المعركة الدائرة الآن بين المرشح أحمد شفيق, والمرشح الآخر محمد مرسي هي معركة مصيرية بالنسبة لمصر والمصريين, فالمرشحان للرئاسة علي طرفي نقيض. الأول مدني بمعني أنه يسعي إلي دولة مدنية متحضرة, والآخر مرشح حزب ديني كان محظورا من قبل ويسعي إلي دولة دينية, مع أنه ينكر ذلك. ومع أن هذا الأخير يعتبر أحمد شفيق من فلول النظام السابق, بينما يتحدث هو باسم الثورة! فإن أحمد شفيق ينظر له أي لمرشح الإخوان بصفته من فلول القرن الماضي, وهكذا يوضع الشعب المصري في اختيار صعب, ومع أن هناك فريقا قرر ألا ينتخب هذا أو ذاك, فإن المتحمسين للذهاب إلي صناديق الانتخاب لهم رؤيتهم, ولهم أسبابهم, وهم الأكثرية. والواضح أن جماعة الإخوان المسلمين يستقوون بتنظيمهم ضد الآخرين يوما بعد يوم, إذ أن سيطرتهم علي مجلسي الشعب والشوري أكسبتهم نوعا من الطمع في السيطرة علي كل مصر, وهم يرون أن هذه ربما كانت فرصتهم الوحيدة, إذ أن شعبيتهم تضعف يوما بعد يوم بعد أن رأي الشعب عنجهيتهم: المتزايدة إلي حد أنهم تجرأوا علي القضاء المصري نفسه, ذلك الحصن الأخير للعدل في الدولة وفي أي دولة. ولاشك أن هتافات ميدان التحرير هم الإخوان الذين يصوغونها, ولاشك أن هتاف الشعب يريد تطهير القضاء هو من صياغتهم أيضا, والدليل أنهم لم يصبروا وأسرعوا إلي ترديد المعني نفسه وبشكل سافر داخل قاعة مجلس الشعب نفسه علي ألسنة رجالاتهم. والحقيقة أنني سعدت جدا بتلك المرافعة العظيمة التي وردت علي لسان المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة, فقد تحققت فيها تلك المقولة التي تقول إنه لا يخاف في الحق لومة لائم. لقد تكلم الرجل بجرأة, وبصوت عال, وبمنطق ينطق بالحق وبالعدل, لقد أدانوا المستشار أحمد رفعت الذي حكم علي الرئيس المخلوع بالسجن لخمسة وعشرين عاما, أي مدي الحياة, وبمبررات وأسانيد سليمة, وهي أنه لم يقتل المتظاهرين عمدا أو بنفسه, لكنه امتنع عن إصدار أمر بذلك, أي أنه مدان من الدرجة الثانية, لكنهم كانوا يريدون الإعدام.. يريدون الدم.. يريدون التطرف.. يريدون أن يحكموا هم عليه إلي الحد الذي جعل مرشحهم يتعهد في حالة الفوز بإعادة المحاكمة! * مصر دولة وسطية دينا وذوقا وطباعا.. فهي دولة زراعية وليست دولة رعوية أو بدوية.. وشتان بين ذوق وطباع الدولتين.. مصر دولة مدنية بطانتها دينية.. وليست دولة دينية.. فمناخ مصر معتدل.. ومزاجها معتدل.. وأبناؤها معتدلون. وأعتقد أن الناخب المصري قد أصبح واعيا إلي الدرجة التي تمكنه من التفريق بين الدولة المدنية التي تسعي للديمقراطية وتطبيق القانون, والدولة الدينية التي لا يعرف لها شكلا. [email protected]