التسخينات والدعوات المتداولة علي مواقع التواصل الاجتماعي للتحضير لثورة جديدة في مناسبة الاحتفال بالعام الاول علي الثورة المصرية تبدو وكأنها جاءت من عالم آخر, اختلفت فيه المعايير والموازين والتوقيتات.. نعم ثورة25 يناير لم تحقق الكثير من أهدافها حتي الآن, ولم تختلف الممارسات عن تلك التي كان يمارسها النظام السابق, ولايبدو منطقيا أن نتحدث الآن عن ثورة أو بركان غضب في ظل ظروف متباينة ومغايرة لما كانت عليه في يناير2011, ولذي خمسة أسباب لذلك: السبب الأول: هو الظروف غير الطبيعية التي مرت بمصر في نهاية2010 بعد تزوير الانتخابات وثبوت الرؤية في مشروع التوريث وضيق وانسداد الافق امام التغيير والتداول السلمي للسلطة بالدرجة التي لم يعد فيها أي حل ممكن سوي الانفجار, ومثلت قوي الغضب من هذا الوضع, المحرك الرئيسي للثورة وخروج حوالي14 مليون متظاهر للشوارع, وهذه الاحصائية تضع ثورة25 يناير كأكبر ثورة شعبية في التاريخ المعاصر, السبب الثاني: هو غياب الشعور العام بالتوحد الذي انتشر في مصر إبان إنطلاق الثورة واجتماع المصريين بقوة غير مسبوقة خلف هدف واحد هو ازاحة النظام وتنحي الرئيس, هذه القوة التي أفرزها اتحاد جميع التيارات الفكرية والسياسية والدينية لم تعد موجودة بعد تشرذم قوي الثورة, وخاصة مع التركيز الحالي علي توظيف الإعلام مرة أخري لشيطنة الثوار والشخصيات التي ساندت الثورة مما افقدهم التعاطف وضعف تأثيرهم, السبب الثالث: هو التغيرات الإيجابية التي حدثت علي ارض الواقع منذ يناير2011 بدءا بمحاكمة المخلوع وفريق التوريث ووزراء الفساد ومرورا بالانتخابات التي جرت في أجواء كاملة من الحرية والشفافية ويكفي مقارنة عدد طعون المجلس السابق التي جاوزت1300 طعن ومقارنته بما تم في الانتخابات الحالية لمعرفة مدي قبول جميع الأطراف بالنتائج, خاصة مع خروج التيار الديني بشقيه الإخواني والسلفي فائزا, وهي قوة ضاربة لا يمكن نجاح الثورة بدونها. السبب الرابع: الظروف الإقليمية التي مرت بها المنطقة في بداية الربيع العربي والتي تميزت بعدم وضوح موقف القوي العظمي من الثورتين التونسية والمصرية التي تلتها في وقت سريع, وأدي لشلل شرايين المساندة والدعم الدولي مما ساهم في إنعزال وارتباك النظام بشكل أسرع مما حدث في حالة اليمن وسوريا, وساعد في إنجاح الثورة, الوضع اختلف الآن مع خروج قطبي المجتمع الدولي المؤثرين بتعمق الأزمة الاقتصادية في أوروبا ودخول الانتخابات الأمريكية مرحلتها الأخيرة, السبب الخامس: إن عاطفية الشعب المصري ورضاءه بالقليل وغياب الرغبة الحقيقية في التغيير الجذري لدي الجميع تجعل الغالبية العظمي تريد أن تعود الحياة إلي ما كانت عليه والانتظار, مرددين أعطينا مبارك فرصة30 سنة فلماذا لا نعطي الآخرين فرصة, هذه المقولة تنم عن عدم الشعور بقيمة الوقت وتفشي مفاهيم التبسيط والسطحية, وغياب الوعي بمفاهيم الثورة الحقيقية, وكلها عوامل ضد تيار الاستمرار في الثورة. إن رغبة بعض القوي للخروج في ثورة جديدة يجب أن يدعونا للتفكير فيما وراءها, ومع اعترافنا بأن كل التغيرات الإيجابية التي تمت كانت بدعم المجلس العسكري, إلا أن هناك خللا كبيرا حدث ويحدث ولا يمكن علاجه فقط بالترويج لفكرة المؤامرة الدولية ضد مصر, والتي أدعو من يرددها بكشفها ومن وراءها وماذا فعل للحفاظ علي الدولة منها؟ إذا كانت لحظة تنحي مبارك هي بداية لمصر الجديدة فكيف تستمر ممارسات التخوين التي تخصص في نشرها النظام السابق بنفس النشاط والقوة؟ ولماذا لا نتساءل عن أسباب تركيز الهجوم علي أهم كيانات ورموز الثورة بينما نترك تيارا آخر يشوه في الآخرين ويكفرهم ويطيح بأملهم في أن يشاركوه في صنع المستقبل؟ الإجابة عن هذه الاسئلة قد توضح لماذا يريد البعض, بدل من أن يحتفل بعيد الثورة الأول, أن يثور في يناير2012. إذا كنا نريد ان نحتفل بالثورة في25 يناير2012 كما فعلت تونس فانني أري أن علي المجلس العسكري أن يعيد النظر في توجهاته نحو رموز الثورة وأن يكرم من يستحق منهم ويطلق مبادرة لتصحيح صورتهم التي شوهتها بعض الأخطاء وبقايا النظام البائد.