أعادت أحداث مباراة المصري والأهلي في بورسعيد طرح تساؤلات عن لعبة كرة القدم في بلد كمصر وعلاقتها بالسياسة وكيف تحولت الساحرة المستديرة في أوقات كثيرة إلي لعبة في أيدي الحكومات المتعاقبة في حربها ضد الشعب الذي وقع غالبية شبابه في الطريق المرسوم. وبدلا من أن تكون كرة القدم وسيلة ترفيه ومؤشرا علي النهضة, تحولت إلي شيء آخر, حتي أفاق الجميع علي الكارثة بعد أن انقلب السحر علي الساحر. مرات كثيرة استخدمت كرة القدم لالهاء الناس عن المطالبة بحقوقهم وتحديدا قطاع الشباب الذي أريد لها الابتعاد عن السياسة, ففتح باب الأنشطة الرياضية في الجامعات علي مصراعيه علي حساب أي نشاط سياسي أو حتي ثقافي. وظلت الحكومات المتعاقبة تنفخ في تلك النارحتي وصلنا إلي مرحلة الالتراس التي كانت مرفوضة في بداية ظهورها في ملاعب كرة القدم المصرية, ثم أصبحت شيئا عاديا بل وصارت ضرورة من ضرورات. الأندية الكبري, ثم سارت الأندية الصغري علي نفس الطريق. شعبية زائفة في هذا السياق, حرص نظام الرئيس السابق حسني مبارك علي استغلال شعبية كرة القدم ليضيف إلي رصيده السياسي المنهار أصلا, وراح يوجد في كل المناسبات, بل ويقود عمليات التشجيع في المباريات التي يكون الطرف الثاني فيها أجنبيا. وكان ظهور نجلي الرئيس السابق جمال وعلاء في صدارة المشهد الرياضي في كل المناسبات القومية الرياضية, أمرا ملحوظا, وربما حقق لهم بعض الشعبية في أوساط الشباب الرياضي. صحيح أن تلك الشعبية كانت مؤقتة ومرتبطة بحالة الفريق القومي, لكنها تحققت في عدة مناسبات لعل أبرزها المرات التي فازت فيها مصر ببطولة الأمم الافريقية. في هذا الصدد تجب الإشارة إلي تلك الجوقة السياسية التي كانت حاضرة بقدها وقديدها في استاد القاهرة لمشاهدة مباراة في كرة القدم بكأس الأمم الأفريقية بينما كانت العبارة السلام98 تصارع الأمواج ويموت نحو ألف مواطن مصري غرقا وتأكلهم أسماك القرش. وقد نسي هؤلاء أن الإخفاق في البطولات الرياضية يخصم من رصيدهم المتآكل أيضا, فالخروج من تصفيات كأس العالم أمام الجزائر, وما حدث في أم درمان وما تكشفت عنه الأمور بعد ذلك كان نقطة سوداء أضيفت إلي نجلي الرئيس ومن معهما ممن هربوا علي أول طائرة إلي القاهرة تاركين الجماهير المصرية تواجه مصيرها هناك. اللافت أن عمليات التضليل التي صاحبت ذلك نجحت إلي حد كبير في تحويل هذه الهزيمة إلي معركة سياسية وشعبية مع الجزائر, بينما كان الأجدي الاعتراف بالتقصير والفشل في إدارة مواجهة في مباراة كرة القدم. وقد اكتشف الكثيرون بعد ذلك أن عمليات التضليل والتهييج ضد الجزائر كانت موجهة لإبعاد الأنظار عن فشل نجلي الرئيس, وليذهب الجميع بعد ذلك إلي الجحيم. ولم يدر بذهن أصحاب تلك النظرية أنهم هم أنفسهم يمكن أن يصبحوا يوما من الايام في قلب الجحيم. اللحظة التاريخية لقد حلت تلك اللحظة التاريخية يوم25 يناير, ونزل الناس إلي ميدان التحرير, ولم يكن ألتراس الأندية الكبري خارج الحسابات, وكان من بين القوي التي حجزت لنفسها مكانا بالساحة السياسية. وكان الظهور الأول والبارز في مباراة الأهلي وكيما أسوان, حيث ترك ألتراس الأهلي المباراة ودخلوا في مباراة أخري مع الشرطة التي تؤمن الملعب, ثم كانت لهم ساحة مواجهه أخري في شوارع مدينة نصر ثم استقر بهم الأمر في شارع محمد محمود وكانوا جزءا رئيسيا من قوي رأت ان لها ثأرا مع وزارة الداخلية. وأخيرا كان ألتراس الأهلي الطرف الذي وجد نفسه في ساحة الجحيم, ليكون الضحية الكبري لأحداث بورسعيد, التي شهدت سقوط74 قتيلا ومئات المصابين. ويبقي السؤال مطروحا ليس عن المستقبل السياسي لألتراس الأهلي أو الزمالك أو غيرهما وإنما عن مستقبل الكرة السياسي في مصر في ضوء التغيرات التي تشدها البلاد حاليا, وهل يأتي اليوم الذي يشكل فيه هؤلاء حزبا سياسيا ربما يشق طريقه إلي البرلمان؟؟. لقد فعلها البعض من نجوم اللعبة السابقين وشقوا طريقهم إلي البرلمان بسهولة عبر سفينة الحزب الوطني المنحل. وفي هذا السياق, وتأكيدا لسيناريو رغبة السلطة في إلهاء الناس وصرفهم بعيدا عن حقوقهم, ربما يفسر البعض إصرار من بيدهم الأمر حتي قبل موقعة بورسعيد علي مواصلة بطولة الدوري العام, رغم المخاوف الأمنية والسياسية. كما يعتبر آخرون أن مثل هذه المباريات الساخنة ربما تفتح الباب للفوضي. وإذا كان الفراغ السياسي المتعمد في الفترات الماضية وحتي قبيل سقوط مبارك, قد ساعد علي تمدد جمهور كرة القدم علي هذا النحو, فالمتوقع أن يحدث تمدد إضافي بشكل مختلف مع رفع السقف السياسي وتراجع القبضة الأمنية. وإذا كان التمدد المتوقع بجمهور الكرة في الماضي قد انقلب علي صاحبه وجاوز الحسابات, فعلي من تكون العاقبة في المستقبل في ظل حالة الضبابية التي تعيشها مصر حاليا, بانتظار تحقق كامل أهداف الثورة؟؟.