لا يوجد في مصر اليوم ما هو أهم من النظر إلي المستقبل والوقوف علي سيناريوهات ما بعد الانتخابات البرلمانية, الخطوة الأولي للولوج إلي عصر ما بعد مبارك, هذا العصر بدأ اليوم نتمني أن يختلف مع الماضي وممارساته ومعاناته, ويتميز بتطلعات كبري يحملها له الشعب المصري. لا شك أن طريقة تفكير النخبة التي ستحكم سوف تشكل العامل الأول لدفع مصر إلي الأمام أو للخلف لا قدر الله فهؤلاء سيقومون بقيادة الدولة في مرحلة صعبة مليئة بالصعاب بدءا من عدم الاستقرار السياسي في المنطقة ومرورا بانفجار نسب البطالة خاصة بين الشباب ووصولا لأزمة مالية واقتصادية عالمية, هذه التحديات لا يجب أن نزيد عليها عوائق غير متوقعة من تصادم علي قضايا هامشية أو تناحر داخلي حتي لا تحدث حالة الدوران في دوائر مفرغة وتؤدي للانهيار الكامل. ومهما تكن نتيجة الانتخابات فالشعور الذي ساد عن تفتت الأصوات لم يحدث بل حدث أكبر مما هو متوقع وعادت سيناريوهات نتائج الحزب الوطني والاتحاد الاشتراكي التي تعتمد حزبا واحدا يفوز بالأغلبية الساحقة, ونحن نقف أمام مجموعات تم إعطاؤها مؤقتا اسم أحزاب تمتلك عددا من الأصوات وتقف أمام معضلة تشكيل قوي وكتل سياسية نشطة وذات وزن تستطيع تغيير عجلة الحياة في مصر. المعضلة الأولي ستكون في تشكيل الحكومة في هذه الظروف, ومع تنامي أعداد الأحزاب التي تم تشكيلها عقب الثورة بشكل سريع ودون امتلاك قاعدة ولا برامج ولا كفاءات حزبية, سوف يجد المجلس الأعلي نفسه في أكبر معضلة من الممكن تخيلها, وهي تشكيل وزارة من منتسبي أو أعضاء هذه الأحزاب الفائزة, وتجارب المجلس في اختيار حكومة بعد الثورة لم تكن مشجعة علي الاطلاق وهو مايعني ان المجلس عليه أن يضع معايير واضحة وصارمة لمن يتوقع ترشيحه لشغل منصب وزير. المعضلة الثانية والرئيسية: ستكون في وضع الأولويات أمام الحكومة القادمة, فالمرحلة سوف تبدأ بحكومة الثورة الحقيقية والتي عليها أن تضع أولويات المستقبل لمصر, وهنا يجب التوقف للسؤال عن الطريق الذي سوف يتبعه الاخوان, الفصيل الأكبر هو وحزب السلفيين, وهل يتم التركيز علي التفتيش في الماضي أو النظر للمستقبل؟ بالتأكيد تحتوي ملفات الماضي علي موضوعات شديدة الأهمية لمحاسبة المسئولين عن الفساد الذي غمر ربوع مصر, وقد وفر علينا الرائع حسب الله الكفراوي الطريق ولخص الفساد في عصر مبارك في خمسة ملفات هي: تجارة السلاح, بيع ديون مصر, برنامج الخصخصة, بيع الغاز والبترول, تخصيص وبيع الأراضي ان فتح هذه الملفات مهم جدا ليس فقط لأنه سوف يثبت ان الثورة انتجت نظاما يعتمد العدالة والمحاسبة ومحاربة الفساد ولكن سوف تسمح بالحصول علي الكثير من الحقوق واستعادة أموال وأراض منهوبة نحتاج إليها في هذه المرحلة. بينما تحتوي ملفات المستقبل علي مئات التحديات والمعضلات التي سوف يسمح حلها بالانتقال بمصر من عصر الفوضي إلي مصاف الدول المتقدمة, ملفات بناء مؤسسات الدولة المختلفة وترميم صورتها أمام العالم وأمام مواطنيها في المقام الأول. هذه الملفات تبدأ بتنظيف جميع المؤسسات والهيئات التشريعية والتنفيذية والرقابية من الفساد وإعادة الحياة إليها, وتنظيف مصر من العشوائيات وحل مشكلة رغيف العيش وتوصيل الغاز, تطوير التعليم والصحة والقضاء وبناء شرطة تحترم الشعب وتضمن تطبيقا عادلا للقانون. أمام الاخوان تحد لتحقيق العدالة الاجتماعية وتنمية السياحة وضمان حصتنا في مياه النيل, وتحدي اعادة مصر لدورها الاقليمي والدولي, وغيرها من ملفات طويلة وصعبة, بعضها يحتاج إلي عقود لحلها وهذا ما يدعونا إلي التركيز والخروج بهندسة دقيقة لقيادة هذه المرحلة وعدم تشتيت القوي في قضايا ثانوية. هذه دعوة صريحة للأجهزة التي ترعي مصر وتقودها في هذه المرحلة أن تضع معايير واضحة لاختيار القيادات. وان تبدأ القوي التي فازت بمقاعد البرلمان في وضع خطة محددة لسياسة مصر القادمة, خطة قابلة للتنفيذ والمراقبة, حتي تنجح هذه القوي في تجربتها الأولي في حكم مصر, فنجاحها مصلحة لمصر, وتذكروا أن مصر هي الهدف, مصر التي كانت دوما قوية وموحدة, وتذكروا أن من انتخبكم لم يكن يفعل هذا كي تتعلموا فيها السياسة أو تقسموها أو تفرقوا بين مواطنيها تحت أي مبرر, وتذكروا ان هناك من لا يريد لكم أن تنجحوا كي تنهار مصر ويسود عليها.!