نوال السعداوي.. قد تختلف مع الكثير من آرائها لكنك لا تملك الا الاعتراف بشجاعتها وربما الاعجاب بوضوحها وصراحتها. يعرف الكثيرون انها كاتبة وأديبة لها47 مؤلفا ترجمت الي40 لغة ويعرف القليلون انها طبيبة نفسية.. اما الذي ترفض نوال تعريفها به فهو لقب ناشطة سياسية!! استقبلتني في بيتها الذي يطل علي النيل من الطابق السادس والعشرين وكأنها ارادت بهذا الارتفاع ان تهرب من مطاردة الاعلام لها حسبما قالت لي وهو مادفعني لأبدأ بسؤالها ** منذ متي ونوال السعداوي المعروفة بشجاعتها.. تخشي من مواجهة الاعلام؟! * ليست مسألة خوف.. فأنا رأيت الموت بعيني ولم أخف لكنها مسألة كرامة وحفاظ علي سمعتي واسمي الذي يجب ان يظل ساطعا مثل الالماظ.. والاعلام حاول علي مر عقود طويلة تشويه صورتي لدي الناس عن طريق تحوير كل ما اقوله لاصطياد المانشيتات المثيرة حتي البرامج التليفزيونية يتم عمل مونتاج لتشويه ما اقوله فيها ليتناسب مع مايريدون ترسيخه في اذهان المشاهدين ** ولماذا انت بالذات؟ * السبب مفهوم ومعروف وهو انني عمري ما نافقت السلطة او الحكم ولم اخضع لهما في حياتي فسجنني السادات ونفاني مبارك وتم اقصائي بأوامر عليا من جميع الوزراء والمسئولين المتعاقبين وتم فصلي ورفدي ورفع اسمي من قوائم الكتاب ومازلت اعاني حتي هذه اللحظة من حملات التشويه. ** بصراحة.. هل تشعرين انك صرت منبوذة بسبب ذلك؟ * اطلاقا!! بل اعتقد انهم فشلوا تماما في تحقيق هدفهم وتشويه صورتي لدي الناس الذين اشعر بمحبتهم واحترامهم لي في كل مكان: في المبني الذي اقطن فيه والشارع الذي اسير به يستوقفني الناس من كل الطبقات ليحيوني ويشكروني وينقلوا لي تأثرهم بأفكاري. ** الي اي حد تتأثرين نفسيا بتلك الحملات؟ * تهمني سمعتي كما قلت لك ولا أحب او اسمح ان يشتمني الناس لكنني لا اتأثر نفسيا ابدا بتلك الاشياء! الشيء الوحيد الذي يؤذيني نفسيا وقد يصيبني بالاكتئاب هو عدم القدرة علي الكتابة لأي سبب.. حتي تجربة السجن لم تصبني بالاكتئاب بعد ان استطعت استعارة قلم كحل من احدي السجينات وكتبت علي المناديل الورق.. وقتها تهاوت قضبان السجن امام عيني. ** قلت انك تعرضت للاضطهاد في عصر عبدالناصر والسادات ومبارك وانك مازلت تتعرضين له حتي الان الم تفكري ان المشكلة قد تكون في نوال السعداوي؟ * بالطبع لا.. المشكلة انهم كلهم علي اختلاف اسمائهم يمثلون نظاما واحدا.. نظاما سيئا وفاسدا لم يتغير وقد رأيت العديد يقفون في وجه نظام ثم ينافقون النظام الذي يليه.. ورأيت كثيرين يقفون حول مبارك وينحنون امامه ويقبلون جوائزه وهم الان يتملقون الثورة.. ولو كنت اريد ان اعيش مليونيرة في قصور واحصل علي اعلي الجوائز لفعلت لكنني لا اتلون ولا انافق. ** لكنك تعرضت ل الفصل من احدي الجامعات الامريكية ايضا أليس لهذا دلالة؟ * هذا صحيح فقد دعتني جامعة ميزوري لتدريس علم الابداع والتمرد الذي اخترعته انا واسسته واقدم محاضراته في عدد من جامعات العالم.. وتعاقدت معي عميدة الكلية مقابل اجر سخي جدا و دعتني لالقاء محاضرة كبيرة حضرها رئيس الجامعة الذي كان مواليا لجورج بوش رئيس امريكا وقتها فألقيت محاضرتي التي انتقدت فيها النظام الامريكي. ولم يعجبه كلامي وقال ان بقائي في الجامعة سيكون علي جثته! وعلي فكرة هذا الموقف تكرر في أكثر من جامعة في الخارج اما دلالته فهي ان النظام السياسي ليس فاسدا في مصر فقط لكن النظام العالمي كله فاسد ومصر ما هي الا جزء من هذا النظام. ** المسألة هكذا صارت اكثر تعقيدا.. فهل ستواجهين النظام العالمي؟! * ولم لا ؟! وسيتغير.. بل هو في طريقه الي التغيير بدليل المظاهرات في العالم كله في امريكا وبريطانيا واسبانيا وغيرها.. المظاهرات اصبحت في كل الميادين يطالبون بسقوط النظام.. وسيسقط قريبا. ** الا تشعرين احيانا انك دفعت ثمنا باهظا للدفاع عما تؤمنين به؟ * نعم الثمن كان غاليا دفعته من حياتي الخاصة لان ابني وابنتي تعبوا معايا واضطهدا كثيرا كما دفعته من حياتي العامة لانني رفضت الحياة السهلة المريحة الثرية.. لكن المقابل كان يستحق واكبر مما دفعت وهو شعوري بالحرية.. حرية الابداع الذي تطغي لذته علي اي الم.. هذا هو التعويض الحقيقي. ** تعنين انك لم تشعري بالندم؟ * اطلاقا.. انا لا اعرف مشاعر الندم والحسرة والمرارة ولو عاد بي الزمن الي الوراء لاخترت نفس الطريق خاصة عنما انظر حولي فاكتشف ان زملائي من الكتاب والاطباء رحلوا عن الحياة مبكرا اما انا فأتممت عامي الثمانين وأنا سعيدة وقوية وكأن المعاناة تعطي قوة صلابة وصحة, ** ومن اين اتيت بكل هذه الثورة والتمرد الذي كان سببا في معاناتك؟ * جزء كبير منهما هو جينات ورثتها عن ابي وامي.. فوالدي كان ريفيا بسيطا لكنه علم وثقف نفسه وتمرد علي الازهر وتم فصله وامه كانت فلاحة لكنها كانت تقود قرية بعمدتها!! أما والدتي فكانت من أسرة فوق متوسطة وكانت تخرج في المظاهرات وتم سجنها يوما في ذلك الوقت.. ومنهما تعلمت الا افعل سوي الذي اقتنع به والا القي بالا كلام الناس او لهجومهم علي. ** بالمناسبة.. كيف تفسرين صعود تلك التيارات الدينية للحكم؟ * بانتخابات مزورة!! وصعودهم هو صفقة قديمة بين الامريكان والسلطة بدءا من السادات الذي قبل المعونة فأصبحنا في عهده مستعمرة امريكية واستمر الوضع طوال حكم مبارك ثم جاء المجلس العسكري ليكمل الصفقة باجراء انتخابات قبل وضع الدستور مما سينتج عنه انتخابات رئاسية مزورة ايضا! ** تتحدثين وكأنك لاتؤمنين بقيام ثورة يناير؟! * لا.., الثورة قامت بالفعل لكنها قامت علي المستوي الشعبي ولم تصل لمستوي الحكم وهي الان في مرحلة كمون وستنفجر مرة ثانية وثالثة لان الشعب المصري خرج من القمقم ولن يستطيع احد اعادته اليه.. لذلك سيثور ضد النظام وضد الرئيس القادم وسيسقطه سريعا. ** لو لم تكن الانتخابات مزورة كما تعتقدين.. من ستنتخبين؟ * ولا واحد في المرشحين يصلح للرئاسة.. كان يجب أن يأتي شاب من الميدان لكنهم ضربوهم وشوهوا صورتهم واتهموهم بالبلطجة والعمالة وتركوا لنا مرشحين يهرولون وراء المنصب وينفقون الملايين ليحصلوا عليه ما يدعونا لأن نسأل أنفسنا ماذا سيأخذون مقابل ماانفقوا؟ ** هناك أحزاب ليبرالية جديدة يتفق بعضها مع آرائك.. لماذا لم تنمضي لأحدها؟ * ولماذا انضم إليها؟ ولا حزب واحد أعلن عن رؤيته وبرنامجه وفكرته.. كل تنظيمي كلام في كلام.. كما أنني لا احب السياسة ولم امارسها لأنها لعبة غير نظيفة واكره تسميتيناشطة سياسية فأنا طبيبة وأديبة اشارك في الثورة بقلمي وكتاباتي وادافع عن حقوق المرأة والمجتمع واعتبرها قضايا سياسية فالسياسة في مفهومي لاتنفصل عن المجتمع أما الأحزاب السياسية فهي لايهمها غير السلطة والحكم ولاعلاقة لها بالمجتمع والفكر والأدب. ** إلي أي مدي تعتقدين أن المجتمع تأثر أو اقتنع بارائك؟ * لا توجد امرأة في العالم العربي لم تتأثر بأفكاري!! واقابل يوميا فتيات ونساء يشكرونني علي انني غيرت حياتهن للأفضل, بل ان الشباب والرجال هم أيضا تأثروا بكتاباتي وكثيرا مايحضر لزيارتي شاب لااعرفه بصحبة خطيبته ليقول لي أنه يشكرني لأنني أسهمت في تشكيل عقل الفتاة التي اختارها للزواج. ** ليست كل النساء في قوة نوال السعداوي التي اقدمت علي الطلاق الثالث وهي تقترب من الثمانين.. كيف كانت التجربة؟ * طبعا تجربة اليمة وقرار صعب! كثيرون يعتقدون انني مجنونة أو متهورة وهذا ليس صحيحا.. فأنا بطبيعتي أقدر من ارتبطهم وأضحي من اجلهم سواء كانوا ابناءا أو أزواجا أو حتي جيرانا فما بالك بزوج ارتبطت به43 عاما!! والمرأة الهايفة هي التي تتزوج وتنطلق بسهولة وأنا لست هذه المرأة. لكن عندما يكون الخطء كبيرا يجب أن أقول ستوب. ** وما هي الأخطاء التي اعتبرت انها تستوجب انهاء زيجاتك؟ * أولا يجب أن اعترف بأن أزواجي الثلاثة كانوا أفضل3 رجال في مصر! لكن مع هذا فقد تأثروا بالمجتمع الذي يعيشون فيه والذي يفرض علي المرأة التي تتفوق علي زوجها ان تظهر عكس ذلك حتي ينجح الزواج وأنا لم استطع التظاهر بأنني الأضعف. ** تقصدين انك كنت أقوي من أزواجك؟ * نعم هذا صحيح.. فأنا امرأة قوية ولست أقوي من أزواجي فقط لكنني أقوي من رجال كثيرين! حتي أصدقائي وزملائي في الخارج عندما تجمعني بهم محافل دولية أجدني أقوي منهم وهم يعترفون بذلك ** هل كان ذلك هو السبب الوحيد وراء تعدد طلاقك؟ * كان سببا رئيسيا لكن كانت هناك أسباب أخري مثل الكذب الذي لا اتحمله ولا أطيقه, ومثل الغيرة من النجاح التي يشعر بها الرجل تجاه نجاح زوجته فالعلاقة الزوجية لا تستقيم بزوجة ناجحة جدا وزوج لا يستطيع تحقيق نفس النجاح أو نجاح مقارب وأنا شخصيا عانيت كثيرا في طفولتي حينما كنت انجح وأطلع الأولي بينما يرسب أخي فتحزن العائلة لرسوبه ولا يفرح أحد بنجاحي. ** لانك امرأة غير عادية.. هل من الممكن أن تعيشي قصة حب وتقدمي علي زواج جديد؟! * زواج جديد لا أعتقد, أما الحب فربما.. مين عارف الحب ليس له وقت أو عمر لكن علي العموم أنا أعيش الحب بمعناه الواسع وحياتي مليئة بصور الحب المختلفة. ** بمناسبة الحديث عن الحب والزواج ألم تفكري يوما ان تتجملي أو تتزيني؟ حتي ولو بتلوين شعرك؟ * أنا عمري ما فكرت ان استخدم ال ماكياج ومنذ وعيت علي الدنيا وأنا أري شعري أبيض ثلجيا لدرجة انني لا أذكر انه كان أسود قط!! وعمري ما فكرت أن أصبغه بأي لون حتي في عز شبابي. ** هل كان هذا للفت الانتباه؟ أم أنه عدم اهتمام بالجمال؟ * لا هذا ولا ذاك.. أنا لست ضد الجمال لكنني ضد التجمل لانه تصنيع وأنا احببت شعري الأبيض وأحببت شكلي وملامحي وشعرت بالرضا عنهما وعلي فكرة كثيرون خاصة من الأجانب يعجبون بشكلي ويقولون انني جميلة.. وأنا لي فلسفة خاصة في الجمال, هي أن الصحة والحيوية هما الجمال الحقيقي الذي يظهر علي الشكل وان جمال العينين مثلا هو الصدق الذي يشع منهما وليس خط الكحل لذلك أنا أسعي إلي الجمال بطريقتي الخاصة وهي الغذاء بطريقة صحيحة وممارسة الرياضة التي تناسب عمري حاليا المشي والسباحة وان أكون دائما صادقة ** قيل ان احتفاظك بهذا المظهر.. واعلانك للاراء الصارمة هو نوع من السعي للشهرة.. هل هذا صحيح؟ * الشهرة هي التي تحبني وتسعي ورائي أما أنا فلم أحبها.. لا أنكر انها تشعرني ب التحقق لكن مضارها كثيرة وأكبر من نفعها وأسوأ مضارها هو القضاء علي خصوصيتي وجعلي دائما في مهب الريح ناهيك عن شعوري الدائم بأنني مطاردة ومحاصرة بالاعلام الذي يسعي لاستغلالي في صنع مانشيتاته ولم يقدم قط صورتي الحقيقية ** دعينا نتحدث عن الأدب قليلا من هو الاديب المصري الذي ترينه عالميا؟ * لا أحد!! لكنني يتم تقديمي في جميع المحافل الدولية ب الاديبة العالمية لان47 مؤلفا ترجمت إلي40 لغة قرأها الملايين حول العالم.. أما في بلدي فيعرفونني بالناشطة السياية! ** إذن لمن من المصريين تقرأ نوال السعداوي؟ * لا أقرأ لأحد من الكبار المعروفين لأنهم ماداموا اصبحوا كذلك لابد انهم نافقوا كثيرا والكذب والنفاق لايمكن ان يصنعا ابداعا حقيقا.. لذلك أقرأ للشباب الصغار الذين استمتع جدا بابداعهم خاصة بعد الثورة وأقوم بكتابة مقدمان لكتبهم دون ان اعرفهم أو حتي اتذكر اسماءهم.. يكفي ان يعجبني مامتبوا ** لماذا لم تتحول احدي مؤلفاتك إلي فيلم سينمائي مثلما حدث مع كثير من المبدعين؟ * حاول المخرج صلاح أبوسيف تحويل روابتي مذكرات طبية إلي فيلم لكن الرقابة رفضت ثم حاول بعده مخرجون كثر لكنهم فشلوا لنفس السبب.. المشكلة انني فوجئت بعد ذلك بأنهم يسرقون أفكاري من رواياتي ويحولونها إلي أعمال فنية غاية في الركاكة ** هل تشعرين انك حصلت علي قدر أكبر من الحرية في الابداع بعد ثورة يناير؟ * ربما يكون بقدر قليل جدا.. البعض يعتقد انني جريئة واكتب متي أشاء لكنهم لا يعلمون انني احاول دائما اثناء الكتابة ان اتحرر من القيد الذي تضعه دور النشر حتي اضمن نشر اعمالي الذي كان ومازال يحدث بصعوبة شديدة ** وما هو اخر أعمالك الادبية؟ * أقوم حاليا بكتابة رواية اعتقد انها ستكون أفضل ما كتبت في حياتي لانني اريد ان أعبر عن نفسي فيها بشكل جديد أكسر فيه كل التابوهات ** ماذا تقولين؟!!! هل مازال عند نوال السعداوي تابوهات؟!! * كثيرا!!! بكل علامات التعجب والاستغراب ودعتها وأنا حائرة: هل قام الاعلام بالفعل بتشويه صورة هذه السيدة التي استطاعت رغم سنوات عمرها الثمانين الحفاظ علي جرأتها وشجاعتها في المواجهة فضلا عن ثباتها علي مواقفها؟ وهل يشفع لها وضوحها وصراحتها ومغالاتها في بعض ارائها؟