نستمع لأي مفكر من داخل تلك التجمعات يحلل الأمر ويصف الداء والدواء بل انشغل الجميع في تفاصيل صغيرة كثيرا ما تأخذنا الأحداث لندور معها في دوامة لا نعرف ما المخرج منها, ورغم أن هذا المسار يعتبر لدي الغالبية تقليديا يعذر به الفرد في العديد من تصرفاته, إلا أنه لدي النخبة مسار غير مقبول! من يتصدرون المشهد, أيا ما كانوا, عليهم أن يكونوا من النخبة ليس لأنهم يقفزون فوق التفاصيل ليسبروا غور الأمور ولكن لأن بصيرتهم تقودهم إلي سبر غور الأمور بالنفاذ تحت القشرة الخارجية التي تغلف أغلب أفعال لاعبي المسرح خاصة عندما يكتشفون أن المسرح مسرح للعرائس. لا يقف الأمر عند متابعة حركة الأصابع بل يتعداه ليكون رؤية لمسار الأحداث دون أن نتغافل عما يقفز علي المسرح. الصورة في الشارع السياسي تبدو وكأنها مسرح للعرائس يتم تمثيلها من خلال مسرحية لم تكتمل بعد حيث يلعب العديد من الأفراد أدوارا يظنون أنها لهم ولكنها لغيرهم بدراية وبدون دراية! لقد فات النخبة ألا تنزلق إلي متابعة المشهد وتنسي واجب تحليل وتدقيق وطرح رؤي لاستكمال المسرحية! لقد غابت تلك النخبة عن المشهد حتي من خلف الستار والتي كان عليها أن تتصدر الساحة لا أن تقبع خلف المشاهدين. ولكن من هم النخبة في مشهد الوطن؟ هل النخبة هي التي تملأ الفضائيات عويلا كرد للفعل الذي يأتي من كل اتجاه, أم هي التي تقاعست عن أن تفكر للوطن؟ وبصرف النظر عن التوجه وسطا أو يمينا أو يسارا فعلي نخب تلك التوجهات أن يطرحوا ما يرونه لازما لإصلاح حالة الوطن في محنته الحالية التي يتجاذبه فيها العديدون ليقطعوه إربا. القضية لم تعد أي الطرق أقوم فالجميع لم يقدم آليات التطبيق لخطبه الزنانة. في الظرف السياسي الحالي, ما قدمه المستقلون والأحزاب الممثلة في المجلس النيابي أغلبية وأقلية لم يخرج من شرنقة المجلس النيابي في العقود السابقة. لم نستمع لأي مفكر من داخل تلك التجمعات يحلل الأمر ويصف الداء والدواء بل انشغل الجميع في تفاصيل صغيرة( رغم أهميتها) ليتقاذف الجميع الاتهامات في التقصير الحادث في ساحة الوطن! المشهد يخيل إلي المتابع أنه تجمع للمجالس المحلية وليس لمجلس تشريعي مناط به التشريع لحل أزمة الوطن بفكر مختلف. لقد صوت الناخبون لنواب المجلس الحالي لأنهم مختلفون وهو أمر يفقده هؤلاء النواب يوما بعد يوم, حيث لم يعالج المجلس تشريعيا البنية المجتمعية والتنفيذية والتشريعية التي أوجدت مناخ الفساد الذي مازال يعشش في أرجاء الأمة, أفرادا ومؤسسات. الأمر ليس صعبا وليس هينا لأنه يحتاج إلي بصر وبصيرة وباختصار يحتاج إلي قادة شموخ وليس إلي أفراد عاديين مهما ملكوا من مال وجاه وسلطة! لن أعدد صفات القيادة الحقة فالكل يعرفها بل قد يحفظها ولكن لا يطبقها إلا النذر اليسير. لقد نكبنا بألا نعمل في جماعات وتضخمت لدينا الأنا حتي صمت آذاننا عن سماع دعوات الإصلاح التي باتت تأتي همسا وسط ضجيج الإعلام الذي يبحث عن الإثارة في الخبر وليس الصدق فيه. لقد تنادت دعوات عدة بإعلام ملتزم بحقوق المواطن, صادق في النقل والتحليل ولكنها تاهت وسط ضجيج المال. الأمر يدعونا للبحث عمن وصفهم شاعرنا صفي الدين الحلي منذ حوالي سبعة قرون: قوم إذا استخصمواكانوا فراعنة يوما وإن حكموا كانوا موازينا أستاذ هندسة الحاسبات, كلية الهندسة, جامعة الأزهر [email protected]