ذاكرة الوطن تتهافت الشعوب علي ذكرياتها..تنقب..تبحث...تنبش... تقف أمام أحداث تاريخها...تتذكر...تدرس...تؤكد وتنتفع وتظل الأجيال تتوالي...تروي وتحكي وتقص وتكتب وتسجل تسجل بكل أشكال وألوان التسجيل ذكريات وطنها. وكان المصريون القدامي من أوائل المسجلين والكتبة والمؤرخين...وهذه أثارهم الخالدة لاتزال شاهدا علي سبقهم في هذا المجال ومدعاة لفخرنا نحن الأحفاد الأبعدين. كل هذا يلح بالسؤال عما حدث لنا وماجري..وما كل هذا التغيير والتضاد؟..وأين نحن من ذكرياتنا تلك؟ قد يقول قائل إن الوطن يعطينا جميعا وله الفضل أيا كان مانقدم..وهذا صحيح ولكنها الرسالة التي تفرق في النهاية بين من أعطي ومن لم يعط...وهي رسالة مهمة وبخاصة للأجيال القادمة ودفعا لهم تجاه الوطن والانتماء له. وفي ذلك تتسابق الدول والشعوب ولعل شيئا مما رأيت بنفسي تلك المظاهر والسلوكيات ووسائل التخليد والتجسيد الحي لذكريات تلك الأوطان وأذكر منها علي سبيل المثال تمثال وقاعدة وتل المامايا في ستالينجراد في روسيا وكتخليد لذكري معركتها الكبري وحرب البيت بيت والشارع شارع أبان الغزو الألماني لها في الحرب العالمية الثانية ويتمثل الرمز في هذا الدرج المكون من مائتي درجة سلما صاعدا لقمة التل حيث تعلوه المامايا رافعة شعلة النصر مشيرة الي وجوب الاستمرار والاتجاه شرقا. والمامايا أو الأم الرمز تلك التي تقبع علي قمة التل بعد تلك المعركة الخالدة والعظيمة وكانت قد استشعرت بعض الترهل في قواتها بعد النصر وظهور بوادر حرب أهلية وعراك محلي, فإذا بها تشير من أعلي التبة أن المعركة لم تنته بعد مشيرة الي الشرق ووجوب التحرك جنوببرلين وحيث يمثل ويجسد تمثال المامايا كل معاني الفخار بالنصر والاعتزاز بالشهداء وفي المنتصف منه مدفن رمزي لشهداء المعركة والذي روت لنا المرشدة السياحية بدموعها الحقيقية قصتها وحياة شهدائها وكأن الحدث انتهي في التو واللحظة فالدماء حمراء ساخنة مسكوبة واللحم الذي انقضي عليه وقت الزيارة ما يزيد علي ستين عاما لايزال حيا ينتفض ويسيل وبكل الجلال والتبجيل والتقدير الذي هز كل مشاعرنا ظلت تروي لنا قصة ماحدث. وعن ستالينجراد..ولتأكيد ذكراها وتشبيها لما دار علي أرضنا في بورسعيد يمثل مادار علي أرضها وتأكيدا للتآخي الذي بيننا أسمينا واحدا من أهم شوارع بورسعيد شارع ستالينجراد وبالمثل يقبع شارع بورسعيد في ستالينجراد كواحد من أهم شوارع تلك المدينة الخالدة. وفي السويد حيث سقط شهيدها العظيم أولف بالم رئيس وزرائها المحبوب مضرجا في دمائه وتظل نقطة الدم محفوظة محاطة بالورود التي يضعها كل من يمر عليها كل يوم وحيث ترفع في نهاية اليوم لتحل محلها في اليوم الجديد ورود المارة القادمين للترحم والذكري وحتي الآن ومنذ أكثر من خمسة عشر عاما. وهكذا في العالم كله الكل يسجل ويحتفل ويتذكر وقد كنا كذلك وإن تبدل بنا الحال هذه الأيام أحيانا تحت دعاوي مختلفة ما أنزل الله بها من سلطان ثم ماذا في شأن وثائق حرب السادس والخمسين أو ما اصطلح علي تسميتها بحرب السويس وإن كان يجب أن تكون حاملة لاسم البطل الحقيقي أو بورسعيد ثم أين مراكز البحث والجماعات من تسجيل هذه المعركة الفريدة في تاريخنا؟ والتي أحدثت أثارا مدوية تجاوزت حدود مصر والعالم العربي الي العالم الثالث محققة أكبر حركة تحرر عالمي في التاريخ..وحيث كانت بداية الانطلاق لعالم مابعد الاحتلال والاستعمار الأوروبي لدول أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية والتي ماباتت تسجل وتعترف بفضل عبد الناصر ومصر في استقلالها, وحيث تدور الأيام وبرغم محاولات وأد هذا التاريخ الناصع يخرج علينا اليوم قادة من دول العالم النامي ليذكر الفضل لأصحابه..وحتي صاحب الحدث..وبطله أين نحن من ذكراه؟ أين تمثاله الشاهق الواجب اقامته عرفانا وتقديرا وتمجيدا لاسمه الكبير؟وتأكيدا علي أننا لاننسي أبطالنا..فما بالك بعبد الناصر؟ ثم أين تمثال الكتلة البشرية وجماهير الخامس والعشرين من يناير2011 بملايينها ان إحدي أهم وسائل وطرائق العبور من أزماتنا الحالية هو باستنشاق ذكريات النصر وسنوات الفخار الوطني والتي يمكن أن نستمد منها جذوة الانطلاق للمستقبل الواعد الذي نعتبره مخرجا من عنق الزجاجة القائم. ثم نحن فقط لا نتناسي فقط ولانتذكر وإنما نتعمد النسيان والاهمال والتزوير فإستاد ناصر صار استاد القاهرة وبحيرة ناصر أصبحت بحيرة السد..وبعد ذلك نبحث عن من يشد بأيدينا ويعطينا ويقدم لنا القدوة والمثال ويتفاني في العطاء لنا..كيف؟