هي كارثة بكل المقاييس.. ففي جميع دول العالم تحظي الآثار بشكل عام والمناطق الأثرية بشكل خاص بكل الاهتمام والتقدير من الدولة والمسئولين علي حد سواء.. لكننا في مصر ودون غيرنا نتعامل مع تاريخنا وحضارتنا بمنتهي الاهمال واللامبالاة. ولعل ما يحدث في مدينة إهناسيا بمحافظة بني سويف عاصمة الفراعنة سابقا التي تعد أكبر منطقة أثرية في العالم أمر يندي له الجبين فسرقة الآثار علي عينك ياتاجر والتنقيب عنها لا يتوقف ليل نهار. الأهرام المسائي توجه إلي هناك وفوجئ بهول الكارثة وبمحو التاريخ في المنطقة بكل أشكاله فهي التي ينقب فيها اللصوص دون أن يوقفهم أحد وهي التي تتناثر أعمدتها الجرانيتية ليقوم الفلاحون بربط البغال والحمير بها, وهي التي يلقي بالقمامة أعلي القطع الاثرية بداخلها وهي المقبرة الجماعية لنوافق الحمي القلاعية ومرتع لتلتقط الماشية أعشابها وهي التي تحولت رمالها إلي مستعمرة لقبور الأهالي وغرقت معابدها في براثن المياه الجوفية والصحية وهي التي يعج بها الآلاف من الاواني الاثرية المحطمة الملقاة علي الأرض وقامت الدنيا ولم تقعد بعد الإعلان في نهاية2010 عن الانتهاء من مشروع حماية المنطقة الأثرية في مدينة أهناسيا بتكاليف بلغت26 مليون جنيه, وقال الدكتور حواس وقتها إن المشروع يتضمن عملية ضبط منسوب المياه الجوفية بمنطقة إهناسيا والقضاء عليه تماما كما تمت إقامة سور حول المنطقة الأثرية من أجل مواجهة مظاهر التعديات وحماية الموقع الأثري من عمليات الدخول العشوائي نظرا لاتساع رقعة المنطقة الأثرية. لكن كرامة تاريخ إهناسيا ضاعت علي أيدي مسئولي الآثار بمصر وبني سويف وأصبحت نقطة مظلمة علي خريطة آثار العالم بعد أن كانت عاصمة مصر في عهد الاسرتين التاسعة والعاشرة, وكانت تعرف باسم إهنيس ومنها اشتقت التسمية الحالية إهناسيا.. تبلغ مساحة المنطقة الأثرية نحو390 فدانا وهي تحتوي علي العديد من بقايا المعابد وعثر علي مجموعة كبيرة من الآثار أهمها تمثالان من الكوارتز لرمسيس الثاني والمدينة العظيمة ذات طبيعة دينية خاصة في التاريخ الفرعوني القديم, وكانت مسرحا للاسطورة الفرعونية القديمة هلاك البحرية, وكانت مقرا لإقامة المعابد خلال الاسر التاسعة والعاشرة والثانية عشرة وخلال عصري الدولة الحديثة واليوناني الروماني. كما كانت إهناسيا عاصمة الاقليم العشرين قبل توحيد القطرين, وعثر بها علي مجموعة من المقابر من عصر الاسرة22 وبها نقوش مختلفة ومازالت بقايا أعمدة المعبد الروماني موجودة حتي الآن بالمنطقة, كما خرجت من المنطقة مجموعة كبيرة من الاثار الصغيرة المتمثلة في الأواني الكانوبية أواني حفظ الاحشاء عند تحنيط المتوفي, والتمائم, والأواني الفخارية, والحلي الموجودة في متحف بني سويف ومتحف إهناسيا حاليا ومازالت الاكتشافات الاثرية والمعابد الفرعونية تتوالي في المنطقة التي لم تبح بأسرارها بعد. في البداية يقول أحمد دسوقي محاسب لا أحد يستطيع أن ينكر أن ثقافة الحفاظ علي الآثار وعدم سرقتها من قبل بعض الأهالي تكاد تكون معدومة لكنها لا تقارن بعد