الأداء الحزبي يقوم علي قاعدة التنافس والتحاور, وقابلية أفكار الأحزاب للمرونة والتفاعل مع بعضها, وصولا إلي ما هو الأفضل والأنفع للصالح العام, حتي لو كان طرحا من حزب منافس. أما الجماعة الدعوية فالذي يحكمها هو استمرارية الفكر, والثبات علي الأفكار المسبقة, والتي تبقي هدفا لا تحيد عنه فضلا عن ان الجماعة تعمل في مجال الدين وهو أمر مطلق لا جدال فيه, بينما السياسة في العمل الحزبي, هي أمر نسبي خاضع للجدل, والحلول الوسط. وهذا التداخل بين الاثنين يقيد قدرة الحزب علي الفكاك من القيود التنظيفية, ويضعف من قدرتها علي العمل الحزبي التنافسي. المجلس العسكري: الذي آلت اليه مقاليد حكم البلاد, في ظرف استثنائي, ولمرحلة مؤقتة, ينقل فيها المسئولية إلي سلطات منتخبة, ولأن شرعية المجلس مستمدة من الثورة, فقد كان يلزم لدعم هذه الشريعة, إفساح مجال في دائرة المسئولية لرموز الثورة سواء علي مستوي الإدارة, أو حتي المشورة, وهم طليعة الشباب الذين اطلقوا الثورة بعملية منظمة, وكذلك قطاع معروفة أسماؤه من النخبة, لعبوا دورا في تهيئة العقول والقلوب لهذه الثورة, من خلال مواقف معلنة طوال السنوات العشر السابقة, في وقفات احتجاجية, وندوات منتظمة وكتابات في صحف, وكتب منشورة. لكن هؤلاء جميعا جرت تنحيتهم عن صدارة المشهد السياسي وهو ما أوجد الفجوة التي راحت تتسع بين الجانبين. وزاد من تعقيد المشكلة, عدم وجود رؤية سياسية واضحة, لإدارة شئون البلاد, وظهر ذلك في الاضطراب في تسيير كل مكونات المرحلة الانتفالية, من الاقتصاد, إلي الأمن وإجراءات التعامل مع من اتهموا في جرائم ضد البلد والثورة, وعدم ظهور أية خطة واضحة للمرحلة الانتقالية, لحل المشاكل المتوارثة, فضلا عن عدم إعلان مشروع قومي يعطي أملا للناس, ويشعرهم ان هناك غدا افضل, مما أوجد حالة الإحباط الجماعي, التي حطت بثقلها علي الجميع, لتحل محل موجات الأمل والتفاؤل, والشعور بالانطلاق نحو المستقبل, والتي حلقت بالمشاعر إلي أعلي ذراها في الأيام الأولي للثورة. وتوازي مع هذا, انتقال الدور السياسي من المقار الحزبية, إلي الشارع, تمارسه أطراف ليست منظمة في أحزاب أو جماعات, راحت تعلي صوت الشعب, ومطالبه, وتكشف زيف النظام, وتطالبه بالتغيير. في إطار هذه الحركة الجديدة للمعارضة غير الحزبية, نشط كثيرون من الشباب, الذين ظهروا بعد ذلك ضمن المجموعات التي نظمت حركة الخروج الكبير في25 يناير, والتي تحولت إلي ثورة شعب حين استجاب لدعوتها ما بين18 20 مليونا, حسب التقديرات الدولية وكلهم يرددون نفس الشعارات, والمطالب, في مختلف مدن مصر وقراها. وإذا كان شباب الثورة قد خرجوا إلي العلن بلا قيادة, فقد وقعوا في خطأ عدم الإمساك بزمام موقف هم صانعوه, وفرض مطالبهم في لحظة تاريخية, كانوا هم فيها محور الموقف, وذلك بأن يختاروا شخصا من اصحاب الخبرة والموقف الوطني المنزه عن الهوي, ليكون متحدثا باسمهم, ومنسقا لعملهم لكنهم بدلا من ذلك تشرذموا, وتوزعوا علي كيانات متعددة, مما سهل الأمر لخطة إقصائهم, وتشتيتهم وسط محيط مصطنع من ائتلافات الصق بها وصف الثوار(159 ائتلافا) في عملية تعتيم علي الفاعلين الحقيقيين للثورة, وساعد علي ذلك ان ميدان التحرير( الرمز) كانت مداخله مفتوحة من كل ناحية في إغراء لمن يريد اقتحامه. المشكلة من أساسها تتحمل مسئوليتها الأطراف الرئيسية التي أمسكت بخيوط العملية السياسية, بين اصابعها, وهي عملية لها قواعد وأصول لكنها القت بهذه القواعد والأصول وراء ظهرها مما أتاح الفرصة لطرف خفي ليوجه ضربات متتالية لمنع استكمال اهداف الثورة, بإعادة بناء الدولة. خبير بالمركز العربي للدراسات الإستراتيجية وأستاذ منتدب بجامعة حلوان