تابعت مع الملايين غيري في مصر وغير مصر, أول مناظرة من نوعها تحدث في البلاد العربية بين مرشحين محتملين لرئاسة الدولة.. ولهذه المناظرة دلالات كثيرة, أولها الشكل الديمقراطي. فالناس عندنا لم تتعود أن يتحدث الرؤساء إلا من' فوق', وفي مناسبات يختارونها هم, وفي الغالب يكون الخطاب من' السيد' إلي' الرعاة', وعلي الشعب أن يتقبل ما يقوله الرئيس أو يتذمر في صمت, لكن هذه أول مرة يكون الشعب شاهدا ومحكما, أي أنه سيد أيضا له رأي يحتاجه الرئيس, كما أنه لأول مرة أيضا يري الناس رئيسهم المحتمل' علي طبيعته' منفعلا وغاضبا, وصادقا أحيانا, وكاذبا أحيانا, ومجاملا ومنافقا, وفيه كل الصفات الإنسانية الطبيعية التي فيهم, وليس إلها أو متألها يعاقب بالسجن من يقترب من' ذاته الرئاسية', ولاشك أن لثورة يناير فضلا في ذلك بعد أن نزعت الخوف عنهم. لقد سمع الناس تلك المناظرة بين عمرو موسي وأبو الفتوح, وبرغم أن كلا منهما كان هدفه الدفاع عن نفسه, وتجميل صورته ومبادئه وأهدافه, فإن الناس قادرون علي عملية' الفرز', فرز الصدق من الكذب, والغث من السمين, فهل أبو الفتوح مثلا مؤمن بكل حقوق وحرية المرأة؟ وهل عمرو موسي بريء تماما من مسئولية العهد السابق؟ لقد تقارب الاثنان في أهدافهما المعلنة, لكن هل هناك أهداف خفية لم يعلن عنها! لقد تكلما عن كل شيء, ولم يتكلم أحد منهما عن الشارع المصري الذي أصبح عشوائيا بمعني الكلمة حتي في وسط البلد! إن الشارع هو شكل الدولة المصغر, فلماذا لم يتحدث عنه أحد؟ كذلك تجاهل كل منهما مشكلة المرور حين سئلا: ماذا سيفعل أي منهما إذا أراد مسافر ما أن يأتي من المطار إلي بيته أو لوسط البلد في45 دقيقة؟ ** * علي أي حال إن أهمية هذه المناظرة تأتي أولا في إعادة الاعتبار للشعب كشاهد وكمحكم, وتأتي ثانيا كإعادة الاعتبار لمصر كدولة رائدة في المنطقة للديمقراطية الحديثة, علاوة علي ريادتها في الأدب والفن والحضارة والثورات, فهي صاحبة ثورة23 يوليو التي غيرت خريطة المنطقة والعالم, وأنهت الاستعمار والإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس, علاوة علي مسئوليتها في الحروب ورد الأعداء منذ رد التتار' الظاهر بيبرس' والصليبيين, وحتي حرب73 في العصر الحديث. ** * نحن نريد لمصر رئيسا مدنيا.. يؤمن بمدنية مصر, وبمبدأ المواطنة لكل المصريين, ويرعي أهل مصر صحيا وتعليميا واجتماعيا بحيث يحيون حياة كريمة بعيدا عن الشعارات الزائفة والمكررة والمحفوظة. [email protected]