سعت الدول الملكية في العالم العربي وخاصة دول الخليج العربي إلي العمل علي تفادي الربيع العربي الذي اندلع قبل ما يربو علي العام ونصف العام بشرارة أوقدها الشاب محمد بوعزيزي وكان وقودها الأساسي الشباب. بيد أن آخرين في العالم العربي سواء كانوا دولا أو قوي سياسية قد حاولوا استغلال هذا الربيع لحقيق مصالحهم الضيقة. ووسط كل ذلك شعرت الدول الخليجية صغيرة العدد وضعيفة الإمكان أن استهدافها في ظل ما يقال عن تدخلات خارجية في بعض الثورات العربية يبقي هو الأسهل, بل إن وضعها ذلك ربما يغري بعض القوي سواء كانت دولا أو تنظيمات بالتدخل في شئونها الداخلية. وكانت أولي الخطوات التي قيل أنها جاءت بالأساس لحماية تلك الدول الملكية من نسائم الربيع العربي أو رياحه, هي موافقة دول الخليج العربي علي إمكانية ضم المملكة الأردنية والمملكة المغربية إلي مجلس التعاون الخليجي فيما تمت الإشارة إليه إعلاميا علي أنه اتحاد الملكيات العربية. كما أن الفهم الحقيقي لما يدور من تبادل للتصريحات شديدة اللهجة بين الإمارات العربية المتحدة والإخوان المسلمين لا يمكن أن يتم بمعزل عن السعي لتفادي تداعيات الربيع العربي. وبداية فلابد من الإشارة إلي أن جماعة الإخوان المسلمين باتت تشعر بحالة من القوة التي تري أنها تبرر لها تحقيق العديد من أهدافها أو تصفية بعض حساباتها مع بعض الخصوم السابقين. وكان رد فعلها المبالغ فيه علي تصريحات قائد شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان بشأن الدكتور يوسف القرضاوي خير دليل علي ما يمكن اعتباره شعورا بتضخم الذات الذي فرضته النتائج التي حققها الإخوان في الانتخابات في دول الربيع خاصة في مصر. ومن ثم فلم نسمع تصريحا شديد اللهجة علي تصريحات خلفان سوي من الإخوان المسلمين في مصر. ومصدر المبالغة في رد الإخوان أولا أنهم قفزوا بتصريحهم علي الدولة المصرية فالدكتور يوسف القرضاوي حاليا مقيم في قطر ولم نسمع من أي جهة في قطر إدانتها لتصريحات خلفان, وثانيا لأن التصريح يستند إلي قوة متصورة لدي الإخوان لتحريك المسلمين ضد طرف ما حتي ولو كان ذلك الطرف دولة مسلمة هي دولة الإمارات العربية المتحدة, وثالثا لأن الإخوان لم يعيروا اهتماما لانعكاس مثل هكذا تصريح وما تبعه من توتر بينها وبين الإمارات علي العلاقات المصرية الإماراتية. لقد حاول الاخوان استدراك الموقف بعد رد الفعل العنيف الذي ما زال مستمرا من جانب الإمارات محاولين التهدئة إلا أن الإمارات ما زالت حتي اللحظة مصرة علي عدم الاستجابة لتلك التهدئة, وفي ظني فإن ذلك يعود بالأساس إلي إصرار الإمارات علي إرسال رسالة للجميع مفادها أنه لا تساهل في التعامل مع أية محاولة للعبث بالشأن الداخلي الإماراتي خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين الشعب والحكام, كما يعود إلي محاولة ممارسة أقصي ضغط ممكن علي إخوان الإمارات لعدم الانسياق وراء ما يطرحه إخوان الخارج, حيث أكد الفريق ضاحي أن الإخوان يسعون إلي قلب أنظمة الحكم في دول الخليج العربي لتصبح جميعها رهينة في يد المرشد, وأكد أن الإخوان أخطر من إيران والولايات المتحدة. ولعل ذلك هو ما يفسر التصريح الأخير الذي وصف فيه من يتبع الإخوان بأنه عميل, محذرا من يريد اتباع المرشد بأنه لن يكون مرحبا به في الإمارات فقال من يبايع المرشد المصري فنقول له باي باي. ومن ناحية فإن الموقف برمته يشير إلي تواضع قدرة الإخوان علي تقدير المواقف تقديرا جيدا وتقدير ما يمكن أن يحدث نتيجة ما يدلون به من تصريحات, ومن ثم شهدنا وما زلنا نشهد تراجعات كثيرة من جانبهم عن مواقف كانوا يصفونها بالمبدئية, ولعل محاولاتهم الأخيرة للخروج من مأزق الانتخابات الرئاسية خير دليل علي مثل تلك التراجعات. وهو الأمر الذي يضع الإخوان المسلمين وهم مقدمون علي تصدر المشهد السياسي في مصر بصورة كاملة في موقف يفرض عليهم ضرورة المراجعة وتقييم ما حدث خلال الفترة منذ اندلاع الثورة وحتي الآن, فتراكم الأخطاء وصورة الاستعلاء الآخذة في التشكل عن الإخوان لدي قطاعات واسعة من الشعب المصري لن تكون في صالح الإخوان بأي حال من الأحوال. [email protected]