في عام1984 كان أول خروج له من الولاياتالمتحدة لكي يحط في ميدان التحرير, حيث التحق بالجامعة الأمريكية بالقاهرة طالبا للدراسات العليا واللغة العربية, وليقع في حب مصر وثقافتها. ومن هنا بدأت فكرة البحث عن سبل للتقريب بين العالم العربي والولاياتالمتحدة لمزيد من الفهم المتبادل, ثم تطورت الفكرة في عام1993 إلي قيامه بجلب طلبة أمريكيين إلي مصر لتحقيق هذا الهدف. فيما بعد, نجح في تأمين تمويل للبرنامج الذي بدأ بخمسة طلاب من جامعة نورث إيسترن التي يدرس بها للبرنامج, ثم زاد العدد بمرور الوقت حتي وصل إلي42 طالبا في الرحلة. والبرنامج بمثابة حوار مفتوح بين شباب أمريكيين ومصريين. تلك كانت لقطات مركزة ومقربة من حياة البروفيسور دينيس سوليفان التي هي عمله في نفس الوقت استاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة نورث إيسترن الأمريكية العريقة, ومدير مركز حوار الحضارات بنفس الجامعة, والذي يقود ويقوم بحوار فريد من نوعه ليس بين الخاصة من الباحثين, وإنما بين شباب مصر ونظرائهم الأمريكيين.وحيث إن عمل الرجل يقوم علي حوار الحضارات, فقد كان لنا معه حوار حول هذا... ** لماذا مصر والمصريين؟ * سوليفان: كان يمكن تنفيذ هذا البرنامج مع دول عربية أخري, ولكن اختيار مصر كان لسببين: أولهما ارتباطي الشديد بمصر وخبرتي بها, وثانيهما هو أن مصر هي أفضل تجسيد للثقافة العربية ولانفتاحها علي الآخر بالرغم من التيارات المحافظة بها. ** عشت وتعلمت بمصر في بداية ثمانينيات القرن الماضي, ثم قمت بالتدريس بها مؤخرا, فما التغيرات التي رصدتها علي الشعب المصري فيما بين التاريخين سواء علي مستوي التعاملات فيما بينهم, أو فيما بينهم وبين الآخر؟ * سوليفان: هو نفس ما يرصده المصريون; فالملاحظ أن المصريين حاليا علي درجة عالية من التوتر. وقد طالت التغيرات الأطفال والمراهقين, فبالرغم من أن هذه التغيرات عالمية, إلا إنها تبدو غريبة بشكل أكبر في مصر. مثال علي ذلك, أنه لم يعد يوجد الاحترام والطاعة للوالدين كما كان عليه الأمر في الماضي. وبالرغم من ذلك, فإنني مازلت مقتنعا بأن قاهرتي التي عايشتها منذ ربع قرن مازالت قائمة بكل ثرائها الثقافي والتاريخي, جنبا إلي جنب مع قاهرة جديدة. ومهمتي في برنامج الحوار الحضاري الذي أديره هو أن أرشد الطلبة الأمريكيين إلي القاهرتين. ولذا, فإن نصيحتي للغربيين الذين يودون التعرف علي العالمين العربي والإسلامي هي التوجه لمصر والنهل منها; فهنا تتجلي مظاهر الحضارتين الإسلامية والعربية بأوضح صورها لما يزيد علي ألف عام. ** البرنامج بهذا الشكل يبدو وكأنه موجه لإفادة الطلبة ممن سيتقلدون فيما بعد وظائف في منطقة الشرق الأوسط من دبلوماسيين وغيرهم; ولكن ماذا عن تقريب الثقافة العربية والإسلامية من الشعب الأمريكي بصفة عامة, وإزالة سوء الفهم الحضاري بين الجانبين؟ * سوليفان: أعتقد أن تأثير برنامج الحوار سيكون مضاعفا علي الذين لن ينتهي بهم الحال تولي وظائف حكومية تتطلب الخدمة في المنطقة, فالبرنامج ليس تأهيليا لوظائف حكومية تقليدية. وحتي الآن أتلقي خطابات ورسائل من طلبة اشتركوا في البرنامج منذ15 عاما يؤكدون فيها كيف حول هذا البرنامج مجري حياتهم ونظرتهم للعالم ككل, وللعالمين العربي والإسلامي. وبمجرد غزو أمريكا للعراق واحتلالها, قلت لنفسي هذا هو الوقت الذي يجب أن أوضح فيه لأبناء وطني لماذا يقاومنا الآخرون. وعندما أنظر إلي الوراء أري أنني نجحت بمفردي في تأهيل أكثر من500 شاب أمريكي لكي يقتربوا ويتفهموا هذه الثقافة, والكثير منهم حاليا يعملون بالتدريس وفي مجالات الإدارة والإعلانات وغيرها من المجالات. ** ما المنهج الذي تتبعه في البرنامج؟ * سوليفان: لدي فصلان: الأول: وهو تعليم اللغة. الثاني: وهو يعتمد علي كتاب ألفته حول الإسلام في مصر, والذي يتناول إلي جانب ذلك علاقات مصر بأمريكا وإسرائيل والمنطقة بأسرها. بالإضافة إلي رواية زقاق المدق لنجيب محفوظ, ثم كتاب حول تاريخ مصر الإسلامية. ** في رأيك, ما هو الخطأ الذي حدث في العلاقات الأمريكية العربية الإسلامية لكي يحدث هذا الجفاء الذي يصل في بعض الأحيان إلي العداء, ومتي حدث ذلك ؟ * سوليفان: أعتقد منذ بدأت أمريكا في التحول إلي المعتدي بدلا من أن تكون الحامي, وهو الأمر الذي وصل إلي ذروته بعد أحداث11 سبتمبر واحتلالنا لكل من أفغانستان والعراق. ولكن حتي قبل ذلك, فإننا قمنا بالعديد من الاعتداءات, بما في ذلك عدواننا علي السودان بقصف مصنع للأدوية, وقبل ذلك قصفنا مقر إقامة الزعيم الليبي القذافي. وبعد أن كنا الحامين في أزمة السويس في عام1956 ووقوفنا مع المباديء والحق- بالرغم من اختلافنا مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر- تحولنا إلي معسكر المعتدين, حيث نجحنا في شيطنة أنفسنا, والأخطر أننا أعطينا الفرصة للعناصر المناوئة لنا في المنطقة لشيطنتنا. وفي الوقت الذي انتصرنا فيه للمباديء مع خصومنا عبد الناصر في عام56 فإننا امتنعنا عن نصرة أصدقاء علي الظلم مثل الرئيس اللبناني الراحل كميل شمعون; فقد وقفنا معه في محنته, ولكننا قلنا له لن نؤيدك في محاولة التمديد في الرئاسة بالمخالفة للدستور; مرة أخري الوقوف إلي المباديء. ** لقد رصدت التحول في المواقف الأمريكية ولكنك لم تجب عن السؤال: لماذا هذا التحول؟ * سوليفان: أعتقد أنه الطمع في مزيد من السلطة والهيمنة والأموال; لقد اصبحنا أمة شرهة لكل هذه الأشياء, وقد كان للحرب الباردة دخل في مضاعفة تلك الظاهرة. إلا أن هذا التحول الخارجي في السلوك الأمريكي صاحبه تحول أخلاقي سلبي في الداخل أيضا. فأنا أقرأ حاليا كتابا صدر حديثا بعنوان' الأمريكي الوحيد', وهو الذي يتناول هل حدث خطأ في العلاقات الداخلية بين الأمريكيين. الكتاب مدعم بإحصاءات مرعبة مثل60% من الأمريكيين بمدينة نيويورك يعيشون بمفردهم في حالة من الوحدة, في حين أنه علي مستوي أمريكا كلها, تصل النسبة إلي25% هؤلاء البشر يتفاعلون مع الآخرين من خلال احدث وسائل الاتصال, إلا أنهم لا يرغبون في الاقتراب من بعضهم البعض ولا تحمل مسئولية وإلتزامات العلاقات الإنسانية! ما يهمني من ناحية أخري هو انعكاس ذلك علي سلوكنا ومواقفنا الخارجية, فنحن نرغب في أن يحبنا الأخرون, في الوقت الذي نرغب من هؤلاء الآخرين أن يبتعدوا عنا بمشاكلهم ومسئولياتهم, ولكننا في الوقت ذاته عندما نقترب نطأهم في كثير من الأحيان ونتسبب في معاناتهم! ** ما هي التحولات الدينية التي شهدتها أمريكا في العقدين الأخيرين والتي انعكست بالسلب علي علاقاتها الخارجية وتغير مبادئها؟ * سوليفان: علي غرار سياسات شركات صناعة الدخان الأمريكية التي لجأت في السنوات الأخيرة لزيادة صادراتها القاتلة للعالم الثالث بعد أن كسدت بضاعتها بشكل كبير في الغرب, فقد نجحت المسيحية الإنجيلية الأمريكية في تصدير تشددها وتطرفها إلي العالم الثالث. وكنت أطالع الصفحة الأولي في صحيفة الهيرالد تريبون اليوم لكي أجد دعوة في أوغندا لإعدام الشواذ جنسيا شنقا, وليتضح أن تلك الدعوة جاءت استجابة لنشاط دعوي إنجيلي يقوم به في تلك الدولة الأفريقية قساوسة أمريكيون! ** الحديث عن حوار الحضارات في ظل ما تسوقه هذا يطرح سؤالا: ألا تستحق هذه التحولات الأمريكية الداخلية التي تطول بسلبياتها الخارج, حوارا أمريكيا- أمريكيا في المقام الأول؟ * سوليفان: بالتأكيد, وبقدر الحاجة إلي حوار مصري مصري, ولكن هذا لا يغني عن الحوار المصري الأمريكي. ** تاريخيا جرت العادة علي أن قلب العالم الإسلامي وهو عربي في معظمه تأثيره طاغ علي الأطراف التي معظمها غير عربي, في حين تحول هذا الأمر في العقدين الأخيرين إلي أن تؤثر الأطراف الجغرافية الإسلامية غير العربية علي القلب... أين الحوار بين الثقافات والحضارات من تلك الظاهرة الجديدة ومن مناطق التأثير الجديدة في الأطراف؟ * سوليفان: صحيح, ولكن لا أحب أن أقول أن ذلك يفوق قدرتي. إلا إنني أقر بأهمية إجراء حوار مع هذا الجانب الجغرافي والثقافي من العالم الإسلامي, وهناك آخرون علي مستوي عال من الكفاءة والتخصص في هذه المناطق. ولكن المهم هو أنه علينا نحن الأمريكيين أن نعتذر عن الاخطاء التي بدرت منا وهذا لن يحدث من دون الاقتراب والدخول في حوار علي اساس من الاحترام, وذلك جنبا إلي جنب مع الحفاظ علي أمننا. نحن بحاجة إلي درع في يد, في حين تكون اليد الأخري ممدودة لايادي الأخرين للتعارف والفهم وليس أن تمتد بسيف. أيضا, نحن بحاجة في أمريكا لأفئدة منفتحة علي الآخرين والتخلي عن مبدأ القوة الأحادية. ** في تقديرك من المستفيد الأكبر من برامجك: الأمريكيون أم المصريون كممثلين للعرب؟ * سوليفان تفكير أتمني أن تكون الاستفادة متبادلة ومتساوية, ولكنني أعتقد أن الجانب الأمريكي هو المستفيد الأكبر, لأن معظم المصريين هم مواطنون عالميون منفتحون علي أمريكا وتاريخها, وبشكل يفوق أحيانا وفي بعض الجوانب أقرانهم الأمريكيين, وبالتالي, فإن تجربة الحوار تفيد الأمريكيين بشكل أكبر. ** لماذا اخترت فئة عمرية من المراهقين وليس من الكبار؟ هل لأنك فقدت الأمل في الجيل الكبير؟ * سوليفان: السبب هو أن البرنامج تقوم به الجامعة التي أقوم بالتدريس بها. في الوقت ذاته, فإن هذه الفئة العمرية يكون أصحابها بمثابة الإسفنج الذي يمتص كل شيء, كما يمكنها تغيير مواقفها ورؤاها بشكل أسهل بالمقارنة بكبار السن. وقد انعكس ذلك في نسب التصويت العالية للشباب للرئيس الديمقراطي باراك أوباما حتي في معاقل الجمهوريين. وبالمناسبة, فإنني أحضرت منذ عام مرشح الرئاسة الديمقراطي الأسبق مايكل دوكاكيس- هو صديق حميم وأستاذ بجامعة شمال شرق في ولاية ماساتشوستس- ضمن برنامج الحوار للقاهرة لكي يبدأ حديثه لجمهور الشباب المصري بتقديم اعتذار حيث قال:' لو كنت هزمت جورج بوش الأب في انتخابات عام1988 لما جاء جورج بوش الإبن ولم يكن لينتهي بنا الحال لهذا الوضع البائس'!