تشير نتائج الانتخابات الرئاسية إلي أن الدكتور محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين سيدخل جولة الإعادة في مواجهة الفريق أحمد شفيق بكل ما يحمله من ميراث النظام السابق. بينما خرج التيار الثوري من الجولة الأولي. ومن المفهوم تماما أن يحدث ذلك الخروج رد فعل عنيفا من قبل أنصار التيار الثوري, الذين كانوا يرون في فوزهم أو علي الأقل خوض جولة الإعادة دليلا علي عمق ذلك التيار في المجتمع المصري. وبالتأكيد فإنه يمكن إرجاع رد فعل ذلك إلي الشعور بالصدمة وافتقاد البديل. فنتائج الانتخابات بهذا الشكل قد وضعت مرشحي التيار الثوري وأنصارهم في مأزق شديد للغاية. فأحلي الخيارات المتاحة أمامهم يبدو شديد المرارة. فنقل تأييدهم للفريق أحمد شفيق الذي أصبح الممثل الوحيد لفكرة الدولة المدنية هو في الحقيقة بمثابة إصدار حكم بالإعدام علي أحلامهم التي نمتها الثورة, كما يبدو في وجهة نظر الكثير منهم خيانة للثورة وشهدائها ومصابيها. أما تأييدهم للدكتور محمد مرسي فيبدو هو الآخر تسليما لمصر التي ثاروا من أجلها للإخوان المسلمين ومشروعهم لجعل مصر دولة دينية, وهي الدولة التي لم يكن أي منهم يتصور إمكانية أن تكون نتيجة الثورة التي ضحوا فيها بالكثير. أما إحجامهم عن المشاركة في جولة الإعادة فإنه خيار وإن يريح ضمائرهم إلي حد بعيد إلا أنه سيصب بكل تأكيد في مصلحة الدكتور محمد مرسي. وبعيدا عن الأمنيات, فإن الأمر الواقع الذي علي الجميع أن يعترف به الآن هو أن مصر علي مفترق طرق أو بالأحري محشورة الآن بين دولة مدنية يقودها أحد أقطاب النظام السابق وبين الإسلاميين ممثلين في جماعة الإخوان. والأمر الواقع دائما ما يتطلب طرقا أخري للتعامل معه حتي لا تتزايد الخسائر, وما حدث في الثورة الإيرانية يجب ألا يغيب عن الأذهان, وما شاهده المصريون بعد وصول الإسلاميين إلي البرلمان يجب ألا يغيب هو الآخر عن الأذهان. والسؤال الأن ماذا يفعل من لا يريد ممثل النظام السابق أو جماعة الإخوان. وإذا كانت الإجابة علي ذلك السؤال صعبة بكل المقاييس, فإن الانطلاق من فكرة تعظيم المكاسب وتقليل الخسائر تبدو الأنسب حاليا لهؤلاء. فالصراع في جولة الإعادة ستتوقف نتيجته إلي حد بعيد علي الطريقة التي سيتم بها توزيع الكتلة التي صوتت لغير المرشحين اللذين سيخوضا نجولة الإعادة, وهي الكتلة التي يمثلها حوالي9 ملايين من المواطنين. وتلك الطريقة المقترحة للتفكير ليست خاص بمصر فقط, بل اعتقد أنها نفس الطريقة التي يفكر بها المواطنون المنتمون إلي أحزاب مختلفة في الدول الديمقراطية, والمثال الفرنسي ليس ببعيد. إذ تتوزع الأصوات في الجولة الأولي التي تشهد عددا كبيرا من المرشحين, ولكن هؤلاء يعيدون التفكير حين يكون معروضا عليهم في جولة الإعادة مرشحان فقط لم يكن أي منهما مرشحا مفضلا لهؤلاء الناخبين. فدور الناخب دائما هو اختيار الأفضل من وجهة نظرهمن بين المرشحين الذين يعرضون أنفسهم أمام الناخبين. ومن المؤكد أن الكثيرين ممن صوتوا في الجولة الأولي من الانتخابات المصرية صوتوا لغير مرشحهم المفضل, الذي إما لم يخض السباق من أساسه أو تم استبعاده بقرار اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية. إذ قرر بعض الناخبين عقب استبعاد مرشحهم الأفضل التصويت لأقرب المرشحين لمرشحهم المفضل أو المرشح الذي يرون فيه إمكانية استكمال مشروع مرشحهم المفضل. ومن هنا أعتقد أن ثمة اهمية لاستمرار نفس الطريقة في التفكير في جولة الإعادة, بدلا من العزوف عن المشاركة في العملية الانتخابية. فالعزوف في الحقيقة في تلك اللحظة هو نوع من الهروب الذي لا يمكن تفهمه, فنتائجه ستكون كارثية بكل المقاييس. وفي كل الأحوال, فإنه ليس من السياسة في شيء التشبث بالمواقف الأولية بصرف النظر عن تغير الظروف, وفي كل الأحوال أيضا فإن الانتخابات الرئاسية الحالية ليست نهاية المطاف, ولكنها إما أن تكون بداية لدولة مدنية جديدة سيتوقف شكلها علي دور المواطنين في تقويمها, وإما أن تكون بداية لدولة دينية لا يعلم أحد متي وكيف يمكن تغييرها, فهوية الدولة لا تتغير في يوم وليلة أو عبر صندوق الانتخابات. [email protected]