نريد المستقبل ولكن يحبسنا الماضي والانتقام منه! ونريد البناء لكننا نحمل معاول الهدم! ندعي التوافق وكلنا ذوات سياسية تبحث عن مصالحها وعن زواياها.. نريد الله ولكن كثر الكهان! حلم البسطاء بثورة تحمل لهم حاجياتهم ومسارهم بهدوء واثق وسلمي كما كانت هذه الثورة, ولكن يستيقظون كل فجر علي مفاجأة جديدة تكشف عن تخبط المسار والأفكار والدولة والثورة! سعدوا وسعدنا بمشهدنا المعبر في الجولة الأولي من الانتخابات الرئاسية23 و24 مايو الماضي, وكانت روح التنافس علي الشعب السيد بين كل المرشحين وكل الأنصار أقوي من كل العنف الرمزي والعملي الذي سبقها, ولكن أتت نتائجها لتصدم بعض من خسرها وتصدم من أعلن مقاطعة الانتخابات قبل بدايتها فقرر العودة من جديد لملجئه في الميدان ليحدث ما عجز عنه قبلها, غير مبال بالملايين التي خرجت قبلها واختارت.. لم يفرح كما فرحت حتي قلت لو أتي المصريون بعد اختيارهم سأقبله ولو كان الجنرال يعقوب أو نقولا الترك الذي رحب بنابليون بونابرت وحملته أخريات القرن التاسع عشر.. كانت السعادة تلفنا والاختلاف يقربنا سياسيا فكل ناخب يدافع عن مرشحه يقنع به أنصار غيره أو يدافع عنه ويدفع عنه, كنا نمارس حقيقة ما ادعي بعض الثوار انهم يصنعونه في محابسهم التويترية والفيسبوكية من الحوار المجتمعي والفكري والسياسي الديمقراطي! توقعت قبلها أن يكون حمدين صباحي حصانا أسود يفاجئ الجميع فهو خيار المحتارين بين فريق الإسلاميين الذي مثله مرشح الحرية والعدالة وجماعة الإخوان الدكتور محمد مرسي المستمر في جولة الإعادة, ومعه المرشح المستقل عبدالمنعم أبو الفتوح من جهة وفريق المرشحين المحسوبين علي النظام الماضي إذا شئنا الدقة وليس السابق الذي مثله الدكتور أحمد شفيق والسيد عمرو موسي! فقد اختلفت ثقافتنا السياسية وسقط دستور71 وصلاحيات رئيسه من غير عودة وبزغت في مصر روح جديدة أهم ما يتأكد فيها ليست الأحزاب واختلافاتها وليس الثوار وائتلافاتهم ولكن الوعي الشعبي بأن السياسة لم تعد شأن نخبة بل صارت شأن الناس جميعا! مصر للمصريين حقا! وما عاد لأحد ان يخدعها أو يستلب ويحتكر هذا الحق! صدمت المفاجأة المتوقعة بفوز مرسي وشفيق في جولة الإعادة من لا يقرأون الواقع جيدا, فغضب الكثيرون ولم تنجح جهود الإخوان في تجيير هذا الغضب لصالحهم واعتبار محمد مرسي مرشح جماعتهم مرشح الثورة, ليكسبوا دعم المرشحين الخاسرين وكتلهم التصويتية التي تظل غير منسجمة وغير منظمة, وصدمها طرح الثوريين المحرج لهم بالعودة لمجلس رئاسي مدني يشترط علي مرشحهم إثباتا لإيمانهم بالثورة, وهو مزايدة مبطنة علي خسران مكاسبهم وجهودهم وأنصارهم, فرفضوه واستحال التوافق كما هو مستحيل منذ معركة التعديلات الدستورية في مارس الماضي ومازال حتي الآن! فلم يأت الدستور ولم يأت الإعلان الدستوري المكمل ولم تتحدد صلاحيات الرئيس وتتشتت بنا قراءات العزل والغدر السياسي استعادة للتمييز علي أساس سياسي ننتظر الحكم فيه قبل جولة الإعادة بيومين مع الحكم في دستورية البرلمان الحالي كذلك.. ننتظر المفاجأت التي تعودنا عليها! لا شك في أن من حق الإخوان أن يصروا علي مكاسبهم ومن حق الثوار الذين ارهقوا بين التنظيم الغالب والعسكري المسيطر والمطالب المستمرة العاجلة وشتاتهم, الا يطمئنوا لأحد!. أعذر الإخوان في رفضهم ما عرض عليهم, رغم أني لن أنتخبهم, لسبب رئيسي وهو خوفي من سيطرة جماعة منظمة علي مختلف الرئاسات وطلبا للتوازن بين القوي والسلطات, وكذلك لأني ضد الحكومة الملتحية التي كتب عنها المفكر المغربي والوزير السابق عبدالكبير المدغري! والتي لن يميزها عن النظم الشمولية السابقة غير اللحية! وهذا أخطر! سأنتخب شفيق لأن النظام الماضي لن يعود, قد اختلف النظام وحضر الشعب الذي كان غائبا, وصار يحاكم مبارك وفاسدي حقبته, وصار يقيم الأداء ويحكم علي أساسه كما كان في التوصيف الأخير لمرشح الإخوان, ولي تحفظات كثيرة علي مفهوم الفلول ومفهوم الثوري.. فهي مفاهيم مجردة وليست مشخصنة, ينبغي ان تنزل عند أشخاصها ومرجعياتهم ولحظتهم التاريخية كذلك! ولم تخل جماعة ولا حركة في التاريخ من الصالحين والفاسدين ومن خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا! وسأنتخب شفيق رغم اتهامه ورغم الحكم الذي لم يرق للبعض ضد مبارك لأني لست قاضيا ولا أؤمن بالشبهات ولا الاتهامات العشوائية دون حكم بين ثابت, وأذكر انه قد رحب به الثوار والإخوان حين اتي به مبارك رئيسا للوزراء, آواخر أيام حكمه, وأنه كما يبدو رجل واثق في نفسه رغم مصداته فتحمل إهانات علي الهواء, ولم يغادر الاستوديو علي الهواء, كما تحمل لغة الحذاء والغوغاء رغم انها صارت عادة حتي بين الثوار أنفسهم, فقد رفع الثوارالحذاء ضد بعضهم البعض اكثر من مرة, وتم طرد بعضهم من الميدان عند الاختلاف السياسي حسب الغلبة عليه! رفع في مليونية العدالة الأخيرة كما رفع في نوفمبر الماضي, ورفعها شباب من6 أبريل لا أعلم أي جبهة منها حين أصر الإخوان علي مواقفهم وأصروا علي تجيير غضبهم لمرشحهم في6 يونيو! هذه لغة الحذاء التي ينبغي ان نتطهر منها! فالبطولة والثورة الحقيقية ليست في التجرؤ والتكفير الديني والوطني ولكنها الأفعال والأخلاقيات المسئولة التي تدرك لحظتها ولا تهمل مستقبلها انحباسا في غضب أو انتقام! ربما أتهم بالتساهل أو بالتسامح ولكن هذا أفضل لي من اتهامي بالكراهية والانتقام! وأفضل لوطن أعلم أنه يحتاج الي عقل أكثر مما يحتاج الي ضجيج واتهام!