وجود ثقافة الحفاظ علي الآثار من قبل المسئولين عنها الذين لم يقوموا بنقل القطع الاثرية المتناثرة داخل المنطقة الاثرية بإهناسيا قبل الانفلات الأمني وبعده وظلت معرضة للسرقة والنهب وإلقاء اطنان القمامة عليها من قبل عمال النظافة مما يجعل هناك صعوبة في فصل القطع الاثرية عن القمامة. ويشير عمر حنفي مدير أحد المخابز إلي قيام العديد من اللصوص بجلب الخيام والاسلحة وعسكروا في المنطقة الاثرية لأيام قاموا خلالها بالحفر للتنقيب عن الكنوز وقاموا بتكسير العديد من الحجارة الفرعونية والاف الأواني المستخرجة من باطن الارض فالذهب والمومياوات الهدف عندهم ولولا حماية الاهالي لمخزن الآثار العملاق والمتحف بإهناسيا لفقدت مصر ثروة لم تقدر بثمن. ويستطرد محمد عبدالرؤوف مدير أحد المصانع الغذائية قائلا: الكل يتعجب من عدم وجود أي خدمات سياحية بالمدينة في حين أن الآثار الموجودة بها تكفي لاعتماد اقتصاد دولة عليها في حال أجادت تسويقها أما عندنا بإهناسيا تجد الكثير من الفلاحين يقومون بربط الماشية بالعشرات من أعمدة المنطقة المتناثرة ويترك ايضا مسئولو المنطقة الاثرية المعابد التي لا مثيل لها تغرق في المياه الجوفية ومن جانبها, أكدت نادية سيد محمد مدير عام الآثار ببني سويف إلي أن المياه الجوفية ترتفع عن سطح الأرض15 سم فقط, والمشروع الخاص بحماية المنطقة الاثرية الذي تم تنفيذه في عهد زاهي حواس من أفضل المشاريع الاثرية علي الاطلاق والمياه الارضية موجودة بسبب عدم توقيع الوزير السابق علي عقود الصيانة الخاصة بالمشروع ولم يعمل المشروع الخاص بشفط المياه من المنطقة الاثرية, منذ ذلك الحين, لذا قمنا بطرح مناقصة الآن لمشروع الصيانة بسبب تكاليفه الباهظة فلا يصلح اعطائها لأي شركة بطريقة مباشرة, وأضاف أن قلة الوعي عند الاهالي جعلتهم يقوموا بتكسير أحد المعابد ظنا منهم بوجود كنوز اسفله ويقوموا ايضا بادخال ماشيتهم لتقتات من أرض المنطقة الاثرية وتكسير السور المحيط بها ووعدت بأن مع استقرار البلاد سيتم عودة كل شيء لاصله. وقالت نادية سيد إن فترة وجود مراسلي ومصوري الأهرام المسائي داخل المنطقة الاثرية ربما تكون فترة تسليم ورديات العمل أو فترة غذاء الحراس برغم وجودنا بالمنطقة لمدة تزيد علي4 ساعات وسط الآثار بإهناسيا بمفردنا برغم وصفها الحراسة الخاصة بالمنطقة الاثرية بأنها من أفضل الحراسات بالمناطق الاثرية بالمحافظة, وعللت وجود الناس داخل المنطقة الاثرية هو استخدامها كمختصر في العبور لقراهم بعد هدم بعض اجزاء السر بالرغم من إنشاء هيئة الآثار طرق بديلة لهم خارج تلك المنطقة وعابت علي الاهالي الذي قاموا ببناء المقابر داخل المنطقة وقالت إنها تتعامل بحزم مع كل من قام بالبناء حول السور وداخله. حيث تمت مقاضاتهم وحصلنا علي عدة احكام قضائية ضدهم, والقت مديرة الآثار بالكرة في ملعب الشرطة, وحملتها المسئولية في تنفيذ حملات الإزالة وان الحراسة الخصوصية هم من يقفوا مع الهيئة بالمحافظة حتي الآن لكن لا يمكنهم تحت أي ظرف ان يسيطروا علي200 فدان ابوابها مهدمة.