أربعة أيام وتستقبل مصر الذكري الأولي لثورة25 يناير2011 بينما هي منقسمة علي نفسها في كيفية الاحتفال بتلك الذكري,بل إنها منقسمة عما إذا كان يجب الاحتفال أم أن الثورة لم تكتمل بعد ليتم الاحتفال. وبالتالي لابد من ثورة أخري في25 يناير.2012 القوات المسلحة ومعها الأغلبية من المصريين الذين يطلق عليهم الأغلبية الصامتة وبعض من القوي السياسية تؤيد وتسعي لأن يكون25 يناير2012 يوما للاحتفال بذكري الثورة المصرية, بينما تري القوي الثورية أنه لابد من مواصلة الثورة وجعل يوم25 يناير2012 تجديدا للثورة. بتعبير آخر, يمكن القول أن الصراع بين منطق الدولة ومنطق الثورة ما زال قائما ويستعر كلما اقترب يوم الخامس والعشرين من يناير. فالمدافعون عن منطق الدولة يرون ضرورة الاحتفال بذكري الثورة وعدم وضع مصر مرة أخري علي حافة الهوية, فالاحتفال في حال خرج بشكل سلمي سيساهم بشكل كبير في تدعيم الاستقرار والأمن بكل ما يعنيه ذلك من تداعيات إيجابية علي الوضع الاقتصادي الذي اقترب كثيرا من حد الخطر, كما أنه سيدعم فرص الاستمرار في عملية نقل السلطة من العسكريين إلي سلطة مدنية منتخبة. ولعله من المفارقة المثيرة أن تندلع ثورة يناير2011 لتطالب ضمن ما طالبت به بضرورة حل مجلس الشعب المزور بينما هي تحاول إعادة الكرة اليوم في ظل وجود مجلس للشعب ناتج عن انتخابات هي الأكثر نزاهة في تاريخ الانتخابات المصرية. المجلس الأعلي للقوات المسلحة نزع العديد من الأوراق التي كان يستغلها الثوار ضده ليشككوا في نيته أو جديته لتسليم السلطة. فالمجلس أجري الانتخابات رغم كل التحديات التي كانت تحيط بالعملية وتمكن من إخراجها بشكل أبهر العديد سواء في الداخل أو الخارج,واتخذ من القرارات ما جعل خريطة الطريق أكثر وضوحا وتحديدا. إذ أعلن المجلس أنه سيسلم السلطة للرئيس المنتخب في موعد أقصاه نهاية يونيو القادم, ثم عاد وأعلن عن الوعد المحدد لفتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة ليكون في منتصف أبريل القادم, إضافة إلي أنه سيكون لدينا مجلسا للشوري في مارس القادم, وتبقي المشكلة الأساسية في تلك الخريطة والتي نتجت عن ضغط الوقت إستجابة للثوار هي ضيق الوقت المتاح لوضع الدستور والاستفتاء عليه. والجدول الزمني بهذا الشكل أصبح واضحا ولم يمكن ضغطه أكثر من ذلك بأي حال من الأحوال, ومن هنا أعتقد أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة لم يعد لديه ما يقدمه للثوار بما لا يخل بمقتضيات المسئولية الوطنية التي تحملها منذ فبراير الماضي. وهو الأمر الذي يدفع إلي التساؤل عن المطالب الجوهرية التي سيحملها من ينادي بثورة أخري في ميدان التحرير بعد أيام. فحقيقة الأوضاع علي الأرض تؤكد أنه لم يعد هناك من مطلب يمكن تصور أن يرفعه الثوار سوي الرحيل الفوري للمجلس العسكري عن السلطة. وهنا أبادر بالقول أن الدعوة لرحيل المجلس العسكري فورا والآن هي دعوة للعودة إلي المربع رقم واحد مرة أخري, وكأن البلاد لم تتكلف الكثير من أبنائها وأمنها واقتصادها خلال العام المنصرم, وهي دعوة للوقوف مرة أخري, علي أبواب المجهول أو بالأحري علي أبوب الفوضي. الأخطاء التي حدثت في الفترة الانتقالية بصرف النظر عن الطرف المسئول عنها لا تبرر بأي حال من الأحوال الانقلاب علي كل ماحدث. لاتبرر الانقلاب عن نتائج الانتخابات ورغبة الشعب التي عبر عنها مرتين عبرالصندوق ويعبر عنها عبر تراجع تعاطفه الواضح مع الثوار, كما لم يعد خافيا علي أحد حالة الضجر التي يعانيها المصريون نتيجة ما يقوم به الثوار وكاد الكثير منهم يكفر بالثورة. وفي تقديري فإن السؤال الأساسي الذي يجب أن يطرحه الثوار علي أنفسهم هو إلي أين تتجه الثورة في ظل حالة التعاطف الشعبي الآن مقارنة بما كان عليه في أيام الثورة الأولي. خسرت الثورة والثوار كثيرا كلما تزايدت الفجوة بينهما وبين الجماهير في الشارع, وبينما كان الثوار أكثر التحاما بالجماهير في يناير2011 فإنهم أكثر بعدا عنهم في2012 يعبرون عن مطالب يرونها أساسية مع أن للجماهير رأيا آخر. وهو الأمر الذي يدفع إلي طرح فكرة أن يكون يوم25 يناير2012 يوما لتجديد روح الثورة وليس استنساح الثورة نفسها, والتجديد هنا هو استعادة التعاطف الشعبي مع مطالب الثورة والابتعاد عن ممارسة ديكتاتورية الرأي وتصور امتلاك الحقيقة والوصفة السحرية لتحرير مصر وإطلاقها من عقالها. وإذاكان هناك من رسالة فهي ألا يضع الثوار أنفسهم في مواجهة الرغبة الشعبية حفاظا علي الثورة والأهم علي مصر نفسها. ولندعو الله جميعا أن تعتبر مصر تلك الأيام بخير. [email protected]