذي ثار في ممرات فندق فاخر في القاهرة يوم الثلاثاء الماضي, في نهاية اجتماع استمر يومين برعاية جامعة الدول العربية, وبدعوة من وزراء عرب وأتراك بغرض إظهار وحدة الصف. لكن مؤشرات التضامن كانت محدودة مع الخلافات الواضحة بين نحو مائتي شخصية معارضة, ما بين إسلاميين وعلمانيين, أغلبهم يقيمون في المهجر بشأن شكل سوريا بعد الأسد. وتحجم الدول العربية عن إلقاء ثقلها وراء المعارضة المتشرذمة, ويقوي هذا الموقف من مزاعم الأسد بأن البديل الوحيد لحكمه هو الفوضي. وعرقلت روسيا محاولات الأممالمتحدة لإدانة حليفها القديم, في الوقت الذي ضغطت فيه الدول العربية باتجاه فرض إجراءات عقابية علي سوريا من خلال قرارات لمجلس الأمن, لكنها في الوقت نفسه لا ترغب في تكرار التدخل العسكري الذي لجأت إليه في ليبيا, والذي أسهم في الإطاحة بالقذافي. وجهة نظر موسكو ويقول محللون: إن ما حدث يدعم وجهة نظر موسكو بأنه لا بديل للأسد, مؤكدين أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد أن سحبت قواتها من العراق, تريد أيضا تفادي التورط في صراع جديد, وأن علي الجميع أن يواجهوا الأمر بأن الولاياتالمتحدة لا تريد أن تفعل شيئا, وأن الانقسام في صفوف المعارضة مبرر ملائم لها كي لا تتحرك. وكان من المفترض في اجتماع القاهرة, وهو أحد أكبر الاجتماعات لمعارضي الأسد, أن يسهم في حشد المعارضة حول المبادئ العامة لسوريا الجديدة, وأن يعين لجنة متابعة تتولي تحسين صورة المعارضة أمام العالم. حسرة المتابعة ويتابع السوريون في الداخل بحسرة جدل السياسيين في المنفي مع بعضهم البعض في الخارج, في الوقت الذي يفرق فيه الرصاص احتجاجاتهم في الداخل, وتسقط القذائف علي مدنهم, لكن حتي داخل سوريا هناك انقسامات بين الجماعات الإسلامية وغير الإسلامية, وهؤلاء الذين يدعون إلي الاحتجاجات السلمية مقابل من يدعمون الصراع المسلح.